شعار قسم مدونات

نفق الحرية

07 07 07 فادي العصا/ رسمات كاريكاتورية نفذها الفنان الفلسطيني محمد سباعنة لواقعه الفلسطيني/ المصدر :صفحة محمد سباعنة على الفيسبوك.
كاريكاتير للفنان الفلسطيني محمد سباعنة (مواقع التواصل الاجتماعي)

نفخة من فم التنين كانت كفيلة بإحراق أسطورة الجيش الذي لا يقهر وتحويلها إلى رماد ذرته الرياح، فبات هذا الجيش أضحوكة للصغار قبل الكبار، كيف لا والتنانين ستة.

"الصياد، والتنين" عنوان الأطروحة التي لم تكتمل حتى الآن، والتي قدمها الأسير البطل زكريا الزبيدي، تنين المطاردة الأول، والذي لا مثيل قبله ولا بعده.

اختيار ذكي لعنوان الأطروحة، يصرخ بكلماته معلنا الحرب على الاحتلال، مبشرا بالخير والخصب لأبناء جلدته.

يقال إن التنين يحمل في ذاته معنيين متناقضين: أحدهما يبشر بالخير، والآخر ينذر بالشر، فالتنين رمز للسلطان والقوة المبشرة والقدرة على التحكم في المياه والأعاصير والفيضانات التي كانت وما زالت وبالا على الاحتلال، أما المعنى المغاير فهو من جهة هذه الوحوش البشرية (الاحتلال الصهيوني) رمز للخراب والفوضى كما ورد في أسفارهم التوراتية "سفر المزامير"، و"سفر أيوب".

في فلسطين التنانين كثر، لا يملون عذاباتهم، ولا يملون وإن مل سجانهم، 6 وملعقتهم قضوا ما يقارب السنة لحفر نفق الحرية بأبسط الأدوات التي تسنى لهم الحصول عليها، والتي عملوا على إعادة تدويرها واستخدامها في استعمال مختلف لا يخطر على عقل بشري، لا يهم شكلها أو وصفها بقدر ما يهمنا ويثير حماستنا عزمهم وبسالتهم في وجه السجان وصلفه، ذاك السجان الأرعن الذي يعلم علم اليقين أن هناك أنفاق حرية تحفر، دولة مزعومة وعظيمة! تمتلك أحدث التقنيات التكنولوجية بل أفضل الوسائل الاستخباراتية من "كلاب بشرية جبانة، وكلاب مدربة، وكاميرات وطائرات على مدار اليوم والساعة، والكثير مما لا نعرفه بعد".

6 تنانين عزّل بمواجهة هذا كله، يسرون بأنفسهم ليلا من تحت الأرض، ليعرجوا إلى أعاليها، ذروا الرمال على رؤوس السجانين وأعينهم، ومشوا متسترين بستار الليل، لحظات تقطع الأنفاس، الموت يحيط بهم، هالته السوداء القاتمة تحيط بهم، كل شيء ساكن، المراقب على الكاميرات المحيطة بالسجن يرانا ولا يبصرنا، قرأنا في سرنا آياتنا المعجزة، ومن الرمال التي حفرناها ادخرنا حفنات منها في جيوبنا كي نلقيها على رؤوسهم، وتحملها رياح بلادنا أحد جنودنا المجندة، لتنكس به رؤوس الصهاينة، ونقرأ آيات الرسول ليلة الهجرة "وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون".

نركض ونركض، ولا يؤنسنا سوى حفظ الله ورعايته، والنجوم العاليات من فوقنا ترقب مسيرنا تريد أن تسلمنا لمكان أبعد من "جلبوع"، من البئر السحيق في أقصى الأرض، بعيدا عن كل من نحب وما نحب.

لن نقص الرواية كاملة إلا بعد تحررنا من السجن والسجان، ولكن لنحدثكم بما قبل طريق الملعقة والبرغي والقلم.

