شعار قسم مدونات

الحيرة بين فضيلتين.. أيهما أولى؟

بعد إعداد قائمة المهام وتقسيم بعضها إلى أجزاء صغيرة، يحين وقت ترتيب الأولويات.
الإجابة عن السؤال تعتمد بالدرجة الأولى على الموقع الجغرافي أو البيئة التي يوجد بها السائل (شترستوك)

من كل حدب وصوب، ومن كل مكان، ومن جميع الأقطار والجهات، والأخطار تحدق بالإسلام والمسلمين. بين الفينة والأخرى يتعرض الدين الإسلامي لهجمات شرسة وممنهجة لاجتثاثه والقضاء عليه.

ونحن نسأل "أيهما أولى؟"

مرة حرق مساجد ومصاحف، وتارة رسومات مسيئة بحق رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. وتارة أخرى قتل المسلمين بعد تعذيبهم والتمثيل بجثثهم في الهند والإيغور وبورما (ميانمار). إضافة للاضطهاد والكراهية والعنف الذي يتعرض له مسلمو إثيوبيا وأفريقيا الوسطى وأنغولا وفرنسا. ومع كل هذه الهجمات والحملات المسعورة بحق الإسلام والمسلمين، ما زال بعض المسلمين منشغلين بصراعاتهم وفتاويهم الداخلية ومن أبرز هذه الصراعات صراع "أيهما أولى؟"..

فمثلا إذا أراد أحدهم التبرع لبناء مسجد فتبدأ الفتاوى والتحليلات بوجود الأولوية والأحقية من بناء المساجد. وبمجرد طرح هذا السؤال (أيهما أولى؟) تتدحرج الإجابات تلقائيا في دوامة المتاهات اللامنتهية، وبدلا من إيجاد إجابة شافية وافية كافية، تتحول الإجابة إلى أسئلة لا نعرف كيف بدأت، ومن أين بدأت ولما بدأت أصلا ومن سينقذنا منها؟

معركة "أيهما أولى؟" هكذا تبدأ لكن لا أحد يعلم كيف ستنتهي.

  • أيهما أولى بطون الجائعين أم بناء المساجد؟
  • أيهما أولى بناء المساجد أم تجهيز مجاهد؟
  • أيهما أولى تجهيز مجاهد أم تجهيز طالب علم؟
  • أيهما أولى تجهيز طالب علم أم تزويج شاب؟
  • أيهما أولى تزويج شاب أم السعي على الأرملة والمسكين؟
  • أيهما أولى السعي على الأرملة والمسكين أم تسديد دين مكروب؟
  • أيهما أولى تسديد دين مكروب أم توفير فرصة عمل لشخص من ذوي الاحتياجات الخاصة؟
  • أيهما أولى توفير فرصة عمل لشخص من ذوي الاحتياجات الخاصة أم توفير فرصة عمل لمتعلم عاطل عن العمل؟
  • أيهما أولى توفير فرصة عمل لعاطل عن العمل أم توفير أدوية لأصحاب الأمراض المزمنة؟
  • أيهما أولى توفير أدوية لذوي الأمراض المزمنة أم شراء كرسي متحرك لعاجز؟
  • أيهما أولى شراء كرسي متحرك لعاجز أم شراء نظارة طبية لأعمش؟
  • أيهما أولى شراء نظارة طبية لأعمش أم تركيب أطراف صناعية لمبتور؟
  • أيهما أولى تركيب أطراف صناعية لمبتور أم حفر بئر ماء؟
  • أيهما أولى حفر بئر ماء أم بناء منزل لعائلة تقطن بالعراء؟
  • أيهما أولى بناء منزل لعائلة تقطن بالعراء أم شراء ملابس للعراة؟
  • أيهما أولى شراء ملابس للعراة أم شراء أحذية للحفاة؟
  • أيهما أولى شراء أحذية للحفاة أم شراء أغطية للتدفئة؟
  • أيهما أولى شراء أغطية للتدفئة أم شراء وسيلة للتدفئة؟
  • أيهما أولى شراء وسيلة للتدفئة أم شراء أطعمة وأغذية؟
  • أيهما أولى شراء أطعمة وأغذية أم التبرع بنقود عينية؟

وهكذا تبقى هذه النوعية والكمية من الأسئلة حائرة تائهة بين كر وفر، ومد وجزر، تصول وتجول بيننا وكأننا بخير لا ينقصنا سوى تحديد الأولوية من هذه الأسئلة الهوائية، وكأنه لن ينهض بنا إلا بالوصول لتلك الأجوبة.

