شعار قسم مدونات

فوارق تؤكد استحالة وجود جذور حيوانية للإنسان

blogs حصان

"الإنسان يحسّ أنه جزء من الطبيعة وغريب عنها في ذات الوقت"

عبد الوهاب المسيري

 

تتميّز الأديان السماوية بتقديم تصوّرات عن الإنسان تجعله متفوقاً على كافة المخلوقات الأخرى بما ميّزه الله له من (نفخة) أو (صورة) أو (كلمة) حسب تعبيرات الأديان الثلاثة، ممّا يعني وجود جانب مقدّس روحي/سماوي داخل نفس الإنسان يرفعه درجة فوق جميع الكائنات الحيّة الأخرى.

 

ظل هذا الاعتقاد بتفوق الإنسان روحيًا على سائر المخلوقات سائدًا طوال تاريخ البشرية تقريبًا، إلى أن جاءت نظرية التطور في القرن التاسع عشر لتهدم هذا التصور تمامًا ولتقيم مكانه تصورًا للكون تتساوى فيه جميع الكائنات الحيّة من حيث المرتبة الوجودية بلا أي ميزة للإنسان على الحيوان سوى في الكمّ، أي في مدى تعقيد المكوّنات الداخلية -الماديّة- لجسم الإنسان فحسب. أمّا الادّعاء بأن الإنسان يتفوق نوعيًا على الحيوانات أو أنه يملك من الخصائص ما لا يملكه أي كائن حيّ آخر فهو -طبقاً لنظرية التطوّر- ادّعاء خاطئ لا وجه له للصحة لأن الإنسان مجرّد حيوان متطوّر ماديًا.

 

أمام هذا التباين بين الرؤيتين يجد القارئ أو المشاهد العربي العادي نفسه في حيرة: فهو يشاهد الحيوانات تتفاعل اجتماعيًا وتنشئ نظمًا اجتماعية، ويرى الحيوانات تعبّر عن مشاعرها بالفرح أو الألم أو الحزن، ويراها تتحارب وتتآلف وتجتمع وتتفرق، وتستجيب للبيئة والتحديّات بأنماط ذكيّة وفورية، بل وتحفظ بعض المعلومات وتحتفظ بها في ذاكرتها، فمن هنا ينشأ التساؤل: ما هو الفرق تحديدًا بين الإنسان والحيوان؟ ولماذا خصّت الأديان السماوية الإنسان بميزة العقل؟ ما هو العقل إذن وما معنى تفرّد العقل الإنساني إذا كانت الحيوانات تملك قدرًا من الذكاء والذاكرة والقدرة على التعلّم؟

 

ما هو الذكاء؟

لا يوجد تعريف ثابت أو مُجمع عليه لمصطلح (الذكاء) بين الفلاسفة وعلماء النفس، لكن تكاد تتفق جميع التعريفات على أن الذكاء يتضمّن بشكل أساسي "القدرة على التكيّف السريع مع وضع أو موقف مستجد" (1). كان التصوّر التقليدي يرى أن الذكاء كتلة واحدة لا تتجاوز معاني التكيّف وسرعة البديهة وحسن التصرّف، ولكن كما يرى أستاذ علم الجراحة عمرو شريف، فقد أغفل التعريف ما أغفلت عنه اختبارات الذكاء المعروفة وهي حقيقة بأن الذكاء الإنساني له أبعاد متعددة وليس بعدًا واحدًا فقط، منها الأبعاد النمطية والانفعالية والمهارات الاجتماعية، ويشير شريف إلى خطأ شائع حول مفهوم الذكاء قائلًا: "فهناك اعتبار خاطئ بأن مفهوم الذكاء يكود يكون مرادفاً للقدرة على التحصيل العلمي والنجاح الدراسي" (2).

