شعار قسم مدونات

هل يكفي أن نحتفل بالمرأة لكي نتمكن من تقديرها؟

blogs المرأة، حجاب

إن تخصيص يوم عالمي للمرأة يؤكد بشكل ضمني أن هذا الحدث هو نوع من إنصاف المرأة، والحق أن هذا ليس إنصافا، لأنها لا تحتاج إلى هذا الاحتفال لكي يتحقق إنصافها، وبالتالي فهذا الاحتفال يمكن اعتباره بمثابة تذكير بالمكانة الدنيا التي كانت ولا تزال تحتلها المرأة لدى المجتمعات المتخلفة، كما أن هذا الاحتفال ليس اعترافا بالمرأة، ولا اعتذارا مما تتعرض له من احتقار وإهانة وسلب للحقوق، بل يمكن أن نعتبره مجرد تكريس للنظرة الذي تقوي السلطة الذكورية، وترسيخ للمكانة التي يحتلها الرجل خصوصا في المجتمعات المتخلفة، ذلك أن الاحتفال ليس حلا لمعالجة قضية المرأة، بل المسألة تحتاج تغييرا جذريا في العقليات والتمثلات السائدة، والتي ما تنفك تنظر إلى المرأة على أنها جسد لا أكثر.

 

الأسوأ من ذلك أن هذه العقلية تسيطر حتى على معظم النساء، خصوصا اللواتي لا يتعدى سقف أحلامهن الزواج، ولعل هذه الوضعية التي فرضت نفسها هي تراكم لمخلفات الماضي، والذي لم يكن فيه أي اعتراف بالمرأة كإنسان، وكل ما هنالك أنها لا تليق إلا لخدمة الرجل في شؤونه، وهكذا فالمجتمعات التي تخضع لهذا التفكير، هي مجتمعات تعيش في حضيض الماضي رغم ما تبديه من تقدم.

 

عندما يتم تخصيص الثامن من مارس للاحتفال بالمرأة، فهذا ليس إنصافا ولا تحقيقا للمساواة في قضية المرأة، بل إنه تكريس وترسيخ لتمثلات تضع المرأة في مكانة أقل من الرجل

تطرح قضية المرأة في المجتمعات المتخلفة العديد من التساؤلات، وكلها متعلقة بمكانتها وحقوقها والنظرة التي تلاحقها، حيث نجد أن وضعها لم يرقى بعد إلى المستوى الذي يمكن أن يجعلها تشعر بإنسانيتها في صميم حقوق الإنسان، وبالتالي فوضعها كارثي إذا لاحظنا أنها لا تزال تبحث عن المساواة مع الرجل، ذلك أن هذه المجتمعات التي يتم تعريفها بالذكورية لا تؤمن بالمرأة كإنسان، بل لا تؤمن بها أصلا، ولهذا اعتادت المرأة في هذه المجتمعات أن تخضع لسلطة الرجل، حتى باتت تنشئة الأنثى تتجه صوب البحث عن رجل بدل البحث عن الذات، وقبل ذلك تظل خاضعة لسلطة عائلتها، وهنا اختلفت الموازين، فظلت المرأة تبحث عمن يكملها، معترفة بنقصانها، وهو الاعتراف الذي تم ترسيخه لديها نتيجة تنشئة مبنية على ثقافة اعتادت أن تضع المرأة في الهامش.

 

تعيش المرأة في المجتمعات المتخلفة على ثقافة المتناقضات، فهي قد تعترف بأنها ذات تملك حريتها ومكانتها وقوتها، وتسعى إلى تحقيق ذاتها، لكنها في الوقت نفسه تجد نفسها حبيسة أفكار وقناعات جعلتها تفكر عكس ما تسعى إلى تحقيقه، فقد تبدي رغبتها في التحرر من كل ما يثير سخطها، كما ترغب في الاستمتاع بحريتها، لكنها تجد نفسها مقيدة بحدود لا تقدر على تجاوزها، وهي الحدود التي تم تأطيرها عليها بشكل غير مباشر، فباتت سجينة لتلك الأفكار في الوقت الذي تعترف فيه بحريتها وقوتها، وكان سيكون أفضل لو تحررت من كل ما لا يناسب قناعاتها ورغباتها في مقابل الاختيار الأمثل لكل ما يناسب نمط نظرتها للحياة، الحياة التي قررت أن تعيشها بعيدا عن الخضوع لسلطة ما.

 

يتم اختزال المرأة في المجتمعات المتخلفة في غشاء البكارة، وكما يقولون إنه شرفها، والأجدر أن تحافظ عليه حتى تصير في ملكية زوجها، وهكذا يتم تربية الفتاة على الاحتفاظ بذلك الجزء من جسدها، لأنه في نظرهم أساس كينونتها، فتحاول الفتاة أن تفعل حيال الأمر كل الممكنات، حتى ترسّخ في تفكيرها أنها ليست أكثر من ذلك الغشاء، وأنها بمجرد ما ستفقده بشكل غير شرعي ستكون غير شريفة، مهما كانت الطريقة التي ستفقده بها، وقد يتسبب لها هذا الفعل في عتاب وعقاب دون أن يتم تشخيص سبب ذلك، فالحيلة قد لا تكون بيدها، فقد تولد بدون هذا الغشاء، وقد تفقده جراء تمرينات رياضية، كما أنها قد تفقده نتيجة اكتفائها بذاتها عندما تشتد بها الشهوة، وبالتالي فمسألة النظر إلى الأنثى من خلال ذلك الغشاء بمثابة مغالطة وتقليل من قيمتها كإنسان، وهكذا كان لزاما أن يتم أخد الأمور من الزاوية الصحيحة بدل التركيز على تفاهات لا تليق بما تسعى إليه حقوق الإنسان.

 

عندما يتم تخصيص الثامن من مارس للاحتفال بالمرأة، فهذا ليس إنصافا ولا تحقيقا للمساواة في قضية المرأة، بل إنه تكريس وترسيخ لتمثلات تضع المرأة في مكانة أقل من الرجل، لأن تقدير المرأة وإعادة الاعتبار لها لا يتم بتخصيص يوم عالمي لها، بل الأمر يتجلى في احترام كينونة المرأة وإنسانيتها، والتعامل الأمثل معها، وتقدير مواقفها واختياراتها وقناعاتها، والأجدر من ذلك أن يتم النظر إلى المرأة على أنها إنسان حر، وليس ذاتا خاضعة كما يحصل في المجتمعات المتخلفة، إذ لا يتم التعامل مع المرأة كما ينبغي ولا يتم أخذ رأيها بعين الاعتبار، حتى في الأمور التي تخصها هي، إلى درجة أنه يمكن إجبارها على قرار ما، دون أن تملك سلطة الرفض، وهنا تظل السلطة في يد عائلتها، قبل أن تنتقل هذه السلطة إلى يد زوجها، ولا تملك إلا أن تطيع، وهذه الطاعة تمت تنشئتها عليها، فأضحت تفكر انطلاقا من هذه التنشئة. وإذا كنا نسعى فعلا إلى الاحتفال بالمرأة، فيجب أن نغير نظرتنا الإقصائية نحوها، وأن لا نقلل من شأنها وقدراتها واختياراتها، والأحرى من ذلك أن نقوم بتقدير إنسانيتها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.