شعار قسم مدونات

في ذكرى عيد الحب.. هل نفهم ما هو الحب حقا؟

BLOGS الحب

في منتصف فبراير تتجه الكلمات إلى ما نسبوه للقديس فالنتين، أو ما اعتبروه عيدا للحب، هذا الحدث التاريخي المرتبط بالرابع عشر من فبراير يذكر العالم بالشخص الذي ضحى من أجل الحب، كما يذكر العالم بهذا الشعور الذي كان مفترضا أن يتذكروه طيلة أيام السنة، لكنه مع الأسف ظل هذا الإحساس رهين شهر فبراير في الاحتفال فقط، وربما هذا الأمر لا يليق بهذا الشعور، بل كان جديرا أن نحتفل به دائما، وأن نبادله على نحو واسع، وأن نستشعر المحبة تجاه الجميع، وأن نحب الخير للجميع، ولما لا أن نحب الجميع. كما لا يجب أن نحصر معنى الحب في العلاقات العاطفية، رغم أن الحب في هذه العلاقات مرتبط بالجسد أكثر، ومن خلال كل ذلك يطرح الحب عدة إشكالات في مجتمعنا.

 

يبدو أن أمر الحب معقد في مجتمعنا، ولأن هذا الشعور نابع من دواخلنا، فبقدر ما تتسخ دواخلنا، يكون من الصعب أن نمتلك قلبا أبيض يمكن أن يحب الآخرين، ولعل ما يجعل قلوبنا سوداء ولا تعرف الحب هو ما نستشعره من حقد وضغينة وحسد، وتلك سلبيات تعكر مزاج قلوبنا، فلا تدع لنا فرصة امتلاك شعور الحب، وتدفعنا للابتعاد عن الآخرين، كما تجعلنا نحتاط منهم، ولا نثق فيهم مهما فعلوه من أجلنا، لأن قلوبنا امتلأت بالسلبيات، وهذه الأخيرة لا تدع لنا مكانا لكي نقترب من الآخرين، ولكي نختبر محبتهم، وهي أمور دفعتنا إلى الانغلاق على ذواتنا أكثر، وكل ذلك ولد فينا نفاقا نمارسه في علاقاتنا مع الآخرين، فنضطر إلى مجاملة الأخرين، كما نظهر لها حبا مزيفا، والحقيقة أننا لا نريد حتى لقائهم.

 

النظر إلى العلاقات العاطفية التي لا تتم في إطار عقد معين نظرة تحريمية يدفعنا إلى النظر إلى الحب من هذه الزاوية على أنه جريمة لا يجب أن نرتكبها

إن النفاق الذي أضحينا نمارسه على نطاق واسع يبقى بمثابة حاجز يمنعنا من التعامل مع الآخرين، ولا يدع لنا فرصة الانفتاح على الآخر كما ينبغي، ولأننا لم نقدر على مواجهته بكل نقاء القلب، واجهناه بنفاق جعل المحبة تغيب، حتى لو كان الشخص يستحقها فعلا، وبذلك نضع أنفسنا في مسافة دائمة مع الآخرين، وهي التي تمنعنا من التقرب منهم بكل سعة صدر، وهي التي تدفعنا إلى عدم الوثوق فيهم، ذلك أننا نعتقد أن الأخر عندما لا نعرفه يمكن أن يشكل خطرا علينا، لم نتعلم أن نمتلك نية صادقة تجاه الآخرين، لم نتعلم أن نبني الثقة، هذه الأمور باتت مشتركة بين الجميع، فأصبحت الثقة شبه غائبة، وهذا الشرط بمثابة حاجز قوي أمام ميلاد المحبة، وبالتالي يمكن القول إننا لم نتعلم معنى الحب.

