شعار قسم مدونات

رسائل داعشية من الأردن!

blogs الأردن

تؤكد العملية الإرهابية التي جرت في الأردن خلال الأسبوع الماضي أن تنظيم داعش مازال قائما وقادر على توجيه ضربات انتقامية ما يعني أننا مازلنا أمام خطر حقيقي، ينبغي مواجهته. وتشير جملة من العوامل إلى أن "عملية السلط" تعكس وجود خلايا من خارج الأردن خططت قبل أن تضرب هذا يدلل عليه حجم العملية، ونوعية التكتيك الذي استعملته هذه الخلية في التفخيخ والتفجير، ما يؤكد على أن القاعدة وأخواتها مازالت خطرا محدقا بأمن المنطقة من جهة، ومن جهة أخرى يكشف اخفاق المقاربة الأمنية وحدها في القضاء على هذه الجماعات ضرورة مكافحتها بفكر بديل وسطي معتدل، وتعزيز قيم الديمقراطية. فرغم نجاح الحملات الأمنية ضد التنظيم في العراق وسوريا إلا أن تقرير أصدرته الأمم المتحدة يوم الاثنين الماضي يبين أن ٢٠ إلى ٣٠ ألفا من مقاتلي التنظيم لا يزالون في العراق وسوريا، ولا يزال تنظيم داعش قادرا على شن الهجمات.

 

والمتتبع لأسس تجنيد هذه التنظيمات للشباب فإنها تقوم على دعاية من شقين:

ما تكشفه الصحف الأجنبية عن خلفيات بعض الذين انضموا لتنظيم الدولة في سوريا والعراق، وعدم وجود أي ميول دينية لديهم قبل ذلك، تؤشر على أن المشكل ليس في التشدد فقط كما تحاول نظم الاستبداد ترويجه

الأول: إقامة الدولة الإسلامية الموعودة بديلا عن "الأنظمة الكفرية"، والثاني هو تبني " الجهاد المقدس" ضد المحتل الأجنبي، ومواجهة الدعاية الأولى تكون بتعزيز قيم الديمقراطية وإفساح المجال للإسلام الوسطي المعتدل للعمل وامتصاص العواطف الدينية الموجودة لدى الشباب وتحويلها لطاقات إيجابية في بناء الأوطان. فضلا عن عدم تكرار التجارب السابقة في عداء الدين وفرض العلمنة فرضا كالقانون الذي يجري نقاشه الان في تونس حول الميراث، لأنه باختصار يولد ردات فعل معاكسة وغاضبة، وتشددا مقابلا ردا على التشدد العلماني، وينبغي عدم تكرار أخطاء بن على وتجربته.  

  

أما الثاني: فيواجه بتعزيز الاستقلال الوطني وتعزيز الحوار الأممي على قاعدة العيش المشترك والمصالح المشتركة، وانجاح التجارب الديمقراطية لأنها البديل الوحيد عن الفوَضى الهدامة التي تسعى التنظيمات الإرهابية للإفادة منها حال حدوثها في أي بلد والنفاذ لعضد الدول، فإطلالة سريعة على أماكن تغلغل التنظيم تعكس فهما لأسباب نشأته ففي سوريا ظهر عقب افشال الثورة الشعبية هناك، وتمكن أو تمكين النظام الاستبدادي القمعي من الاستمرار في ظل حالة اللامبالاة الأمريكية والدولية والتفرج على شلال الدم هناك دون فعل شيء.

  

أما في العراق فاستغل التنظيم حالة المظلومية وشكوى طائفة من طوائف المجتمع من التهميش والاقصاء، أما في ليبيا فإصرار بعض القوى المحلية فيها على تأجيج الصراع ورفض أي حلول توافقية تعبر بالبلاد إلى الأمن ولاستقرار، فسح المجال لهذه التنظيمات للاستمرار في العمل، وأخيرا ولاية سيناء في مصر التي ولدت عقب اجهاض التجربة الديمقراطية هناك.

 

صحيح أن التنظيمات الجهادية القاعدية تتبنى خطابا جهاديا أيديولوجيا، لكن هذا الخطاب يخفي تحته مصالح ومظلومية خفية وفقا لكثير من الدراسات الأكاديمية والتقارير الصحافية الأجنبية، ففي العراق أشارت أكثر من دراسة أجنبية إلى أن تنظيم داعش هناك تكون على يد قيادات بعثية بعيدة كل البعد عن الفكر الديني، لكنها لجأت له كوسيلة عاطفية للتجنيد والتحشيد ردا على ممارسات الحكومة الطائفية التي كانت قائمة برئاسة المالكي.

 

كما أن ما تكشفه الصحف الأجنبية عن خلفيات بعض الذين انضموا لتنظيم الدولة في سوريا والعراق، وعدم وجود أي ميول دينية لديهم قبل ذلك، تؤشر على أن المشكل ليس في التشدد فقط كما تحاول نظم الاستبداد ترويجه، بل أيضا في غياب الفكر الراشد ومحاصرة الدعاة المعتدلين، جراء الإصرار الحكومي على تأميم المساجد ومراكز الدعوة وتحويلها لمراكز أمنية تتبع للدولة، ومصانع تعلب الأفكار الحكومية في قوالب دينية، تخفق دوما في اقناع الناس بما تدعو اليه، وكنتيجة لذلك تتصيد هذه التنظيمات الشباب الغاضب والمحبط. أخيرا بطبيعة الحال فإن التردي الاقتصادي وغياب التنمية، وتغول الفساد، هي عوامل بالغة الأهمية في احباط الشباب، وجعلهم عرضة للوقوع في شبك تلك التنظيمات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.