شعار قسم مدونات

سوريا وتركيا.. ما لنا غيرك يا الله

جانب من آثار الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا (وكالة الأناضول)

لم تكن تلك المصيبة الأولى التي نشهدها، إلا أن التأقلم مع المصائب مستحيل، لم يكن المطر أو الثلج من الأمور التي تلفت انتباهي قط ولست من هواة الشتاء أصلا، سبحان الله أنام على صوت الأمطار والثلوج وأستفيق على أخبار مخيفة ومزعجة وقاهرة، إن محدثات الأمور التي تحصل تجعلك دائما تعيد الكرة تلو الأخرى لتراجع حساباتك مع ربك ونفسك وأمورك الدينية والدنيوية.

أمس واليوم عنوانهما برد قارس مع زلازل شعواء، صحونا على خبر الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا، حجم الكارثة لا يمكن أن يختصر بالعنوان ولا حتى بآلاف الروايات، كانوا آمنين مطمئنين وجاء قدر الله، وفجأة بدأنا نرى النعي يتصدر مواقع التواصل الاجتماعي، نسأل الله أن يتقبلهم في الشهداء.

وميض من الذاكرة لمع في مخيلتي، وتذكرت ما عشناه في غوطة دمشق تلك الأيام السوداء الخالية من كل شيء إلا من الصبر، أيام الغوطة التي عانينا فيها من القصف والحصار والكيميائي وأشياء كثيرة لا يتسع القاموس لذكرها.

الحياة دار ابتلاء وامتحانات، وجميع الأنبياء والمرسلين والصحابة مروا بحقب صعبة للغاية، والرسول -صلى الله عليه وسلم- تعرض للحصار والتهجير وفقدان أبنائه

أمس زلزال تزيد مدته على 40 ثانية كان كافيا لإنهاء حياة آلاف الناس واقتلاع ناطحات سحاب أيضا، والله إنه شيء فوق الإدراك، عظمة وقوة الله سبحانه وتعالى أعظم مما نظن بملايين المرات.

الحياة دار ابتلاء وامتحانات، وجميع الأنبياء والمرسلين والصحابة مروا بحقب صعبة للغاية، والرسول -صلى الله عليه وسلم- تعرض للحصار والتهجير وفقدان أبنائه وقذف محصناته وتعرض لإصابات في جسده.

والصحابي خباب بن الأرت -رضي الله عنه- أعلن إسلامه ليصبح من أوائل المسلمين، وتعرض خباب لشتى ألوان العذاب لكنه تحمل وصبر في سبيل الله، فقد كانوا يضعون الحديد المحمى على جسده فما يطفئ النار إلا الدهن الموجود في ظهره، وقد سأله عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يوما عما لقيه من المشركين، فقال خباب: يا أمير المؤمنين، انظر إلى ظهري، فنظر عمر فقال: ما رأيت كاليوم، قال خباب: لقد أوقدت لي نار وسحبت عليها فما أطفأها إلا ودك ظهري (أي دهن الظهر).

بعد تعذيب خباب وإخوانه المسلمين المستضعفين ذهب مع بعض أصحابه إلى رسول الله وكان متكئا في ظل الكعبة، وقالوا: يا رسول الله، ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا؟ فقال لهم رسول الله "قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، فما يصده ذلك عن دينه"، فصبروا واحتسبوا ما يحدث لهم عند الله عز وجل.

تعلمنا الشريعة الصبر على المحن والشدائد مهما بلغت بنا الأحوال، مصيبتنا اليوم بالزلزال فقدنا أحبابنا وأهلنا وبيوتنا، وعسى الله أن يبدلنا خيرا منهم

وكانت أم أنمار تأخذ الحديد الملتهب ثم تضعه فوق رأس خباب الذي كان يتلوى من شدة الألم، ولكن الله أخذ بحق خباب من هذه المرأة المشركة حيث أصيبت بسعار جعلها تعوي مثل الكلاب، ولا علاج لها إلا أن يكوى رأسها بالنار، فكان الجزاء من جنس العمل.

لعل أحداث الزلازل توجد فيها أوجه تشابه بما حصل مع خباب رضي الله عنه، فالمشاهد المؤلمة التي نراها ونستطيع كتابتها، أصوات الناس يستجدون، حجم الدمار الذي لحق بالبيوت، انتشار الغبار واختلاطه مع البرد، أصوات سيارات الإسعاف، الثلوج مع الهواء والدماء، بشر تحت أكوام من الركام، أطفال نصفهم في العراء وآخرون تحت السقف، مشاهد أشبه بفيلم من الخيال.

تعلمنا الشريعة الصبر على المحن والشدائد مهما بلغت بنا الأحوال، مصيبتنا اليوم بالزلزال فقدنا أحبابنا وأهلنا وبيوتنا وعسى الله أن يبدلنا خيرا منهم، الصبر مع الرضا من أسمى درجات العبادة، ‏إنما الصبر بالتصبر، والحلم بالتحلم، والعلم بالتعلم.

ويقول الله تعالى {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} (الزمر: 10)، اللهم إنا نسألك الصبر على الشدائد، ونسألك أن ترضنا بما كتبته لنا، ما لنا غيرك يا الله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.