شعار قسم مدونات

حركتا الشاي والقهوة وإعادة الاصطفافات السياسية الأمريكية!

blogs حزب الشاي

بعد أن عرف التاريخ ثورة الشاي عام 1773، والتي مهّدت الطريق لاستقلال الولايات الأمريكية من المستعمر البريطاني، عادت هذه التسمية للتداول وللظهور من جديد في القرن الحادي والعشرين، ولكن هذه المرة كحركة سياسية اجتماعية يجمعها بعض المبادئ التي تعبّر عن آراء مجموعة من اليمينيين المتطرفين الذين يتحدّثون عن إعادة أمريكا إلى الرؤية التي أوجدها الآباء المؤسسين بعد أن فقدتها في أعقاب انتخاب باراك أوباما كأول رئيس أسود للولايات المتحدة الأمريكية عام 2009، والذي أفقدها شرفها وقيمها ومكانتها في العالم، حسب ادعاء البعض منهم.

هذه الحركة التي أطلقت على نفسها اسم حزب الشاي تيمّناً بثورة الشاي التي شكّلت نقطة الانطلاق لاستقلال الولايات الأمريكية من المستعمر البريطاني شكّلت عنصراً مفاجئاً في الحياة السياسية الأمريكية بعد أن ضمّت تحالفاً لمجموعة منظمات تتراوح أيديولوجيتها بين اليمين المحافظ واليمين المتطرف، والمتأثّر بسلبيات ومخلّفات الأزمة الاقتصادية عام 2009، والرافض لقرارات وإصلاحات الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، خاصةً في الشأن الاقتصادي، والتي دفعت بالعديد من الباحثين في معاهد الدراسات الاستراتيجية ومراكز الأبحاث بعد تحليلهم لأفكار وبرامج وطروحات وتوجهات هذه الحركة إلى وصفها بأنّها بمثابة تجديد لفكر ونهج وبرامج المحافظين الجدد الذين لعبوا دوراً كبيراً على صعيد السياسة الأمريكية بعد إيصال جورج بوش الابن إلى البيت الأبيض 2001، لذلك حظيت هذه الحركة باهتمام العديد من الباحثين الذين وعوا وأدركوا الدور الذي قد تلعبه مستقبلاً هذه الحركة في الحياة السياسية الأمريكية في حال استمرار تقدّمها وكسبها المزيد من المؤيدين والأنصار، وفي حال نجاحها في تحقيق حملتها السياسية التي تركّز على مجموعة من النقاط والتي يأتي منها:

ظهور مثل هذه الحركات حزب الشاي وحزب القهوة في الولايات المتحدة الأمريكية بما تملكه من قواعد شعبية قادرة على التوسع يوماً بعد يوم، يُعطي المشهد السياسي الأمريكي نكهة إضافية، ويُعيد تشكيل الاصطفافات السياسية الأمريكية

– إعادة الاعتبار السياسي والاجتماعي للإنسان الأمريكي الأبيض الأنجلوسكسوني البروتستانتي.
– مواجهة سياسة التساهل في الهجرة.
– تأييد مطلق "لإسرائيل"، والتشدد في التعامل مع العالم الإسلامي.
– عدم تقييد حريات الشركات، ومنع زيادة الضرائب وخاصة على الأغنياء، وعدم التساهل في الحرب على الإرهاب، ورفض التدخل العسكري الأمريكي في الخارج بدعوة الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان.
– الدعم المطلق لحركة أوقفوا أسلمة أمريكا.

