شعار قسم مدونات

المصالحة الفلسطينية.. ورقة ثبات أم شيفرة لعنة!

مدونات - المصالحة الفلسطينية هنية

تماماً كما توقعنا مسبقاً عادت المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس لطاولة المفاوضات مجدداً برعاية مصرية، وأمل غزّي مرير مطالب بإنهاء عُقدة الأزمة الفلسطينية التي استمرت لأكثر من عقد من الزمن، وبين تسريبات هنا وتصريحات هناك تتوارى المواقف السياسية جدلاً وتصدح نيران التساؤلات المقيتة ما بين مراهنة على نجاح هذه الجولة وبين تحليلاً لفشل آخر قد يشعل فتيل أزمة قد يكلف الخروج منها حرباً مع إسرائيل!، فترى هل سيثق الغزيين مرة أخرى في هذه المفاوضات على أنها الحل السحري لكل مشاكلهم أم أنهم فقدوا الأمل وستكون الجولة القادمة كغيرها من الجولات السابقة مصيرها الفشل!، وهل الحل السياسي التوافقي بين الحركتين سيؤسس لمشروع وطني جديد حازم وفعال مبني على رؤية وطنية مشتركة أم ستظلُ القيود والتخوفات سداً لهذا الهرم؟
 

قطارُ المصالحة.. الطريق السريع لإنهاء أزمة مليوني نسمة

لم تعد بوصلة قطاع غزة ثابتة على وضع مستقر فمن حينٍ لآخر تندفعُ المصالحة تارةً لتبث الأمل في نفوس الأهالي والكادحين في أحياء هذه المدينة الصغيرة جغرافياً والكبيرة بمعاناتها إنسانياً، وتارةً أخرى تتأرجح عقاربُ هذه البوصلة لتزيد من الأزمات والويلات التي تبعث في النفس كل الهواجس من فشلٍ جديد . فقطاعُ غزّة اليوم يسكنه مليوني نسمة كلُ واحدٍ منهم لديه حُلم يود تحقيقه، فمن الأطفال الذين يودون أن يترعرعوا في بيئة تُلَّبي لهم كل سبل الرفاهية، مروراً بالشباب الذين يبحثون عن فرص عمل تدعم استقرارهم، وصولاً لكبار السن الذين يودون إنهاء حياتهم في وطنهم وهم آمنين ومطمئنين على مستقبل أولادهم وأحفادهم.
   

تطوير النخب السياسية الفلسطينية لمبادئهم بعيداً عن المناكفات وفي ظل التطورات الإقليمية والدولية من حولهم سيساعدهم على مواجهة هذا الاحتلال وسيعزز مكانة فلسطين في المحافل الدولية

وللأسف هذه الصورة لم يعد بالإمكان تحقيقها في ظل مجتمع متسلط وأجواء مشحونة ومناكفات سياسية على مدار تلك السنوات العجاف التي صبت كلها في ضريبة دفع ثمنها المواطن لا صانع القرار!، نعم نعلمُ جميعاً بأن غزة اسطورة الصمود ولكن السؤال هل مكافأة المواطن على هذا الصبر تكون على حساب عذابه واحلامه ؟، وإني لأوجه تساؤلي لكلِ من كان سبباً في معاناة أهل غزة، هل ضمائركم تُحتم عليكم العقاب كحل لاستمرار نفوذكم ومصالحكم؟، لما لا تنهوا هذه المهزلة وتبنوا هذا الوطن على أساس مصلحة الشعب ومطالبه العادلة والمشروعة! فلا خيرَ في أمةٍ تُسول لها نفسها أن القهر هو مفتاحُ تحقيق الأهداف.
 
وبعيداً عن أبجديات الحياة الصعبة التي يعايشها أهالي قطاع غزة وبعد محاولات مصرية مكثفة وافقت حركة حماس على الرؤية المصرية الجديدة الداعية لاستئناف المفاوضات مجدداً مع الطرفين في محاولة أخرى لرأب الصدع الفلسطيني الخانق وخوض جولة سياسية جديدة، وفي هذا الإطار ومع تصريح أعضاء من حركة حماس على بعض بنود هذه الجولة اطَّلعنا على أنها تتضمن عدة مراحل وأولها رفع العقوبات على غزة ودفع رواتب الموظفين، وحل المشاكل الإدارية في كافة الوزارات مع تسليم وزراء حكومة التوافق مهامهم بشكل مؤقت إلى حين إجراء انتخابات جديدة يتفق عليها الطرفان لاحقاً، بجانب حل المشاكل الإنسانية كالكهرباء والمياه وأزمة المعابر، وهي ما تعتبر إجراءات إغاثية منعشة لقطاع غزة.
 

