شعار قسم مدونات

"بنيتُ لهم مجدا".. الريادة العربية والإنجاز القطري

استدل الستار على الجولة الترويجية لكأس العالم الأصلية بحفل ختامي حضره الآلاف من عشاق كرة القدم في الحي الثقافي كتارا - الجزيرة نت
الجولة الترويجية لكأس العالم الأصلية في الحي الثقافي كتارا (الجزيرة)

غادرت الأمة العربية والإسلامية صعيد التأثير وقيادة العالم، منذ بعض الوقت، وتدحرجت كُرتها مَليّا في ليل الضياع البهيم، ولا بريقَ لصدارة عالمية في أي من الميادين خلال الحقب الأخيرة، لكن اليوم بدأ التاريخ يتجدد مفسحا للإنجاز العربي والإسلامي أن يتقدم نحو الصفوف الأمامية في بعض من المجالات ذات الدّور الحيوي في عصرنا الراهن والتأثير في شعوبه، وفي مقدمة هذه المجالات فضاءات الرياضة والإعلام، فقد نجحت ماكينة الإعلام العربي على يد دولة قطر في تبوؤ صدارة لا يتنازع الناس اليوم بشأن الجدارة التي أظهرتها والإمكانات التي تؤثث بها الشاشات الصادحة بتميز لم يُعهد عربيا منذ حقب متطاولة.

كذلك الرياضة تشرق شمسها الآن على العالمين من عقر أرض قطر وحيث عاصمتها الدوحة التي تتفيأ جموع القارات اليوم ظلال أبراجها حجّا إلى الرياضة ورقة العصر الأولى التي تلتقي البشرية حولها مرددة أسماء الفرق والأندية وهتافات التشجيع، والعيون معلقة بميادين الأرجل المهمومة بالمستديرة جيئة وذهابا.

يوم افتتاح كأس العالم بقطر، موعد خاص لساكنة ديار العرب، بعد أن تعودوا لبرهة أن تتجه أنظار العالم إلى بقعتهم متابعة لأصداء الجراح، فها هي العيون ترنو بتطلّع من جهات العالم لا لتتابع فصلا من تلك المآسي، بل لتشاهد زمام أحد أكثر مجالات العصر الحديث تأثيرا، في يَدٍ عربية تصرفه أناملها وتقود به قاطرة العالم في هذا المضمار عبر استضافة أكبر فعاليات الرياضة العالمية.

على الوعد سطعت شمس الدوحة اليوم 2022/11/20، محققة حلما كان عصي المنال، تجاوزت دونه القناطر والصعاب، وشيئا من الدُّلج، ولحظة بعد لحظة نسجت خيوطه وسقت زرعه حتى استوى على سوقه يعجب الزُّراع.

نمنمت الدوحة بُرودها ووَشّت ناطحات سحابها وطُرقها، تهيؤا ليوم الزينة وأن يحشر الناس، وها هم في الميادين تغص بهم، وفي انتظار كل لحظة عبور إلى الملاعب، معاينين ضمن كل ذلك ملامح فضاء العرب والمسلمين بما يُعرّف بهم ويدعو إلى استكناه عاداتهم ودينهم والتاريخ الذي يركنون إليه.

ليست هذه الربوع قوسا مغلقا في متون التاريخ والجغرافيا، فهنا مسرح الزمان، وهنا مَجرّ عوالي الرسالات، وهنا انطلاقة التحضر البشري.

لقد شهدت رمال الجزيرة العربية ميلاد الفجر الإنساني، وقاد ذلك الفجر أقطار الدنيا سنين عددا:

مَلَكنا فكان العدل منا سجيّة        فلما ملكتم سال بالدم أبطحُ

سنينَ أنبتت الكلأ وعمَّ نفحها الأقطار والشعوب وكنا خلالها ملء سمع الزمان وبصره، سنين كان خلالها هارون الرشيد لا يهمه أن تسكب الغيمات حمولتها بأي مكان شاءت ففي النهاية سيكون ضمن حوزة ملكه وسيأتيه خَراجها. سنين كان المتنبي خلالها يصف قوة دولة المسلمين بزهو منقطع النظير، وأبو تمام بشعر صاخب يوقّع على أحداث عمورية والمجد الإسلامي يتلألأ أعلى بعنفوان، وكانت الصناعات والإنجازات بشتى العلوم التجريبية والإنسانية تلقي إلينا بالرّسن، وكنّا وكنا قبل أن يتغير الحال إلى مثل قول الشاعر:

فيقضى الأمر حين تغيب تيم       ولا يستأذنون وهم شُهود

ولكن صافرة الانطلاق بكأس العالم، هي صافرة لأكثر من هذه الانطلاقة، لجزء من عودة عربية وإسلامية، لاستئناف حضور انقطعت حلقاته لبعض الوقت وآنَ أن تعود موصولة بسابق عهدها وكل سبق وصدارة في أي من المجالات العالمية خطوة في اتجاه هذه العودة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.