6 نحن، ونصر الله وتأييده معنا، زكريا الزبيدي، ومحمد العارضة، ومحمود العارضة، ومناضل نفيعات، ويعقوب قادري، وأيهم كممجي، كلنا صناعة محلية أصيلة، من وفي مصانع البطولة نشأنا، كابوسكم نحن، إن قتلتمونا أو اعتقلتمونا لن تفنونا، ففلسطين ولّادة، لا ينقطع منها نسل الرجولة والبطولة، في الأرحام التي بقروها إبان النكبة كان الطفل هناك يرفس أمه بقدميه الناعمتين ليخرج وينشأ ويشب ويكون على الأعادي تنينا ينفث النار ويحرقهم عن آخرهم.

ليس فيلما هوليوديا ولا بوليوديا، الزحف نحو الحرية هو شيء فطري لا يحتاج إلى هذه الدهشة العارمة وتلك العيون الواجمة.

أعلم ونعلم أن أبناء جلدتنا استقبلوا هذا النبأ بدموع الفخر، والزهو، والفرح، تلك الدموع وذاك الشعور لا يعرفه إلا الأحرار، لربما نحن في أنظارهم أبطال خارقون.

تلك المرات السابقة وهذه وأخرى لاحقة لن تنتهي أبدا.

محاولات انتزاعنا حريتنا المسلوبة لن تفتأ حتى نعانق خيوط الشمس ونركب ريح البلاد وبساطه، ونهب مع الأعاصير الثائرة، كوابل المطر سنهطل على رؤوسكم، بحجارة السجيل المسومة سنقذفكم في قلوبكم، ومن بيوتكم العنكبوتية الواهية سندحركم، لا خلاص لكم إلا بالهروب والفرار ركضا من هذه الأرض.

ولأستشهد ونستشهد بهذه المقولة للفاروق عمر "كيف تستعبدون الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟"، فكيف تسول لكم أنفسكم استعبادهم وزجهم خلف القضبان وهم فلسطينيون جبارون، دماؤهم تثور كالحمم، لا تنحني هاماتهم ولا تسجد إلا لخالقهم؟

أتظنونهم يتقهقرون، أم يذلون ويتراجعون؟!

متقفو الأثر أبصرونا، نظرنا في وجوههم الصدئة فلم نجد سراقة، وأنى لنا بسراقة كسراقة بن مالك، ومن أين لنا بسوار وتاج كسوار كسرى وتاجه؟ من يرد عنا أصحاب الفراسة (مهنة تقفي الأثر)؟ من لنا عليهم سواك يا الله؟

خرجنا لا يهمنا شيء، فلتقولوا خطوات مجنونة، ولتقولوا حرية بلا خطط ولتقولوا ما شئتم، 5 أيام كانت كافية عن العمر بأكمله، الله وحده يعلم ما ينتظرنا داخل المعتقلات السادية الصهيونية، يعدوننا بما ننتظره، أن يوصلوا الكهرباء بنا، لكن الكهرباء هي من تتراقص داخل أجسادنا لا نحن، وكأن الشبح والتعليق يجعلان الأرض مقلوبة في أعيننا، هذه أرضنا، وتدور فقط لأجلنا، لن تروها ما حييتم كما نراها نحن.

نار الحقد والحسد من الآدمية -التي التقت بأجسادنا وعانقتها بعد سنوات- أفنوها في تعذيبنا، جعلتهم يتميزون من الغيظ، لم يروا الصحة والانشراح لائقين بنا.

أحذيتنا نزعوها من أقدامنا وهم خافضو الرؤوس، يخافون من ملعقة أو برغي مدسوس داخل الحذاء.

انظر إلى القيود الحديدية حول معاصمنا، والمدعمة بالقيود البلاستيكية، والعصابة على عيوننا، يريدون حرماننا من رؤية البلاد، والقيود، والسلاسل في أقدامنا، والعشرات بل المئات منهم يحيطون بنا من كل جانب عن اليمين والشمال، كلابهم المدربة على نهش لحومنا عند أقل حركة نصنعها، حملونا إلى المركبات الموصدة أبوابها بالقضبان، قيود، وكلاب، وطائرات، ووحدات عسكرية صهيونية مدربة إلى أقصى درجة، وتكلفة بلغت 100 مليون دولار للإمساك بنا، ومتقفو الأثر أصحاب الجهالة، أقصد الفراسة المضللة، ممن سال لعابهم على المكافآت النقدية التي أسروها في ما بينهم، كل هذا في محاولة لرد اعتبار الدولة المزعومة الذي ساوته أحذيتنا أسفل نعالها.