ثبات المصالحة في التنازلات واللعنة في التمكين

 

 

بعد موافقة حركة حماس على الورقة المصرية التي أسلفناها سابقاً، تبقى حركة فتح متحفظة على موقفها حيال العودة للمفاوضات وتصريحات القواسمي الأخيرة وهو المتحدث الرسمي باسم حركة فتح زادت الطين بِلة حين صرّح: "لا أنصاف حلول في المصالحة ويجب تمكين الحكومة كاملاً"، وهو ما يضعنا أمام ضغوطات جديدة تمارسها حركة فتح لتسلِّم حركة حماس قطاع غزة كاملاً، والذي يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى تملص أو انسحاب حركة فتح من المفاوضات لحين إقناع حماس بذلك، وهو ما سيؤثر سلباً على طبيعة الجولة القادمة مع إمكانية مرهونة بالفشل متوقفة فقط على موقف ورد حركة حماس عليها!، فهل تقبل حركة حماس تسليم قطاع غزة كاملاً وتستكمل جولة المصالحة! أم أن هناك آلية مشتركة يتم التفاوض عليها الآن تأتي في إطار التفاهم المشترك حول هذه الشائكة؟
 
فيما يبدو أن حركة حماس تبحث مع الجانب المصري بشكل جاد عن آلية محددة ومرهونة زمنياً لتسليم قطاع غزة عن طريق عدة مراحل ليس كما تريد السلطة دفعة واحدة، ولكن وفي ذات الوقت تبحث عن إمكانية للتوافق مع حركة فتح عبر المفاوضات لتعديل بعض البنود أو تغيرها بما يخص تسليم الحكومة عملها كاملاً في غزة، حيث ومن المقرر أن ترد حركة فتح على ما ورد من تطورات بخصوص الورقة المصرية خلال الأسبوع القادم إما بالقبول مع تسليم حماس لغزة كاملاً "أو وفق ما تم التوصل إليه مع مصر" أو رفض المقترح المصري، وهو ما سيترتب عليه أزمة سياسية من الممكن أن تكون الأعمق بين أخواتها السابقة، فرفض أي طرف من الأطراف الآن للورقة المصرية هذا يعني نهاية قصة المصالحة لهذا العام على أمل الخوض فيها مرة أخرى بعد أربع أو خمس سنوات!
 
ويمكن القول أيضاً أن فشل المصالحة هذه المرة يعتبر بمثابة إعلان حالة حرب محتومة بين المقاومة الفلسطينية بغزة وإسرائيل كحل لوقف الحصار ولشد انتباه العالم الخارجي لأزمة غزة وكسب تعاطفهم، وتخوفاً من ردة الفعل الجماهيرية الساخطة على الفشل والتي من الممكن أن تنفجر في وجه أحد الأطراف، فاليوم وبكل صدق ما يمنع نشوب حرب بين غزة أو إسرائيل هو ملف المصالحة العالق الذي من الممكن أن يكفل نجاحه حلول إنسانية تطفئ شعلة التصعيد القائمة حتى اللحظة بين المقاومة والكيان الصهيوني، حتى مسيرة العودة أصبحت اليوم من نشاط سلمي لتصدير أزمة وفشل إداري، فما نجحت به مسيرة العودة ميدانياً من خلال لفت العالم لها أحرقته إسرائيل إعلامياً بتصدير صورة خطر البالونات الحارقة عليها وهو ما عكس صورة تناقضية بين الروايتين دولياً .
 

ما بعد نجاح المصالحة الفلسطينية

في حال نجحت المصالحة الفلسطينية وهو ما نتمناه يجب أن نتساءل عن شكل المرحلة القادمة سياسياً وكيفية استغلال هذه الخطوة بما ينفع الكل الفلسطيني، فتطوير النخب السياسية الفلسطينية لمبادئهم بعيداً عن المناكفات وفي ظل التطورات الإقليمية والدولية من حولهم سيساعدهم على مواجهة هذا الاحتلال وسيعزز مكانة فلسطين في المحافل الدولية بطابع أكثر رسمية في الحضور والقوة، وسيركز على جوهر القضية التي أذابتها تلك الخلافات طيلة العقد الماضي، كما أن المصالحة الفلسطينية ستعيد بناء قواعد استراتيجية هامة محلياً وستعزز ثقة الشعب الفلسطيني بقياداته على أساس وطني وليس حزبي .
 

لمى خاطر .. أيقونة المرأة الفلسطينية ورمز الثبات

 

undefined

 

كم يسعني أن أكتب القليل بحق الكاتبة الفلسطينية والزميلة هنا في مدونات الجزيرة لمى خاطر التي تم اعتقالها من قبل الاحتلال الإسرائيلي فجراً بسبب منشورات يعتبرها المحتل تحريضية عليه، خصوصاً بعد مبادئ لمى الراسخة ومواقفها الوطنية التي تشهد لها بذلك، وقد نشرت على مواقع التواصل صورة لها وهي تودع ابنها وتحتضنه وأمامها الجنود مستعدين لاعتقالها، فكم كان منظراً يأسرُ القلب ويستفزُ العاطفة، فكيف لكِ يا لمى أن تَهُزي عرشهم الظالم بقوة صوتك وحقه!، واللهِ سيغدو فجرُ الحريةِ عما قريب وعلى هذا الاحتلال أن يعلم بأن سجنه لا يرهبنا وستعودُ لمى وعهد التميمي وكل المعتقلين لديارهم ووطنهم يوماً ما، ولتعلم أيها الغاصب بأننا خُلقنا لكْ فطالما أنت مستمر ببطشك وإرهابك نحن مستمرون بملاحقتك بصوتنا وأقلامنا، فلا نامت أعين الجبناء ولتحيا فلسطينُ حُرة أبية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.