على الجهة المقابلة لماذا لا نرى هذه الأولوية إلا فيما يتعلق بالإسلام؟

مثلا أين الأولوية من هذه الأولويات؟:

  • أيهما أولى تعليم الشباب أبجديات الإسلام أم أبجديات الرقص والغناء؟
  • أيهما أولى افتتاح دور لتعلم العبادة أم دور لتعلم الرقص الشرقي؟
  • أيهما أولى تسهيل سبل الزواج أم تسهيل سبل الزنا؟
  • أيهما أولى نشر الوعي الإسلامي والأخلاقي في مجتمعنا المتهالك والممزق أصلا أم نشر الفسق والفجور والرذيلة؟
  • أيهما أولى طبع المصاحف ونشرها أم نشر وطبع المجلات الخليعة؟
  • أيهما أولى الغضب على تدنيس واقتحامات المسجد الأقصى أم على خسارة فريق كرة قدم؟
  • أيهما أولى البكاء على أغاني العشق والغرام أم البكاء على الحال الذي وصلنا إليه؟
  • أيهما أولى تكريم أمهات الشهداء أم تكريم الفنانات والراقصات؟
  • أيهما أولى الاستثمار في مشاريع تنموية لتشغيل الفقراء لتوفير قوت يومهم أم الاستثمار في ناد ليلي لا يسمن ولا يغني من جوع؟
  • أيهما أولى صنع وترويج الأفلام التي تحاكي سير الأنبياء والرسل والصحابة والشهداء أم ترويج الأفلام الهابطة؟
  • أيهما أولى محاربة العدو أم التطبيع معه؟
  • أيهما أولى إرسال الجيوش للقتال في فلسطين أم لقتل شعوبها؟
  • أيهما أولى مد اليد والعون لكتائب القسام أم مدها لعدو الإسلام والمسلمين؟
  • أيهما أولى المساهمة بحفر نفق جهادي أم بحفر مكيدة للقضاء على المقاومة وعلى حقها الشرعي في الدفاع عن أرضها ومقدساتها وحقها بإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف؟
  • أيهما أولى مباركة العمليات الفدائية في عمق المحتل أم تنديدها بحجة لا للعنف؟

طبعا مثل هذه الأولويات والمقارنات لا نطرحها لأننا ببساطة جزء لا يتجزأ منها ولأنها تمس وسائلنا الترفيهية، ولا تمس ديننا وقيمنا وأوطاننا، مشكلتنا فقط مع ديننا.

بالعودة لسؤال: أيهما أولى بطون الجائعين أم بناء المساجد؟..

أرى من وجهة نظري المتواضعة أن الإجابة عن هذا السؤال تعتمد بالدرجة الأولى على الموقع الجغرافي أو البيئة التي يوجد بها المتبرع أو الجهة التي يرغب بالتبرع لها.

فمثلا المتبرع في قطر أو الإمارات هنا تكون الأولوية لبناء مسجد، لكن في حال وجوده في دول بلاد الشام ومصر الأولى هنا بطون الفقراء، لأن الفقراء في هذه الدول أكثر من أوراق الشجر وقطرات الندى، وحبات المطر وهموم الأمة.

أما في حال الوجود في الهند، أو الصين حيث يعيش الإيغور، أو بورما، فهنا -بلا منازع وتفكير- تكون الأولوية لبناء المساجد نظرا لما يعانيه المسلمون هناك من إنهاء للوجود الإسلامي.

لذلك، لمن يطرح مثل هذه التساؤلات والمقارنات: هل تمتلك الفراسة للإجابة عن هذا السؤال؟ وإذا كان بمقدورك ذلك فالإجابة عن سؤالك "أيهما أولى" ستصلك تلقائيا.

ولو فرضنا أثناء قيادتك للسيارة فقدت السيطرة عليها، وكان على يمينك سرادق عزاء، وعلى يسارك سرادق حفل زفاف، في هذه حالة إلى أين تذهب للنجاة؟!

أجزم بأنه لا إجابة لديك، لأن حالك هنا ببساطة كمن يسأل أيهما أولى الاستغفار أم التسبيح، التهليل أم التكبير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.