 

ومع التقدّم العلمي والتقني بدا أن هذا التعريف ذا البعد الواحد للذكاء يحتاج إلى مراجعة. وبالفعل وفي أواخر القرن العشرين، طرح أستاذ علم النفس بجامعة هارفارد هوارد جاردنر نظريته حول (الذكاءات المتعدّدة) والتي قسّم فيها الذكاءات إلى تسعة أنواع: الذكاء اللغوي (مهارة إنتاج وفهم اللغة)، والذكاء المنطقي الرياضي (إدراك الأنماط المشتركة والاستدلال والربط بين عناصرها)، والذكاء البصري المكاني (التعامل مع الوسط المحيط)، والذكاء الموسيقي، والذكاء التصنيفي (إدراك وتصنيف الموجودات والمفاهيم)، والجسمي الحركي (استخدام الجسم لأغراض معينة)، وذكاء العلاقة مع الآخرين (التعرف على الآخرين ومشاعرهم ودوافعهم)، وذكاء فهم الذات، والذكاء الروحي الوجودي (الاهتمام بالدين والمسائل الروحية).

   

  

وإذا أخذنا بنظرية جاردنر فإننا يمكننا تقسيم أنواع الذكاء إلى قسمين رئيسيين: القسم الأول هو الذكاء المعتمد على الحسّ المباشر، والنوع الثاني هو الذكاء المعتمد على الأنشطة العقلية. والسؤال هنا: ما هي أنواع الذكاء الموجودة في الحيوان –ولو بشكل بدائي- وما هي الأنواع الغائبة عنه بالكليّة؟!

 

غريزة البقاء.. محفز الذكاء الحيواني

في جميع الملاحظات العلمية، لا يتجاوز الذكاء عند الحيوان معنى الاستجابة للمؤثرات البيئية، والأصل في ذلك هو أن غريزة البقاء تدفع الحيوان للتصرّف في المواقف بما يحفظ حياته، ولولا هذه الغريزة لماتت كل الحيوانات، فمثلًا: يطير طائر اللقلق Stork من شمالي أوروبا إلى أواسط أفريقية ثم جنوب أفريقيا في رحلة مسافتها حوالي خمسة آلاف ميل دون أي مرشد لا للسياحة وإنما ليفتش عن طعامه المفضل: الجراد. أمّا السرطان المعروف باسم عنكبوت البحر Sea spider فيتخفى من أعدائه بجمع الاسفنج والديدان والطحالب ويضعها فوق ظهره وتلتصق به حتى لا تستطيع الأسماك الكبيرة أن تميّزه من بقية أرض البحر (3).

 

وفي عالم النمل، يبني النمل المدن ويشق الطرق ويحفر الأنفاق، ويخزن الطعام في مخازن خاصّة بآليات معقدة، بل إن النمل أيضًا تشن قبائله الحروب بعضها على البعض، ويأخذ المنتصر أسرى من النمل المهزوم، كل ذلك للصراع على موارد الغذاء (4). أمّا الفيلة فلها نظام محكم تتبعه إذا أرادت أن تشرب، فقائد الفيلة يخرج في سكون الليل ويسترق السمع ثمّ يعود إلى رفاقه ويصطحب معه خمسة من الفيلة يحرسون الماء حتى يشرب الفيلة كلهم، وإذا سمع الفيلة صوتًا يشعرهم بالتهديد أطلقوا صيحات الإنذار ولاذوا بالفرار، مع وضع كل فيل صغير بين فيلين كبيرين حتى لا تدهسه الأقدام (5). وأخيرًا فهناك نوع من الطيور يصطاد كما يصطاد البشر، فيرمي الطُعم في المياه ثمّ ينتظر السمك حتى يقترب منه فيلتقطه الطائر بسرعة ويتغذى عليه (6).

 

في جميع الأمثلة السابقة يمكن ملاحظة امتلاك الحيوان لذكاء بسهولة، لكن الذكاء هنا –طبقًا لتصنيف جاردنر- لا يشمل ذكاءً لغويًا، أو رياضيًا تجريديًا، أو موسيقيًا، أو روحيًا وجوديًا. وإنما هي أنماط بدائية من ذكاءات فهم الذات، والعلاقة مع الآخرين، والذكاء البصري المكاني، والذكاء الجسمي الحركي. أي أن نصف الذكاءات تقريبًا لا توجد في الحيوانات ولا في أي كائن حيّ قط سوى الإنسان.

