شعار قسم مدونات

تريد أن تصبح شاعرا ناجحا؟.. احترم إذن هذه الشروط الست

blogs الدكتور الرباوي

قديما كانت القبيلة تفرح بالشاعر متى برز بين أظهرها، فتنطلق الأفراح ابتهاجا بظهور "الناطق الرسمي" باسمها، يدافع عنها، ويرد عنها هجمات الخصوم، ويخلد مكارمها في قصائد يتناقلها الكبار والصغار. لكن الأوضاع الآن انقلبت رأسا على عقب، وبات الشاعر يمسي ويصبح ولا يكاد يشعر به أحد، وبعد أن كان الشعر -والأدب بشكل عام- يقود حركات التغيير، أصبح متأخر عنها، فيما طغى شعر التصنع والمديح على روح الشعر، فكثر الشعراء وقلّ الشعر.

    

الدكتور محمد علي الرباوي (من مواليد 1949)، الشاعر المغربي الشهير الذي يعيش بمدينة وجدة المغربية (شرق)، والذي صدرت له دواوين شعرية عديدة منذ بداية سبعينات القرن الماضي، يحاول تفكيك هذا الوضع الشائك، ويطرح ـ من خلال تجربته الممتدة منذ ستينيات القرن الماضي ـ شروطا لتجاوز الواقع المتردي الحالي، والانطلاق نحو إنتاج تجارب شعرية تعيد للشعر أمجاده وأدواره.

  

الصدق

"الشاعر ينبغي ألا يكتب تحت الطلب"، هذا من أهم الشروط التي يضعها الرباوي لإنجاح مهمة الشاعر في عصر التواصل الاجتماعي وثورة النت، مشددا على أنه كلما كان الشاعر صادقا مع نفسه، ومنطلقا من ذاته ومن تجاربه الشخصية، كلما كان أقرب للوصول إلى قلوب الآخرين.

 

أما من اختار التصنع بابا لولوج عالم القافية، فذلك ينتج فقط كلمات منسقة لكنها خالية من أي روح يمكن أن تشكل إضافة. علما أن الشعر متى كان قويا وصادقا ومنسجما مع الذات، يمكن أن تشعر بروحه ونسماته حتى ولو كان بلغة أخرى تجهلها. ومتى ربط الشعر بالأجر، ضاع الشعر، وانقلب إلى كيان ممسوخ. وهنا يتوقف الشاعر الوجدي الذي درّس الأدب بجامعة وجدة – وتقاعد وتفرغ للشعر والبحث الأدبي منذ 2005 –  ليتحدث عن كبار شعراء العربية الذين خلدوا أسماءهم في تاريخ الشعر، وخلدوا معهم الشخصيات التي مدحوها، ويميز بين شعر المدح ذاك، وبين ما تعانيه القصيدة مع المنتسبين للشعر في العصر الحالي.

   

undefined

  

فالتكسب في أغلب الشعر القديم برغم كونه مرفوضا من ناحية المبدأ، إلا أنه كان شعرا جزلا، ويحرص على إبراز القيم الإيجابية التي لدى الممدوح، ما يعتبر ـ على الأقل ـ تشجيعا على تبني تلك القيم الإيجابية ونشرها بين الناس. لكن مع مرور الوقت وتسارع الانحدار القيمي، والتركيز على الدراهم والدنانير، بات المدح في حد ذاته كذبا ـ بحسب الرباوي ـ إذ أن ناظم الشعر وفي حاجته لأي كلام لتدبيج قصيدته، يضطر للتأليف والكذب، وإذا كان الصدق يحمي بعضا من جدوى شعر المديح، فإن الكذب يأتي على بنيانه من الأساس.

 

نشر الوعي

للشعر والأدب والثقافة دور كبير في نشر الوعي بين الشعوب، وعندما اندلع الربيع العربي مع ثورة الياسمين التونسية في ديسمبر/كانون الأول 2010، وتلتها ثورات مصر واليمن وسوريا وليبيا، بحث المتخصصون عن الشعر والثقافة بين أصوات الرصاص والقذائف فلم يجدوا له أثرا. علما أنه يفترض أن يكون الشعر والثقافة هما من مهدا للربيع العربي، وليس أن يأتي بعد اندلاع شرارة الأحداث ليؤيد ويزكي! هذا دليل خلل يوضح الرباوي، مضيفا أن الثورات الشهيرة في تاريخ الإنسانية، مثل الثورة الفرنسية، مهد لها أدباء وشعراء كبار بإنتاجات أدبية كثيرة ومتنوعة وملهمة.

 

غير متحزب

أيضا، الشاعر في نظر الرباوي يجب ألا يكون متحزبا، فالشخص المتحزب "كائن منفطئ"، لأنه يفقِد كلامه المصداقية، والناس سترى في كل ما ينطق به انحيازا نحو تياره الفكري أو السياسي، علما أن التغيير يحتاج أن يبقى الشاعر مبشرا بما ينبغي أن يكون، وليس بما هو موجود. ولأن ربيع العرب أسقط رؤوسا حاكمة كانت شعوبها تظن أنها خالدة لن تتزحزح عن مكانها إلا بعد أن يزورها ملك الموت، فقد أصبح كثير من الحكام أكثر خوفا من الشعر الهادف ومن الثقافة البانية، لأنها تهدد حالة الزيف التي يبنيها ليستمر حكمه.

