شعار قسم مدونات

رفض المساعدات الإماراتية.. الموت بكورونا أشرف من التطبيع

blogs العلم الفلسطيني

في سياق الجدل الكبير حول رفض استقبال السلطة الفلسطينية للمساعدات الإماراتية التي أرسلت عبر إسرائيل، يمكن قراءة عناوين ومعان كثيرة من ذلك القرار الشجاع للرئيس الفلسطيني محمود عباس.

 

المعنى الأول أن الفلسطينيين ليسوا متسولين يلهثون خلف المساعدات بأي ثمن، فالموت بكورونا أشرف لهم من تلقي مساعدات عبر محتلهم الصهيوني، فلا يحق لمن يقتلهم بالدبابة والزنانة والحصار أن يظهر كأنه ملاك رحمة يوصل  المساعدات لهم، ولا يمكن أن يعطي الفلسطينيون اللقطة لهذا الكيان الصهيوني ليروج للعالم أنه جسر للمساعدات الإنسانية، وهو في الأصل مشروع عنصري ذو طبيعة احلالية، يستقبل المساعدات في اللحظة التي يواصل فيها قتل الفلسطيني ومصادرة أرضه وتهويدها، ويبني برنامج حكومته على ركيزة أساسية وهي الضم والقضم وإلغاء الأخر.

 

الرسالة الثانية من هذا القرار الذي ترفع فيه القبعة للرئيس عباس هي للأشقاء العرب، أن ما يحتاجه الفلسطيني في سياق صراعه مع المشروع الصهيوني هو أن تكونوا ظهيرا له، وحاضنة لنضاله بمواجهة أعتى مشروع عنصري يستهدف أمننا جميعا كأمة عربية وإسلامية، ولا يستهدف الفلسطينيين وحدهم، يقول الفلسطينيون لأشقائهم لا تكونوا جسرا للتطبيع مع المحتل الصهيوني، أو محاولة مساعدته في تسويق نفسه كجزء من الفضاء العربي والإسلامي، بل كونوا عونا لنا في مواجهته.

 

الرسالة الثالثة وينبغي معها التوقف طويلا، وهي ضرورة الانسحاب العربي الكامل من مشروع صفقة القرن المشبوه، فهذا المشروع الذي بدت بعض الدول العربية متحمسة له وجزء من خلية العمل الخاصة به، قد بات واضحا بما لا يحتاج مزيدا من التأكيد أنه مشروع للتصفية وليس للتسوية، مشروع بيع وتسليم المنطقة لإسرائيل علي طبق من ذهب، يحل في الأصل المشكلة الصهيونية الأزلية على حساب العرب، فمشكلة المشروع الصهيوني طيلة العقود الماضية هي فشله في الاندماج في المنطقة، لأنه ليس ابنا لها بل طارئا عليها أسس دعائمه كمشروع كولونيالي إحلالي اقتلع أصحاب الأرض وزرع مكانهم مهاجرين من مختلف دول العالم، تحت راية تارة دينية لا أساس دينيا ولا تاريخيا لها، وتارة عنصرية تفوح منها رائحة الكراهية، ذلك المشروع الصهيوني وعقب نجاح الشعوب العربية بعزله ونجاح الفلسطينيين بمقاومته وحصره في حدوده الحالية، لا يمكن أن يكون من الحكمة في شيء أن يفك العرب اليوم عزلته، ويفتحوا له أبواب عواصمهم .

 يسابق نتنياهو وغانتس الخطى لتطبيق ما تبقى من صفقة القرن قبل الانتخابات الأمريكية القادمة، حيث باتت فرص إعادة انتخاب ترمب ضعيفة، وحيث أن ميزان القوى في هذه اللحظة ليس في صالحنا فليس معنى ذلك الاستسلام، بل إن المنطق والتجربة يقولان بضرورة الصمود

الرسالة الرابعة، هي للقيادة الفلسطينية بأن لا وقت أحوج لنا للعودة للوحدة الفلسطينية من هذا الوقت الذي نعيش، كما لا مرحلة أخطر على القضية الفلسطينية ونضال الشعب الفلسطيني من هذه المرحلة التي نعيش، ينبغي الولوج الفوري لوحدة وطنية، وبناء مشروع وطني فلسطيني بوصلته التحرير وليس السلطة، والحاجة الماسة للعودة للمربع رقم ١ وهو أننا شعب تحت الاحتلال نريد أن نتحرر، وأن الطريق لذلك هو العمل كحركة تحرر وطني وليس كدولة، فأوسلو الذي نشأت السلطة  كأداة مؤقتة لتطبيق مخرجاته بالوصول لإقامة الدولة الفلسطينية قد انتهى ، وقد أعلن الرئيس عباس في خطابة الأخير التحلل من كل الاتفاقيات التي نتجت عنه، وهي قرارات بالغة الأهمية ينبغي البناء عليها عبر تحديد الخطوات العملية المطلوبة لذلك.

 

يسابق نتنياهو وغانتس الخطى لتطبيق ما تبقى من صفقة القرن قبل الانتخابات الأمريكية القادمة، حيث باتت فرص إعادة انتخاب ترمب ضعيفة، وحيث أن ميزان القوى في هذه اللحظة ليس في صالحنا فليس معنى ذلك الاستسلام، بل إن المنطق والتجربة يقولان بضرورة الصمود وعدم تقديم أي تنازلات والانسحاب من العملية السياسية لأنها لم تعد موجودة أصلا ك "عملية" كما أنها باتت " تصفية" وليست " تسوية"، من يريد أن يجلس على طاولة المفاوضات لابد من أن يكون مسدسة ممتلئا بالطلقات، أما أن تفرغ مسدسك ثم تجلس لتحاور خصمك فهذا معناه أن المفاوضات  قد حسمت قبل أن تبدأ.

 

رحم الله أبو عمار، فقد دفع حياته ثمنا لاستقلال القرار الفلسطيني، وثمنا لرفضه التوقيع على بيع الثوابت والمقدسات، لم يخسر بل ارتقى شهيدا، فالثائر إما أن ينتصر أو يصمد أو يستشهد، هكذا يقول التاريخ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.