 

يقول الكاتب أحمد كمال قاسم: "فيمكننا أن نقول على سبيل التجاوز أن كل عاقل ذكي وليس كل ذكي عاقل. وما يميّز الإنسان عن الحيوان هو العقل وليس الذكاء. فالحيوانات تنساق وراء غرائزها [يعني غريزة البقاء وما يتبعها من وجود بعض أنواع الذكاء ولو بشكل بدائي]، أما العاقل فهو لا يستجيب للمؤثرات المحيطة به كاستجابة ردّ الفعل المبرمج وإنما يمنع نفسه من التصرّف كحيوان" (7).

 

مشاعر الحيوان

هذه إذن الذكاءات المتعلقة بالأنشطة الذهنية، أما مشاعر الحيوانات فقديمًا قال ديكارت أن الحيوانات لا وعي لها ولا مشاعر مثلها كمثل الصخور والجمادات. لكن مع توالي الدراسات، سقطت حُجّية هذه الرؤية تمامًا، ويجادل كثيرٌ الفلاسفة والعلماء اليوم على أن هناك درجات مختلفة من الوعي وليس وعيًا واحدًا صلبًا (8). لكن ما هو الفرق بين شعور الحيوان وشعور الإنسان؟!

  

فبالتركيز على شعور الألم كمثال: يحدّد علماء الأحياء ثلاثة درجات من الشعور بالألم: الدرجة الأولى هي الاستقبال الحسّي للألم، وهو إنذار الجسم عبر الخلايا العصبية ضد كل العوامل المثيرة التي قد تكون مضرة له، والدرجة الثانية هي الألم، أي المظاهر الشعورية المصاحبة لإثارة الخلايا العصبية، والدرجة الثالثة هي المعاناة، وهي وعي الحيوان بألمه وتجربته الخاصّة به (9).

  undefined

 

ويقول الباحث المرموق في علوم الأعصاب جورج شابوتيي أننا يمكننا رصد أول درجتين من الألم عند الحيوانات بسهولة، أمّا المعاناة المرتبطة بالوعي فلا نعرف شيئًا عنها لأن قياس هذا الأمر مستحيل كما يبيّن السبب قائلًا: "فلكي نفهم التجربة المعيشة لوعي الأسماك بألمها، يتعيّن أن نكون بداخل رأس الأسماك لنعرف ماذا يدور به" (10).

 

هل للحيوانات وعي بالألم؟

رغم ذلك، وفي أحد الحوادث وليدة الصدفة البحتة: تعرّض أحد قرود الشمبانزي المستخدمين للتجارب إلى شلل كامل بشكل فجائي فتطوّع فريق جامعي لرعايته وعلاجه، لم يستطع الشمبانزي تحريك أي شيء في جسمه سوى دماغه، ويومًا وراء يوم عانى من قرح الفراش كما أن جسمه صار هزيلًا نتيجة لسوء التغذية وقلة الحركة. ولمدة ستة أشهر هي مدّة العلاج: لم يلاحظ فريق الرعاية الطبّي أي تغيّر في سلوك الشمبانزي، وظلت رؤيته للحياة كما هي، وبمعنى آخر، كما يشرح أستاذ علم الأحياء المرموق فرانس دي فال: "لم يبدُ أن الشمبانزي قلقاً بشأن مستقبله، لم يصبح مكتئبًا، حتى لو بدت حالته المرضية لنا شديدة البؤس" (11).

