شعار قسم مدونات

مانفستو شباب السودان

الكاتب: السودان بتقديري جزء من حزام متكامل يدعى بالحزام السوداني ممتد من شواطئ نواكشوط بموريتانيا مرورا بجنوب الجزائر ومالي والنيجر وشمال نيجيريا المسلم وتشاد والسودان (الجزيرة)

لم يكن السودان بحاجة لتفكير جماعي بعيد عن المجريات اليومية وتفاصيلها الدقيقة مثلما هو اليوم، بخاصة لمن يرون الوقائع في هدوء بعيدا عن الضجيج، وعليه فإن الأزمة الحالية فرصة سانحة لإعادة النظر، ولو كان فيها من الآلام ما فيها، والكل يأمل أن تزول المحنة بأسرع ما يمكن وفي هذه الثانية قبل التي تليها.

لكن هي فرصة لإعادة التفكير، وصياغة شيء يجمع كلمة شباب السودان، ليصنعوا المستقبل، ويصوغوا الأمل المقبل، ويسمحوا بأفكارهم وأذرعهم للفجر أن يبزغ، لهذا فهو مفتوح النهاية للإضافة والتعقيب والمناقشة والمباحثة.

والفكرة المركزية لهذا الإعلان الذي أدعو له ترتبط بترك نقد نصف قرن، وتزيد من عمر الدولة السودانية لمصلحة إعادة قراءة شاملة للسودان في ذاته والقفز فوق سؤال الهوية في صورته الفلسفية نحو مقاربة عملية ربما تسمح للواقع القائم برؤية أصح وأكثر قدرة على الحل وربما تمنحنا من الاستقرار ما يؤهل لبناء رؤية فلسفية أكثر تكاملا.

فالسودان بتقديري جزء من حزام متكامل يدعى بالحزام السوداني ممتد من شواطئ نواكشوط بموريتانيا، مرورا بجنوب الجزائر ومالي، والنيجر، وشمال نيجيريا المسلم، وتشاد، والسودان. يتسم هذا الحزام بتقاربه الديني والعرقي من حيث التركيب المازج بين العروبة، والأفريقية، فتجد فيه الأفريقي المستعرب، والعربي المتأفرق، ولكن لكون الثقافة العربية قد غلبت فصاغت لهجة السودانيين الراهنة ولهجاتهم في أقاليمهم المتنوعة، فإن خصوصية السودان تقود إلى الحرص الشديد في تجنيس وقبول انضمام أي فرد إلى المواطنة السودانية حفاظا على هذه الخصوصية.

والحفاظ على هذه الخصوصية لا يقصد به عدم تجنيس أبناء قبيلة أو جماعة معينة، لكن ينبغي التوثق من مدى التصاق المنتسب بالثقافة السودانية في المنطقة التي تنتمي إليها جماعته العرقية في السودان، بما يكفل الحفاظ على الثقافة المحلية الخاصة بكل إقليم، وبهذا الاعتبار فإنه لا يمكننا تحديد معايير واضحة سوى تلك التي تقبلها الجماعات المحلية وتوثقها كأشكال تدين أو ممارسات شعبية.

إن الحفاظ على هذه الخصوصية أيضا يساعد السودان على أداء دوره باتزان، فالثقافة العربية تحدثا وكتابة وتراثا شفهيا مهمة للغاية لتيسير استيعاب الإسلام وفهمه وتطبيقه وتقديم الحالة الاجتماعية المثلى التي تعبر عن التدين النقي وتساعد على إصلاح أي خلل فيه، ولهذا فإن التجنيس العشوائي مضر بهذا التوازن الثقافي والاجتماعي الذي منح السوداني سماته وأخلاقه وعاداته.

في المقابل، فإن الانفتاح على الثقافات المحيطة كان قدر السودان المستمر وخياره الدائم للازدهار، ودونك الآلاف من السوريين والمصريين واليونانيين وغيرهم ممن عاشوا فيه منذ 200 عام وزيادة، ومن الخطأ الادعاء أنهم فقط شاركوا في الحركة التجارية، بل إنهم أثروا الحركة الثقافية فقدموا شعراء بارعين ونماذج مميزة في كل الحقول.