وهنا تجدر الإشارة إلى أنّه ليس لحركة حزب الشاي قيادة مركزية، وإنّما تتكون من ثلاث حركات أساسية هي حركة الحرية تعمل، وحركة لا تذهب، اللتان تتوليان مسؤولية الأعمال التنسيقية لحركة الحزب، إلى جانب حركة أمريكيون من أجل الرخاء، وتنشط هذه الحركات الثلاث في كل الولايات المتحدة الأمريكية تقريباً، ويعتبر البروفسور المحافظ ريتشارد آرمي من أبرز الأشخاص الذين أسهموا في بناء هذا الحزب بعد تأسيسه لمنظمة الحرية تعمل، والتي تعتبر من المنظمات المحافظة التي أسهمت بشكلٍ كبيرٍ في إنشاء حزب الشاي، إلى جانب العديد من المجموعات الأخرى التي أسهمت أيضاً في إنجاح هذه الحركة وانتشارها، كلوبيات النفط والسلاح وأسواق المال التي أزعجتها سياسات باراك أوباما تجاه الحروب، بعد أن كانت قد حققت لها حروب بوش الابن أرباحاً طائلة، وقد ساعدها الاستخدام الكثيف والفعّال لوسائل التكنولوجيا الحديثة كفيسبوك، تويتر، ماي سبيس، إلى جانب استخدام الصحف والمجلات القريبة من معسكر المحافظين في استقطاب الكثير من المؤيدين لها، كذلك بفضل نجوم السياسة المعبرين عن تطلعاتها أمثال السياسي المخضرم روبن بول، ورجل الدين غلين بيك، وسارا بالين التي ترشحت لمنصب نائبة رئيس الولايات المتحدة مع جون ماكين في الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها باراك أوباما هلم 2009، وفرجينيا توماس زوجة قاضي المحكمة العليا كلارنس توماس، والتي أسست منظمة مركز الحرية كفروع من فروع حزب الشاي.

وبذلك استطاع حزب الشاي من خلق تيار سياسي على يمين الحزب الجمهوري المحافظ، تمكّن من فرض عدد من مرشحيه في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وأصبح له تأثير بارز على توجهات السياسة الأمريكية ولا سيّما بعد تحقيق بعض مرشحيه عدة مفاجآت بتغلبهم على بعض الوجوه الجمهورية التقليدية المعروفة على الساحة السياسية الأمريكية، وهذا ما أشعر الحزبين الجمهوري والديمقراطي بالقلق، ودفع بالعديد من الجمهوريين للعمل على استرضائه واحتوائه لمنعه من الانشقاق وتشكيل حزب سياسي ثالث قد يتسبب في انقسام أصوات الناخبين المحافظين.

في حين استفزّت أفكاره و توجهاته الكثير من ذوي التوجهات التقدمية القريبين من الحزب الديمقراطي، ودفعهم ذلك إلى تشكيل حركة جديدة في كانون الثاني 2010، باسم حركة حزب القهوة، أسسها مجموعة من الليبراليين والتقدميين الذين شكّلوا الجيل الثاني من المهاجرين القادمين من دول العالم الثالث أمثال أنابيل بارك القادمة من كوريا الجنوبية، وأريك بايلر ذو الأصول الصينية، بهدف مواجهة حزب الشاي المحافظ وتوجهاته، ووضع الحزب برنامجاً سياسياً له يستند على أساس مشاركة أكبر للأمريكيين في قرارات إدارته، إلى جانب تدعيم الدور الاجتماعي والتوجهات الاقتصادية للدولة للحد من الفجوة بين طبقات المجتمع، وكبح جماح المؤسسات المالية التي باتت بلا رقيب، وإصلاح شامل للطريقة التي تموّل بها الأحزاب السياسية لحملاتها الانتخابية، والتي تنطوي على كثير من الفساد والرشا، واستطاع الحزب خلال فترة وجيزة من جمع أكثر من 300 ألف مؤيد له على صفحة الفيسبوك، وأصبح بإمكانه الانتقال من العالم الافتراضي إلى العالم الواقعي وتقديم مرشح له لعضوية مجلس النواب.

وبالتالي، فإن ظهور مثل هذه الحركات حزب الشاي وحزب القهوة في الولايات المتحدة الأمريكية بما تملكه من قواعد شعبية قادرة على التوسع يوماً بعد يوم، يُعطي المشهد السياسي الأمريكي نكهة إضافية، ويُعيد تشكيل الاصطفافات السياسية الأمريكية باتجاه تلعب فيه مثل هذه الحركات، وخصوصاً حزب الشاي، دوراً كبيراً ومؤثّراً في السياسة الأمريكية، في ظل ما تتمتع به من قوة إعلامية وسياسية تؤشّر على دور فعّال لها مستقبلاً، وخصوصاً في حال تمكّنت من إيصال أحد مرشحيها إلى البيت الأبيض، وهو ما قد يكون سبباً في المزيد من التوترات والحروب في العالم كنتيجة لتطبيق أفكارها وتوجهاتها كما حصل مع المحافظين الجدد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.