 

ويعلق دي فال: "تعيش الحيوانات في عالم الآن والـ (هنا)، أمّا البشر فيمكنهم أن يتجاوزوا آلاف السنوات في الماضي وفي المستقبل وتخيّل أماكن على الجانب الآخر من الكوكب أو حتى الكون". ثم يتناول الشمبانزي كأمثلة قريبة في شجرة التطوّر المزعومة من البشر قائلًا: "تنحصر ذاكرة الشمبانزى فيما هو كائن أمامهم، لكنهم لا يقلقون بشأن المستقبل ولا يفكّرون في أسلافهم. في اليابان مثلًا تتعدّى أعداد المنتحرين 30,000 ياباني سنويًا، حوالي 49% منهم شباب في العشرينات يتملكّهم اليأس والإحباط لأنهم لا يستطيعون نسيان المشاكل الماضية بسهولة، ولأنهم قلقون بشأن المستقبل". ثمّ يختم كلامه قائلًا: "الشمبانزي لا يشعر باليأس ولا يكون محبطًا، لكن البشر يكونون كذلك، نظرًا لقدرتهم على التجاوز والتخيّل" (12).

 

يبدو إذن –علميًا- أن المعاناة المرتبطة بالوعي ليست صفة من صفات الحيوانات، وإنما هي صفة خاصّة بالبشر. ومن ثمّ فإن وجود المشاعر لدى الحيوانات لا يساويها بالإنسان إذ أن الحيوانات، كما يكتب الباحث سامي عامري، "لا تفكّر في معاناتها ولذلك فهي لا تعيش تجربة الألم على الصورة التي نعيشها. نحن لا ننكر إحساس الحيوان بالألم وإنما نعني أن افتقاد الحيوان للوعي.. يجعل [تجربته] بالألم أدنى بكثير من الإنسان الذي يعود جلّ ألمه إلى طبيعة وعيه وتركيبه العصبي والنفسي أي إلى البنيان السيكولوجي أكثر منه الفيزيولوجي [العضوي]" (13).

 

مشكلة الوعي

اذا كان الحيوان لا يمتلك ما يسميه الانسان "الوعي" فما هو هذا الوعي ؟ ولماذا يمتلكه الإنسان فقط دونًا عن بقية الكائنات الحيّة الأخرى بأسرها؟ يقول الأسترالي ديفيد تشالمرز، أستاذ الفلسفة وعلوم الإدراك Cognitive science (وهي العلوم التي تهتمّ بدراسة الأنشطة الذهنية للإنسان كالعقل والوعي والذكاء) أنه بدون الوعي لن يكون هناك معنى أو قيمة لحياتنا، ثمّ يتساءل: "لكن لماذا نحن واعون؟ لماذا نمتلك هذا الإدراك الداخلي؟ لماذا نحن لسنا كالروبوتات التي تستقبل المدخلات ثمّ تنتج المخرجات؟ حتى الآن: لا يملك أحدٌ الإجابة على هذه الأسئلة، ورأيي أنه إذا أردنا إدخال الوعي إلى موضوعات العلم التجريبي فإنه يجب إحداث تغييرات راديكالية أولًا" (14).

 

في نفس السياق، يعترف أستاذ علوم الأعصاب الأمريكي الملحد كريستوف كوتش بمعضلة الوعي قائلًا: "كيف يحوِّل الدماغ النشاط الكهروبيولوجي إلى حالات ذاتية، كيف تتحول الفوتونات المنعكسة من الماء بشكل سحري إلى بحيرة جبلية محسوسة طيفية اللون، فهذا لغز. إن طبيعة العلاقة بين النظام العصبي والوعي تبقى محيّرة وموضوع مناظرات ساخنة لا تنتهي" (15).

