شعار قسم مدونات

كيف اختلفت رؤية أوباما لإيران عن رؤية ترمب؟!

blogs ترمب

منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام ١٩٧٩، شكّلت طهران تحدياً سياسياً وأمنياً للولايات المتحدة الأميركية. وطوال أعوام، عملت إيران على تكريس حالة العداء مع واشنطن كترجمة لشعار الإمام الخميني الشهير "الموت لأميركا". لكن طريقة التعامل الأميركية مع إيران لم تكن توحي بأن الطرفين قد يذهبا إلى أي صدام مباشر في محطات زمنية مختلفة، بل إكتفت واشنطن بالعقوبات الاقتصادية وحروب الوكالة التي كانت تشنها إسرائيل ضد حلفاء طهران في المنطقة.

أوباما.. الكنز الاستراتيجي لطهران

كانت إيران تلعب عادة على وتر التناقضات داخل الإدارات الأميركية المتعاقبة، بين جمهوريين متشددين وديمقراطيين أكثر سلاسة في صياغة سياسة واشنطن الخارجية. هذه السياسة كانت تتصدرها طهران، لأسباب عديدة أبرزها نفوذها في الشرق الأوسط، ودورها في الصراع المسلّح مع إسرائيل. وفي لحظة تاريخية مهمة، حيث كان الرئيس الإيراني المتشدّد محمود أحمدي نجاد يُصعّد من وتيرة خطاباته، وصل إلى البيت الأبيض رئيس أميركي جديد هو باراك أوباما عن الحزب الديمقراطي. كان شعار أوباما الانتخابي هو "التغيير" وفي عهده حصلت استحقاقات عديدة أهمها الانسحاب الأميركي من العراق والربيع العربي.

وصل دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وقام باتخاذ عدة إجراءات ضد طهران، أولها الانسحاب من الاتفاق النووي وفرض عقوبات اقتصادية قاسية عليها وعلى حلفائها في المنطقة ووضعهم على لائحة الإرهاب

لكن هذه الاستحقاقات لم تكن ميزة سنوات أوباما في الحكم فقط، بل توجّها بتوقيع الاتفاق النووي مع إيران وبموجبه خفّضت طهران من وتيرة تطور البرنامج مقابل الإفراج عن أموالها المحجوزة ورفع العقوبات الاقتصادية. بالطبع، لم يكن هذا الاتفاق ليُبصر النور لولا وجود استعداد سياسي داخل إيران مثّله التيار الإصلاحي. سمح الاتفاق لإيران بالتمدد أمنياً وعسكرياً وسياسياً في المنطقة، وبفضله استطاعت طهران بسط نفوذها على ٤ عواصم عربية أساسية. فهل هذا ما كان يريده أوباما؟

لا شك أن أوباما كانت له حسابات أخرى، لكن الرجل كان كنزاً استراتيجياً لإيران لم تعرف طهران كيف تستفيد منه بشكل كامل، وهذا ما سيجعلها تندم لاحقاً على تفويتها الفرصة بعد وصول الرئيس دونالد ترمب إلى الرئاسة الأميركية. كان أوباما يراهن على التيار الإصلاحي داخل إيران، ومن خلال التحفيزات الاقتصادية في الاتفاق النووي كان يعتقد أن الإصلاحيين ستقوى شوكتهم وسيفرضون على الحرس الثوري والمرشد التوصل إلى تسوية كاملة مع واشنطن. وهذا ما ظهر في الصراعات السياسية التي حصلت في إيران، بين من نادى بأن مستقبل إيران في المفاوضات لا الصواريخ وبين آخرين نادوا بالعكس.  ومن أجل ذلك، قدّم أوباما كل شيء لطهران، لدرجة أن سياساته أزعجت كل من السعودية وإسرائيل، حيث سجلت العلاقة بين أميركا وهاتين الدولتين أسوأ محطاتها التاريخية. لكن كل هذا لم يؤدِ إلى النتيجة المرجوة، وانتهت ولاية أوباما دون إنهاء حالة العداء تماماً مع إيران.

ترمب الباحث عن صفقة أفضل

وصل دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وقام باتخاذ عدة إجراءات ضد طهران، أولها الانسحاب من الاتفاق النووي وفرض عقوبات اقتصادية قاسية عليها وعلى حلفائها في المنطقة ووضعهم على لائحة الإرهاب. رؤية ترمب لإيران هي أكثر شمولية من رؤية أوباما، فترمب يبحث عن الصفقة الكبرى مع طهران التي تُرتّب أوضاع الشرق الأوسط بشكل كامل وشامل وجذري. يرى ترمب أن العائق الأساسي أمام التسوية الشاملة في المنطقة هي إيران، وأن الاتفاق النووي عزّز من قدرات إيران في العرقلة والتهديد، وبالتالي لا بد من إعادة تصويب الأمور. لكن ترمب أيضاً ينظر لإيران أنها عامل جذب اقتصادي مهم، فهي غنية بالثروات والموارد البشرية والطبيعية ويمكن الاستثمار فيها.

لذلك، فإن نظرة ترمب لطهران هي مزيج من الرؤية الاقتصادية والسياسية الشاملة التي تؤدي لحلول نهائية تؤمّن الاستقرار في الشرق الأوسط بما يتناسب مع مصلحة واشنطن. والسبب في الرغبة الأميركية هذه، هي نيتها لتوجيه كل طاقاتها نحو الصين للتعامل معها. لذلك تريد تأمين منطقة الشرق الأوسط بدايةً. والأهم في رؤية ترمب أنه لا يهتم كثيراً بملف حقوق الإنسان والديمقراطية، لذلك يُركّز كثيراً في رسائله لطهران أنه لا يريد تغيير النظام بل تغيير سلوكه. أوباما بالمقابل، كان يراهن على عامل الوقت، لتأسيس حالة نخبوية داخل إيران تستفيد من خيرات الإتفاق النووي وتأخذ بيد النظام نحو توجهات ليبرالية أكثر.

أولوية دائمة في المنطقة!

وعليه، مهما تغيّرت الإدارات الأميركية وإختلفت أولوياتها، ستبقى ترى في إيران أولوية استراتيجية في المنطقة، يتم التعامل معها بأساليب خاصة وإستثناءات. لكن الأهم أن سعي واشنطن وطهران المتبادل لإيجاد صيغة صالحة لتسوية شاملة ما، لن يتوقف وإن تطلب الأمر المزيد من الوقت.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.