 

يبدو أن معنى الحب ارتبط كثيرا بتلك العلاقات العاطفية بين رجل وامرأة، وليس عيبا في ذلك، لكن يستحسن أن نأخذ الحب بمعناه الشامل والعام، أن نستشعر حبا للجميع، وقبل كل شيء أن نحب ذواتنا، وأن نحب أقربائنا، وأن نحب الأصدقاء وحتى الغرباء، وليس بالضرورة أن نستشعر ذلك الشعور الجميل المرتبط بالحب، لكن الأجدر من ذلك أن نحب الآخرين عن طريق تقديرهم واحترامهم، وهذا هو الحب الذي كان لزاما أن يسود بيننا، ولعله يمكن أن يضفي معنى جميلا لعلاقاتنا الانسانية، لكن الأمر بات صعبا للغاية في ظل ما تعيش فيه مجتمعاتنا من نفاق وكذب وحسد.

 

كان ولا يزال الاحتفال بعيد الحب أمرا مهما حتى لدى المجتمعات التي تحرم هذا الحب، إذ يتحدث عنه الجميع، ويحاولون أن يقدموا فيه من الهدايا ما يستطيعون، من أجل أن يعبروا عن حبهم لشريكهم، ومن خلال ذلك يبدو أن أمر الحب يستعصي على الفهم، فإذا كانوا يقدسون هذا الحب إلى درجة الاحتفال بعيده كل سنة بشكل رمزي، فالأجدر أن يكون مباحا، كما أن اكتشاف شعور من طينة الحب، لا يستحق إلا أن نوليه كامل اهتمامنا، وكامل مشاعرنا، وعكس ذلك لا يتناسب مع هذا الإحساس المقدس، وفي حالة وجود من لا يضع الحب في هذه المنزلة، فالمشكل مرتبط بالعقليات، وليس بهذا الشعور، لأنها تنظر إلى هذا الحب على أنه حرام، وفي نفس الوقت ترغب فيه بشدة، لكن لما ارتبط الحب بالجسد في هذا المجتمع، يبدو واضحا بأن فهمهم للحب ليس في موضعه، ولعل هذا سبب كافي يدفعنا لكي نطرح جميع الإشكالات المتعلقة بالحب في هذا المجتمع.

 

بما أن مجتمعاتنا تربط الحب بالجسد غالبا، فلابد من معرفة الأسباب التي أدت إلى هذا الاعتبار، وقد يكون الأمر ناتج عن الكبث المستمر الذي تعيش فيه هذا المجتمعات، كما أن النظر إلى العلاقات العاطفية التي لا تتم في إطار عقد معين نظرة تحريمية يدفعنا إلى النظر إلى الحب من هذه الزاوية على أنه جريمة لا يجب أن نرتكبها. وإذا كان مجتمعنا منافقا إلى درجة تحريم شيء مرغوب فيه بكثرة، فلابد من البحث عن الأسباب والعوامل التي أدت إلى هذا التفكير المتناقض، وهي كلها إشكالات تطرح نفسها بقوة عند الحديث عن الحب، والحقيقة أن حاجاتنا للحب تفوق جميع حوائجنا.

 

إننا نحتاج للحب كثيرا، ولا أقصد بالحب هنا ما هو مرتبط بالعلاقات العاطفية، كما لا أقصد تلك النظرة التي تربط الحب بالجسد وإن كان جزء منه، بل أقصد الحب في علاقاتنا الإنسانية بمعناه الشمولي، فالواقع ينذر بخطر انقراض الحب، وغياب تلك الابتسامة الصادقة بين الناس يؤكد هذا الأمر، إذ بتنا أمام عبوس وقلق لا يغادر محيا الجميع، وكان سيكون أجمل لو تعلمنا أن نبتسم في أوجه الآخرين كيفما كانوا، حتى وإن كنا لا نعرفهم، وكان سيكون أجمل لو تعلمنا أن نتعامل مع الآخرين بكل صدق ومحبة، وكان سيكون أجمل لو تعلمنا أن نحب الآخرين بالرغم من كل شيء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.