يتمتع الشرق الأوسط بمصادر وفيرة للطاقة المتجددة كالبترول، والغاز، والشمس، والرياح. طاقة الرياح واحدة من أهم مصادر الطاقة المتجددة في العالم، وأسرعها نموا لما لها من مزايا فريدة كرخص التكاليف، وصداقتها للبيئة، إلى جانب توفيرها مصادرا للعمل، وعدم خضوعها لمعيار العرض والطلب، كونها مصدر طبيعي لا يخضع لتحكم البشر.
هذا النوع من مصادر الطاقة يعد بمستقبل زاهر للمنطقة، إذ تمتلك منطقة الشرق الأوسط مواقع جغرافية واسعة تسمح بإنشاء محطات عملاقة لتوليد الطاقة بالرياح، وبسرعة تتجاوز 7متر على الثانية، خصوصا سواحل المحيط الأطلسي، والبحر الأحمر، إضافة إلى خليج السويس المصري، الذي يعد هو الآخر مكانا واعدا تتراوح معدل السرعة فيه بين 7 إلى 10م على الثانية، وكذلك الأمر بالنسبة لمناطق الصحراء الكبرى المغربية، ومنطقة صلالة بسلطنة عمان.
سوق توربينات الرياح في المنطقة هو الآخر يشهد تطورا ملحوظا في ظل التوجه العالمي إلى إنتاج توربينات كبيرة بقدرات عالية، وبات إقبال الناس عليه كبيرا، وتوسع إدراكهم بأهمية هذه الآلات في إنتاج الطاقة بواسطة الرياح |
حاليا تأتي مصر في صدارة دول المنطقة في مجال طاقة الرياح بـ380 ميغاوات، تليها المغرب ب120 ميغاوات، لكن التوسع في هذا المجال يتطلب التزام الدول بالدعم، والتشجيع لكل الأنشطة، والمشاريع المهتمة بهكذا مشاريع حيوية تخدم المجتمع، والبيئة معا. يقول باكويل الرئيس التنفيذي لشركة (GWEC): (أن التزام الحكومات في منطقة الشرق الأوسط، وأفريقيا يعد أمراً أساسيا لتطوير طاقة الرياح. طاقة الرياح بمقدورها اليوم أن تلعب دورا كبيرا في تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء في المنطقة، وكذلك في معالجة المشكلات البيئية، والحد من الانبعاثات الكربونية، التي تشكل مصدر قلق عالمي في ظل حالة الاحتباس الحراري القائمة منذ عقود.
أظهرت إحصائية جديدة نشرها المجلس العالمي لطاقة الرياح أن طاقة الرياح في الشرق الأوسط، وأفريقيا تزيد عن 300 ميجاوات من القدرات المركبة حديثا في المنطقة في العام 2007، ونتيجة لهذا النمو المتزايد، أصبحت المنطقة مصدرا ل5.7 جيجاوات من طاقة الرياح بالشراكة مع أفريقيا، ومن المتوقع أن يستمر هذا التنامي لطاقة الرياح، وأن يتم تركيب أكثر من 6.5 جيجاوات من التوربينات الإضافية بحلول عام 2023 بحسب المجلس العالمي لطاقة الرياح، إضافة إلى ذلك ستضيف أسواق طاقة الرياح في الشرق الأوسط 12 جيجاوات من السعة الجديدة بين عامي 2018 و 2027، وفقا لتقرير Make لعام 2018 الخاص بتوقعات طاقة الرياح في الشرق الأوسط، مما سيسهم في تحسين اقتصاد المنطقة، ويزيد من وتيرة الطلب على الطاقة.
المملكة العربية السعودية، وإيران، والأردن من العوامل الرئيسية لهذا النمو، إذ تضم حوالي 70 بالمئة من إجمالي طاقة الرياح التي تم إضافتها خلال فترة التوقعات، ومن المتوقع أن تنفذ السعودية أول مشروع تجاري في هذا المجال في هذا العام بقدرة إنتاجية تصل إلى 1.2 جيجاوات من طاقة الرياح، وستبدأ بتشغيل باقي مشاريعها في النصف الثاني من العام القادم.
سوق توربينات الرياح في المنطقة هو الآخر يشهد تطورا ملحوظا في ظل التوجه العالمي إلى إنتاج توربينات كبيرة بقدرات عالية، وبات إقبال الناس عليه كبيرا، وتوسع إدراكهم بأهمية هذه الآلات في إنتاج الطاقة بواسطة الرياح، وبسبب هذا الإقبال الكبير، بدأت شركات التصنيع في إنتاج توربينات تتوافق مع المواصفات المطلوبة في المنطقة، ومن تلك التوربينات المطلوبة نوعية تتراوح قدراتها بين 2.5 إلى 3.5 ميغاوات، وبفضل التقدم التكنولوجي في هذا المجال، بات من السهل توليد معامل أكثر قدرة على إنتاج الطاقة في المناطق شحيحة الرياح، وتم التحقق من هذه الآلات في العديد من دول المنطقة كمصر، والمغرب، وبفضل تلك التطورات أيضا زادت قدرة طاقة الرياح في منافسة الطاقة التقليدية من حيث التكاليف.