حقائق التاريخ تخبرنا أن السودان الراهن من دون جنوبه كان مجال حركة مملكتين مسلمتين هما: مملكة سنار والممالك التابعة لها، وكذلك مملكة الفور والمسبعات التي حكمت كردفان، على أرضية من تلاقي الثقافات النوبية والزنجية والعربية في سياق مسلم حضاري عام سمح بتنوع كبير.

من الأمور التي يجب النظر فيها أيضا: كيف تكوّن الكيان السوداني الراهن؟

من الخرافات الشائعة الادعاء بأن الاستعمار الإنجليزي هو ما رسم حدود السودان، وهذا ما ترسخ في الذاكرة الشعبية فبعض العامة يرى أن وقوف الفرنسيين عند حدود دارفور ووقوف الإيطاليين عند حدود الحبشة وإريتريا ووقوف الإنجليز عند حدود مصر هو ما رسم السودان الراهن، وفي رواية أخرى فإنه في أفضل الحدود فإن الحراك الاستعماري رسم الحدود وقنّنها.

حقائق التاريخ تخبرنا أن السودان الراهن من دون جنوبه كان مجال حركة مملكتين مسلمتين هما: مملكة سنار والممالك التابعة لها، وكذلك مملكة الفور والمسبعات التي حكمت كردفان، على أرضية من تلاقي الثقافات النوبية والزنجية والعربية في سياق مسلم حضاري عام سمح بتنوع كبير ونسيج ضام واحد. وفضلا عن ذلك، فإن العلاقات بين القبائل المختلفة قادت إلى تمازج يحتاج إلى دراسة مهمة وغير متكلفة، وليس أدل على ذلك من ورود ألفاظ بجاوية، ونوبية كثيرة في أشعار السودانيين في مجال المديح النبوي، وليس أدل عليها من كون عكير الدامر الشاعر المعروف بجاوي الأصول، وأن الأمير خميس المقيم في بلاط ملك الفونج كان من أمراء دارفور، وأقام لاجئا عند ملوك سنار، وأسهم في التخطيط لحماية سنار في الحرب الحبشية في القرن الـ17، وهكذا دواليك، كذلك فإن قبر إبراهيم جعل في كردفان وهو جد قبائل الجعليين الشهيرة، وفي المقابل فإنك تجد الهجرات بين دارفور ودنقلا غير منقطعة عبر درب الأربعين.

أما انضمام الجنوب فإنه رغم كونه متصلا بحكم أسرة محمد علي باشا وانقطاعه زمن المهدية فإن العلاقات تشوهت بسبب الاستعمار وأخطاء النخبة في التقدير، وهذا يقودنا إلى الجزئية الثالثة في ما نريد الوصول إليه.

ما يتعلق بفلسفة الدولة، فإن الدول لا تقوم بناء على إرادات فردية أو نخبوية أو وصاية النخبة على المجتمع العام، بل الصواب أن تتوافق رؤى النخب مع احتياجات الشعب من دون وصاية من النخب على الشعب، وتقوم برسم التصورات بناء على آليات المجتمع وترقيتها تدريجيا عبر الخدمات واستيعاب البنى التقليدية وتوجيه الجهود نحو مشاريع تسمح بتنمية الأقاليم وتعزيز قدراتها والإفادة من الحداثة في استبدال البنى التي تعطل الوحدة بتلك التي تعززها.

في سياق الأزمة الراهنة.. ما الرؤية الكلية؟

سودان مدني لا تحتكر السلطة فيه نخبة أو فئة، يحترم حقوق جميع المواطنين في تعبيرهم السلمي والمنضبط بالقيم العامة في التعبير عن الثقافات الخاصة، ويتدرج نحو الفدرالية عبر حكم شبه فدرالي بداية حتى تسمح ميزانيات الأقاليم باستعادة القدرة على تحمل تكاليف الحكم الفدرالي، وفي الوقت ذاته صيانة المؤسسات الدينية والاجتماعية التقليدية وتطوير آلياتها والحفاظ على القيم الأخلاقية والسلوكية، مع تنمية اقتصادية متوازنة تركز على تنمية الأطراف والأقاليم، وتشجيع السكان على الاستقرار في الأقاليم، وتخفيف الضغط عن العاصمة والمدن الرئيسة، مع إعادة تخطيط العاصمة السودانية بما يضمن نقل القيادة العامة للجيش خارجها، وفي الوقت ذاته تأمين العاصمة القومية وتوزيع المرافق الحيوية بما يكفل تأمينها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.