 

العقل والمخ.. ظاهرة العلاج بالوهم نموذجًا

كتب البريطاني مايكل بروكس، صاحب شهادة الدكتوراه في فيزياء الكوانتم، أن هناك 13 ظاهرة لا معنى لها علميًا (16)، ومن ضمن هذه الظواهر: ظاهرة العلاج بالوهم Placebo effect وهي عبارة عن تقديم دواء للمريض لا يحتوي على أيّة موادّ فعّالة أصلًا، بل هو مجرّد مياه مخلوطة بملح أو بسكر، لكن المفاجأة أن المريض أحيانًا يستجيب لهذا العلاج كأنه يتلقى العلاج الحقيقي بالفعل فتحدث له تغيّرات عضوية في جسمه تنتهي إلى تعافيه من مرضه تمامًا!

   undefined

  

يوضّح الكاتب الأمريكي فرانك توريك أنه في بعض الحالات "مجرّد التفكير في أنك تتلقى العلاج له نفس الكفاءة والجودة كمثل تلقي العلاج فعلًا" (17). أمّا الباحث الكندي المتخصّص بعلم الأعصاب ماريو بوجارد فيعلّق على هذه الظاهرة قائلًا: "وبالطبع، فإن ظاهرة العلاج بالوهم لا معنى لها إذا كنت تفترض عدم وجود العقل" (18). الأمر الذي دفعه إلى تأليف كتابه (حروب العقل: السجال العلمي حول وجود العقل) الذي قال في مقدّمته أن الإطار المادي للعلم الذي ينفي وجود العقل ويفسّر الوجود كلّه طبقاً للمادّة فحسب "ليس علمًا أصلًا" (19).

 

ويقول عالم الطبيعة البريطاني المعاصر لدارون ألفرد والاس: "إذا وصلت مادّة ما إلى حدّ تعقيد المخ الإنساني، وتمت إضافة آلاف الجزيئيات إليها أيضًا، فمن المستحيل أن تنتج تلك المادة وعيًا ذاتيًا. لا يوجد مفرّ من هذه المفارقة: إمّا أن كل المادّة واعية، وإمّا أن الوعي هو شيء متمايز عن المادّة، وفي الحالة الأخيرة، فإنه دليل على أن وجود كائنات واعية هو أمر خارج عن ومستقل عمّا نسمّيه المادّة" (20).

 

هل يمكن للحيوانات أن تنشئ لغة؟

يتفق أستاذا الفلسفة إيرل كوني وتيودور سايدر في كتابهما (أُحجيات الوجود: رحلة إرشادية للميتافيزيقا) مع ألفريد والاس فيعدّدا الفروق الجوهرية بين الإنسان والحيوان التي لا تخضع للمجال العلمي التجريبي وهي: الهويّة الذاتية أو الوعي، الموت، الإحساس بالوقت، حرية الإرادة، الحسّ الأخلاقي، والتفكير في المسائل الوجودية والميتافيزيقية (21). والسؤال بالتحديد: ما علاقة الوعي والعقل باللغة؟ ولماذا لا نجد أي كائن حيّ يستخدم نظامًا لغويًا سوى الإنسان؟!

 

ففي تجربة ملفتة أُجريت عام 2014م، قام فريق من العلماء بتقديم اسكتشات غير مكتملة لوجوه من القرود إلى مجموعة من الأطفال ومجموعة من الشمبانزي، وطُلب كلاهما بإكمال ما ينقص من الرسمة، فلم يستطع الشمبانزي تخيّل ما ينقص من الرسمة وقاموا بالتخطيط على الرسمة الموجودة بالفعل وتقليدها فحسب، أمّا الأطفال فاستطاعوا إكمال ما ينقص منها (22). استخلص الفريق البحثي من التجربة أن أحد الفروق النوعية بين الإنسان والحيوانات هو قدرة الإنسان على إنشاء صور ذهنية مجرّدة يستخدمها كرموز في إدراكه وتفاعله مع العالم، بينما تغيب هذه القدرة في الحيوانات.

 

ولهذه القدرة بالذات كتب أستاذ علم النفس بجامعة هارفارد ستيفن بينكر أن بعض الأصوات التي نسمّيها "لغة" لها قدرة غير طبيعية في إنشاء أفكار ومعانٍ جديدة في الأذهان، وهي "معجزة يمكن اعتبارها أهم خاصيّة للإنسان دونًا عن كل الحيوانات" (23). الأمر الذي تفتقر إليه الحيوانات تمامًا حيث أن الأصوات أو الآليات التي تستخدمها للتواصل مع بعضها البعض لا تتعلّق بمعانٍ أو أفكار وإنما هي مؤثرات Stimuli يستجيب الحيوان إليها بطريقة شبه آلية كما تستجيب اليد مثلًا عند تعرّضها للنار فتسحب نفسها تلقائيًا.