الحفاظ على معدلات النمو الحالية في طاقة الرياح، وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط، وتسريع معدلات النمو فيها، يتطلب تحركا حكوميا على أصعدة مختلفة |
تعد طاقة الرياح مصدرا متقطعا بسبب عدم هبوب الرياح بشكل مستمر سواء في الشرق الأوسط، أو العالم فهي لاتهب دائما عندما تكون هناك حاجة إلى توليد الطاقة، ويمكن معالجة هذا المشكلة جزئياً عبر توزيع توربينات الرياح على منطقة جغرافية واسعة.
يقول إبراهيم الحسيني المختص في تقنيات الطاقة المتجددة ( يمكن للمخططين أن يحصلوا على مزيد من طاقة الرياح عبر ربط توربينات الرياح بالمصانع الكهرومائية التي يمكن استخدامها لتعويض التقطّع، واستيعاب فائض قوّة الرياح )، ويرى وليد فياض المدير الأول في شركة (بوز آند كومباني) أن شركات الكهرباء تستطيع استخدام محطات توليد الطاقة القديمة كمصدر احتياطي لتأمين التوليد عندما لا تتوفّر المصادر المتجددة،، كما يمكن استخدام دوارات كبيرة الأقطار بوسعها تحقيق معدلات إنتاج طاقة كهربائية عالية، وبتكلفة أقل، وهذا سيضمن تحسين الوضع في المناطق التي تقل فيها سرعة الرياح.
طاقة الرياح والشمس ليس بوسعهما الصمود أمام الكوارث المؤدية لسقوط شبكة الكهرباء، وهذه واحدة من أهم عيوب طاقة الرياح، وكمثال على هذه المشكلة توقف محطات طاقة الرياح، والشمس في ألمانيا عن العمل، نتيجة للسحب الكثيفة، والضباب اللذين ظللا الأجواء هناك، مما دفع الحكومة الألمانية إلى استخدام الفحم، والغاز، والطاقة النووية لسد العجز في الطاقة المطلوبة في تشغيل المنشآت الاقتصادية، يقول الدكتور محمد مجاهد المستشار الفني لتطبيقات الطاقة النووية في معرض حديثه عن الحل لهذه المشكلة (لقد أثبتت التجارب العملية أن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لا تتمكن من الصمود أمام الكوارث المؤدية لسقوط شبكة الكهرباء عند بلوغ الطلب ذروته، ولتعويض هذا الفاقد في توليد الطاقة يتم زيادة استخدام الفحم والغاز الطبيعي والطاقة النووية).
إن الحفاظ على معدلات النمو الحالية في طاقة الرياح، وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط، وتسريع معدلات النمو فيها، يتطلب تحركا حكوميا على أصعدة مختلفة منها، إشراك القطاع الخاص في تطوير، وإنشاء مشاريع الطاقة المتجددة، بما في ذلك مشاريع طاقة الرياح، كون القطاع الخاص عنصرا فاعلا، ولديه خبرة جيدة ستسهم في تخفيض التكاليف، وتحسين الفاعلية، وكذلك على الحكومات أن تقوم بأدوارها الأساسية في تنشيط هذا القطاع، وتشجيع مزيدا من الاستثمارات فيه من خلال تطوير استراتيجيات للطاقة المتجددة، وإنشاء مؤسسات متخصصة ومسؤولة عن هذا القطاع، بدلا من العشوائية القائمة لحد اللحظة، أيضا عليها مواجهة التحديات التقنية كمشكلة التقطع في طاقة الرياح، ودمج أنظمة الطاقة في حالة بطء سرعة الرياح.
بمراعاة ماسبق ذكره ستضمن المنطقة استمرار نمو، وتوسع مصادر طاقة الرياح، وتستطيع بذلك دول المنطقة تحقيق مشاريعها الخاصة بطاقة الرياح، كمصر، والسعودية، والأردن وغيرها من الدول التي أعلنت عن سعيها لتنفيذ مشاريع تصل إلى آلاف الميجاوات من القدرات المركبة في السنوات القادمة، وكذلك يبقى المجال مفتوحا أمام باقي الدول لولوج هذا القطاع النظيف، خصوصا وأن المجال بات مهيأ أمام الجميع في ظل انخفاض تكلفة تركيب وحدات طاقة الرياح، وسهولة الحصول على معدات الإنتاج.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.