شعار قسم مدونات

هل يمكن أن تسير بلادي "تشاد" على خطى رواندا؟

blogs ديبي و كاغمي

رواندا التي توصف بأنها سنغافورة أفريقيا، لم تكن مكانا صالحا للعيش قبل 24 سنة، لكنها تحولت إلى نموذج في النمو الاقتصادي والرفاه الاجتماعي والعمران المدني، وحجر الزاوية في القصة الرئيس كغامي ذو الخلفية العسكرية، الذي وضع مصلحة وطنه قبل الاعتبارات القبلية. لست في صدد الحديث عن التجربة الرواندية، ولكن السؤال أعلاه دفعني إلى هذه المقدمة.

الرئيس ديبي يستطيع أن يكون كغامي وأكثر، وتشاد يمكن أن تكون سنغافورة، ولكنها لن تكون كذلك لأن النظام لا يريد ذلك. صديقي المنتمي للحركة الوطنية للإنقاذ فلا تضحك على نفسك، وتمنيها الأماني الفارغات من الواقع، هل الثمان وعشرين سنة التي حكم فيها ديبي البلاد غير كافية لبناء وطن يمتلك كل شيء، نعم كل الموارد سواء الطبيعية، البشرية، ماعدا الإرادة السياسية، والرؤية القيادية.

 

قرأت عدة تجارب لدول نهضت من الصفر، فكان العامل المشترك هو القيادة ذات الرؤية وهذا ما نفتقده نحن في تشاد، وباقي الدول الأفريقية والعربية، ذلك أن أزمتنا أزمة قيادة. ديبي ليكون كغامي عليه أن يضع خطة كخطة كغامي، وليس فقط الزيارات المفاجئة للإدارات الحكومية، ذلك أن الإصلاح يكون بشكل مدروس وليس عبر هرولات وعمليات عشوائية هنا وهناك.

 

لنتحول إلى رواندا علينا أن نتحرر من السيطرة الفرنسية، التي تقيدنا وتسرقنا، وتتحكم بمصيرنا كنظام ومعارضات، وعلى ذكر المعارضة، ديبي يقول زمن تغيير الأنظمة بالسلاح قد ولى، وكأنه لم يجرب ذلك، والمعارضة تعسكر في التخوم الشمالية للبلاد وتتحدث بلغة السلاح، والشعب يتجرع كؤوس الفقر والمرض والجهل منذ ثمان وعشرين سنة، هي المدة التي لم يعمل فيها ديبي شيئا ليخرجنا من هذا الوضع الكارثي.

لتكون كغامي يجب أن تعمل على الإصلاح التعليمي، الاقتصادي، والإداري، وليس فقط إجراء عمليات تجميلية في وجه العاصمة، ذلك أن هذه العمليات الارتجالية لا تبني بلدا، ولا تحارب فسادا

سيدي الرئيس لتكون كغامي لا تبدأ بتنظيف الشوارع فقط، بل بطرد القاعدة الفرنسية التي ترابط في العاصمة بين الأحياء الشعبية، لتكون كغامي عليك أن تحرر عملتنا واقتصادنا من الهيمنة الفرنسية، واسترجاع أموالنا التي تسرقها فرنسا بحجة أن الفرنك الفرنسي يوفر لنا غطاء – عزيزي القارئ منذ 1947 وإلى اليوم 15 دولة أفريقية بما فيها تشاد، تدفع خمسين في المائة من قيمة صادراتها بالعملة الصعبة لفرنسا -.

لنكون مثل رواندا علينا أن نتخلص من القبلية والمحسوبية التي حولت المؤسسات العامة إلى كنتونات عشائرية، وحولت الوزارات إلى محاصصات مناطقية، إن بول كغامي أيضا استولى على الحكم في رواندا بالسلاح، لكنه استبدل سلاحه بالعلم والتسامح، والعدالة، والادارة الرشيدة، وتنظيف البلاد من اللصوص، مما جعل العاصمة كيغالي العاصمة الأجمل في أفريقيا، وإعتبار رواندا ضمن الاقتصاديات الأكثر نموا على مستوى العالم 2017. 

لتكون كغامي يجب أن تعمل على الإصلاح التعليمي، الاقتصادي، والإداري، وليس فقط إجراء عمليات تجميلية في وجه العاصمة، ذلك أن هذه العمليات الارتجالية لا تبني بلدا، ولا تحارب فسادا، ولا تنظف شارعا، ولا تسترجع موارد وأموال الخزينة العامة المسروقة. لا أريد أن أكون متشائما، ولكن السوء والفساد الذي أصاب جسم البلاد، قد بلغ مبلغا لا تصلح معه هذه العمليات غير المدروسة، وأننا بحاجة إلى حملات اقتلاع للفاسدين ورميهم في المزابل، مع الاوساخ والقاذورات، في الأسابيع الوطنية – بالرغم من أن الأوطان لا تبنى بحملات وأسابيع ذات طابع سياسي ودعائي!

  

لقد تأخر الوقت، لكننا لن نفقد الأمل في الحصول على حياة تليق بالإنسان، ذلك أن سنن التغيير تقتضي الصبر والنضال، وأن دوام الحال من المحال، وإن نكن أكثر إصرارا في النضال فلن تضيع جهودنا، وأن خطى كغامي تحتاج إلى خطط وإرادة، وليس إلى تقليد سطحي لبعض الممارسات غير المهمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.