 

ويؤكد الباحث رضا زيدان على هذا الفرق الجوهري بين آليات التواصل عند الحيوانات ومثيلتها عند الإنسان، فبعد أن يقول أن لغة الطيور مثلًا تحتوي ما بين 12 و25 صوتًا، والدلفين ما بين 7 و 19 صوتاً، والقرود بين 10 و 37 صوتاً، مقارنة بسكان جزر الهاواي مثلًا الذي يمتلكون 13 صوتاً فقط، يقول موضحًا: "لكن مهما كان عدد هذه الرموز عند الحيوانات إلا أنه لا يحمل أي دلالة أو ترميز خارج السياق الحياتي الوظيفي، فالأصوات عند الحيوانات تدلّ دلالات مباشرة وبسيطة وغالبها انفعالية، ومنها ما يتعلّق بالغذاء أو صيحات للتحذير من خطر قادم، لكن أن تجد كلمة واحدة عند الحيوانات تعبّر عن معنى مجرّد أو أفكار: فلا" (24).

————————————————————————-

 

المراجع

(1) محمد الخولي، قاموس التربية، (بيروت: دار العلم للملايين، 1980م)، ص/ 239.

(2) عمرو شريف، ثمّ صار المخ عقلًا، (القاهرة: دار الشروق، 2015م)، ص/ 94.

(3) شوقي أبو خليل، (دمشق: دار الفكر، 1978م)، ص/ 30.

(4) المرجع نفسه، ص/ 50.

(5) المرجع نفسه، ص/ 54.

(6) https://www.youtube.com/watch?v=2ihdlPtz53g

(7) https://ar.islamway.net/article/45669/الذكاء-والعقل-ما-الفرق

(8)  Michael Murray, Nature Red in Tooth & Claw: Theism and the Problem of Suffering, (New York: Oxford Uniersity Press, 2008), P. 52.

(9) فريدريك كابلن وجورج شابوتيي، الإنسان والحيوان والآلة، (القاهرة: مؤسسة هنداوي، 2015م)، ص/ 47.

(10) الإنسان والحيوان والآلة، ص/ 48.

(11) Frans De Wall, The Primate Mind, (Harvard University Press, 2012), P. 304.

(12) Ibid, pp. 304-305.

(13) سامي عامري، مشكلة الشر ووجود الله، (لندن: مركز تكوين، 2016م)، ص/ 170-171.

(14)  https://www.youtube.com/watch?v=uhRhtFFhNzQ

(15) Koch, C. (2012) Consciousness: Confessions of a Romantic Reductionist. Cambridge, Massachusetts: MIT Press, pp. 23-24.

(16) Michael Brooks, 13 Things That Don’t Make Sense in Science, (NY: DoubleDay, 2008).

(17) Frank Turek, Stealing From God: Why Atheists Need God to Make Their Case.

(18) Mario Beauegard and Denyse O’Leary, The Spiritual Brain, (New York: HarperCollins, 2009), 141, Kindle edition.

(19) Mario Beauregard, Brain Wars: The Scientific Battle Over the Existence of the Mind and the Proof That Will Change the Way We Live Our Lives, (NY: HarperCollins, 2012).

(20) Animal intelligence, P. 464.

(21) Earl Conee & Theodore Sider, Riddles of Existence: A Guided Tour of Metaphyscs, (Oxford university press, 2014).

(22)  http://onlinelibrary.wiley.com/doi/10.1111/cdev.12319/epdf

(23) Steven Pinker, The Language Instinct: The New Science of Language and Mind.

(24) رضا زيدان، رسالة في نشأة اللغة والمجاز، (بيروت: عالم الأدب، 2016م)، ص/ 41.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.