 

فالشعر الهادف يبني قيما، ويشجع على العمل الإيجابي، ويؤسس للنظر النقدي للأحداث والوقائع، ويبشر بما يجب أن يكون، لا ما هو كائن، لذلك فلا مناص أن يشكل هذا النوع من الأدب والثقافة خطر على الحاكم مشتهي الخلود. ومن أكثر الوسائل لتحجيم دور هذا النوع من الشعر والأدب، كثرة الجوائز التي تمنح لأنواع معينة لا تكتفي فقط بتمجيد الحاكم، ولكن تعمل على تمييع الشعر، وتخلق حالة نفسية مضادة له وسط الناس الذين ينأون عنه لعدم مصداقيته.

  

يخلص الرباوي من ذلك إلى أن فتح النوافذ للاستفادة من الثقافات الأخرى ضروري ومطلوب، لكن مع الاحتفاظ بالهوية والملامح المحلية
التعليم

مشكلة الرباوي أيضا هي مع المناهج التعليمية، ويستغرب كيف لخريج كلية الآداب أن ينال شهادته دون أن يكون قد قرأ للمتنبي، ولكبار الشعراء، عكس ما يحدث في دول لها تاريخ مع الشعر، ويعطي الرباوي مثلا بفرنسا التي لا يمكن لخريج الآداب فيها مثلا ألا يكون قد قرأ لـ "لمارتين" أو "فيكتور هيغو".

 

أيضا، وسائل الإعلام ساهمت في إطفاء جذوة الشعر إما بتجاهلها له بشكل كامل، أو بالاهتمام بالشعر المتصنع السابح مع التيار، الذي يخلق الإثارة ويجلب "اللايكات". وهي على العكس من ذلك، لا بد أن يكون لها دور في نفض الغبار عن الشعر والثقافة والأدب، فالشاشة بالأخص قادرة على أن تجعل المتلقي أن يهتم بالشعر، عبر الحديث عن ديوان شاعر مثلا، واستضافة من يتحدث عنه، وتضع صورته وتعرف به وبإبداعاته.

 

الإثارة

وبالنسبة للرباوي، فبعض من ناظمي الشعر ممن يريدون الشهرة سريعا، يركزون على ثقافة الإثارة، فيتناولون المواضيع المثيرة للجدل، وخاصة تلك المتعلقة بالمقدس أو الجنس. وعوض أن يعيشوا حالة الإبداع، وينتجوا شعرا مرتبطا بالإحساس وبالتجربة والقيم، يهرولون نحو الشهر بسب المقدس، أو الإغراق في تناول مواضيع الجنس لاستفزاز القارئين والمتخصصين على حد سواء.

 

الهوية

بنظر الدكتور الرباوي، الأصل في الحضارة الإسلامية أن الشعر مرتبط بالقرآن، ولكي تتذوق القرآن لا بد لك من معرفة شعرية. ويقول، وهو الباحث الذي تعمق في دراسة الشعر العربي والشعر الفرنسي، أن الشعر الذي لا يحمل عناصر هويته المحلية، هو شعر فيه كثير من التصنع، ويضرب مثلا على ذلك بعدد من الشعراء الأوروبيين بينهم الفرنسي لويس أراغون، والأميركي/البريطاني توماس ستيرنز إيليوت. فأراغون، في ديوانه "مجنون إلزا"، بقي مرتبطا بالثقافة العربية فتحدث عن آخر الملوك المسلمين في الأندلس، ورسم تجربته وكيف تم طرده من غرناطة، فظهر أمام القارئ أنه استفاد من الثقافة العربية، لكنه احتفظ بالروح المسيحية الغربية.

  

وبالنسبة لإيليوت، فقد أكدت دراسة للأديب السوداني عبد الله الطيب -أحد المتخصصين البارزين في الأدب الإنجليزي والأستاذ الذي درّس بجامعة فاس المغربية- صدرت في منتصف السبعينيات، أن قصيدته الشهيرة "الأرض اليباب" استفادت من الشعر الجاهلي عامة، حيث انتقلت القصيدة العربية عبر الترجمة من الجزيرة العربية إلى بريطانيا، لكنه ظل محتفظا بطابع هويته المحلية.

 

يخلص الرباوي من ذلك إلى أن فتح النوافذ للاستفادة من الثقافات الأخرى ضروري ومطلوب، لكن مع الاحتفاظ بالهوية والملامح المحلية. فالأديب الغربي عندما يسمع شعر "مكر مفر مقبل مدبر معا"، يحتار لأن للبيت وللقصيدة روحا وأجواء خاصة بها لا علاقة له بها، لكن عندما يقرأ العديد مما يصنف في خانة الشعر الحديث، يبدو وكأن لسان حاله يقول "بضاعتنا ردت إلينا".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.