أيريدون شنقنا؟ أم إخراجنا بإعاقات وعاهات مستديمة لنكون عبرة لمن خلفنا ممن تنازعهم وتخفق بأرواحهم الحرية لتعليهم فوق السجن والسجان والقضبان، أنكون عبرة ونحن الذين من تين البلاد وصبره وسمّاقه وزعتره أكلنا، وعلى وجنات أطفاله طبعنا قبلات حانية من شفاهنا المتعطشة للدفء والرحمة، أنكون عبرة ونحن الذين في السهول ركضنا، وعلى الجبال مشينا بسهولة ويسر، وكأنما الجبال لنا مدت واستوت، أنكون عبرة؟! لا والله إننا لأنفسنا، وأنفسنا، وأنفسنا، ولمن خلفنا وسيخلفنا ومن جاورنا قدوة.

يريدون إحباط عزيمتنا بإلصاق الخيانة بإخواننا وأبناء شعبنا كي لا نعيد الكرّة إن عزمنا على الهروب، يصورون لنا أننا سنكون حفاة عراة على أرضنا، ولكنهم بريئون من الخيانة كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب، ألصقوا الخيانة بنا ونحن لها منكرون، أرأيت ذئابا تشي بالتنانين، بضعة ضباع يقتاتون على الجيف تعقبوا الأثر، وإلى أسيادهم ركضوا يزفون الخبر، ولعابهم من أشداقهم يسيل طمعا بالجائزة.

قطيع من الوحوش الضالة التي تلفظها الأرض وتنكرها، يحاولون الافتراء مجددا، ولكن التاريخ أثبت براءة الذئب، وأدان المتهمين الحقيقيين "لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين"، هذه التهم بالخيانة والعمالة والتي تحاول بث الفتنة والفرقة بين أبناء الوطن لا يمكن أن تمر بلا تفنيد أو تدقيق، أن تغيب القضية الأساسية، والانشغال بالانقسام والخصام، نقولها مجددا: مرة واحدة لا مرتين يلدغ المؤمن من ذاك الجحر.

إني أرى الفارس العربي، من تحت جواده الأسود غبار النقع يسطع، وفي يده سيفه البتار يلمع، المشانق التي علقوها من هيبتنا وبأسنا ترتعد، وترتج خوفا وكمدا، الأرض من تحتنا تتزلزل غضبا تكاد تفتح جوفها لتبتلعهم، فلا تذر على أديمها أحدا منهم، أرى الشرفاء يطبقون على أعناق الجنود يخنقونهم، الأطفال الصغار بمقاليعهم يسددون فيصيبون أعين الغاصبين، النساء متوشحات بالعزة والكرامة يسقطن حواجز المحتل يشددن من بأس أمهاتنا اللاتي من الشرفات يزففننا بالورود والرياحين احتفالا بنصرنا معلنات نهاية الحكاية، وأن هذا العرس الصغير ما هو إلا إيذان وبشرى للعرس الكبير، عرس الحرية الكبرى، عرس الوطن الكبير، من نفق الحرية إلى ربوع فلسطين الأبية كلها، إني أرى الحرية فاتحة ذراعيها على مد البصر تتلقفنا من بعيد، تضمنا لصدرها بقوة فتنفذ منا ونلفها وتلفنا.

متشوقون لسرد الحكاية كاملة، ولكنا لن نكتبها أو نسردها إلا بعد جلوسنا مع حريتنا الأبدية والدائمة على طاولة واحدة، وإن لم يتسن لنا سرد حكاية نفق الحرية بمدادنا كلماتنا فلا عزاء لأقلامنا بفقدها.

لنا مع الحرية موعد لن نخلفه، موعد قريب.. قريب.. قريب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.