شعارات وعناوين رنانة رفعتها الدول الغرب والولايات المتحدة على مدى عقود، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وحرية التعبير. واستغرق تثبيتها في العالم سنوات طويلة، لكنها سقطت كلها وانهارت في غضون 4 أشهر، نتيجة دعم الارتكابات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، فأظهرت أن كل ما كان الغرب يتغنى به مجرد وجهة نظر قابلة للتغير والتبدل بحسب الموقف السياسي من "الجلاد".
ليس هذا فحسب، بل تستمر الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية طبعا، في ممارسة ازدواجية فاضحة في المعايير، بحيث تمد إسرائيل بالسلاح. وفي المقابل تدعو إلى وقف إطلاق النار، لكن جل ما تفعله من أجل الايحاء بالضغط على إسرائيل هو التهديد بفرض عقوبات على جنودها، ولا تفعل!
خلال المنتدى الاقتصادي العالمي الفائت الذي انعقد بسويسرا في مدينة دافوس مطلع العام، سلط رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني محمد مصطفى، الضوء على الأضرار التي لحقت بقطاع غزة نتيجة الهجوم الإسرائيلي، كاشفا جملة من الأرقام الصادمة وهي المرشحة إلى الارتفاع طبعا مع استمرار الحرب وتعنت تل أبيب ورفضها وقف إطلاق النار.
في مقابل هذا الإجرام كله، يهدد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بمصادرة الأموال الروسية الموجودة خارج البلاد، كإجراء عقابي على غزو أوكرانيا، وذلك من أجل إعادة إعمارها.
الأرقام التي كشف النقاب عنها هناك، تجعل إعادة إعمار قطاع غزة أمرا شبه مستحيل، وذلك نتيجة للتكاليف المرتفعة، وفي ظل أزمة اقتصادية تعيشها أغلب دول العالم ناهيك عن رفضها مساعدة الفلسطينيين في إعادة الاعمار.
قال مصطفى في حينه، إن إعادة بناء الوحدات السكنية في غزة، قد تتطلب ما يزيد على 15 مليار دولار، في أقل تقدير، موضحا أن التقارير الدولية تشير إلى تعرض 350 ألف وحدة سكنية لدمار كلي أو جزئي في غزة.
وبافتراض أن 150 ألفا من تلك الوحدات يحتاج إلى إعادة البناء بمتوسط تكلفة يبلغ 100 ألف دولار للوحدة السكنية، فهذا يعني أن التكلفة الاجمالية ستكون قرابة 15 مليار دولار، من دون التطرق إلى تكاليف البنى التحتية والمستشفيات والمدارس ودور العبادة المتضررة والمدمرة.
في مقابل هذا الإجرام كله، يهدد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بمصادرة الأموال الروسية الموجودة خارج البلاد، كإجراء عقابي على غزو أوكرانيا، وذلك من أجل إعادة إعمارها.
هذا الأمر يسلط الضوء على أكبر "ازدواجية معايير" منقطعة النظير تمارسها الدول الغربية في مقاربة الحرب في أوكرانيا وتلك الإسرائيلية ضد غزة، إذ تمعن في النظر إلى أوكرانيا وتطبق معاييرها الإنسانية والحقوقية على الأوكران، وفي الوقت نفسه تغض الطرف وتتعامى عما ترتكبه إسرائيل في غزة.
فقد اعتمد الاتحاد الأوروبي قبل أيام، قانونا يقتطع الأرباح المحققة من الأصول الروسية المجمدة، وذلك في أول خطوة لتمويل إعادة إعمار أوكرانيا.
قبل ذلك كانت الولايات المتحدة قد طرحت فكرة مصادرة الأصول الروسية بشكل كامل، لكن مسؤولي الاتحاد الأوروبي اعتبروا أن هذا الإجراء قد يشكل خطرا عليها من الناحية القانونية، فاكتفوا بمصادر الأرباح فقط.
وسبق أن حذر الكرملين، من أن أي محاولة لاستخدام أصول المصرف المركزي الروسي، ستكون غير قانونية وستقوض النظام الاقتصادي العالمي برمته. كما لوحت موسكو بإمكانية مصادرتها أصولا لدول غربية لديها، بقيمة 288 مليار دولار في حال أقدمت هذه الدول على مصادرة أصولها لاستخدامها في إعادة إعمار أوكرانيا.
يقدر الاتحاد الأوروبي أنه يمكن تخصيص نحو 15 مليار يورو (16.17 مليار دولار) من هذه الأرباح لأوكرانيا على مدى السنوات الأربع المقبلة، وهو للمصادفة الرقم نفسه الذي تحتاجه إعادة إعمار الوحدات السكنية في قطاع غزة.
وتحتفظ روسيا بثلث تلك الأموال في دول الاتحاد الأوروبي بغرفة المقاصة البلجيكية المعروفة باسم "يوروكلير". وحتى الآن، تم تخصيص الضرائب على الأصول الروسية في بلجيكا لصندوق مخصص لأوكرانيا تديره الحكومة البلجيكية.
ويعني القانون الذي تم إقراره، أن غرفة "يوروكلير"، ستمتنع عن استخدام الأرباح الناتجة من الأصول الروسية وستلتزم بالحفاظ عليها منفصلة، كما ينطبق هذا الأمر على كل مؤسسات غربية تمتلك أكثر من مليون يورو (1.1 مليون دولار) من الأصول الروسية.
ويقدر الاتحاد الأوروبي أنه يمكن تخصيص نحو 15 مليار يورو (16.17 مليار دولار) من هذه الأرباح لأوكرانيا على مدى السنوات الأربع المقبلة، وهو للمصادفة الرقم نفسه الذي تحتاجه إعادة إعمار الوحدات السكنية في قطاع غزة.
هل تجرؤ الدول الغربية أو الولايات المتحدة على مصادرة الأصول الإسرائيلية في الخارج من أجل إعادة إعمار قطاع غزة الذي دمرته إسرائيل أو في أضعف الإيمان تمويل منظمة "الأونروا" لغوث اللاجئين الفلسطينيين؟ قطعا لن تفعل!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.