شعار قسم مدونات

معادلة المقاومة الجديدة.. المأزق الذي وضع حماس دون خيارات!

blogs حماس إسماعيل هنية

بعد يومين من التصعيد العسكري الأعنف من نوعه بعد حرب عام 2014، عاد الهدوء النسبي المصحوب بحذر شديد مع تأهب على الجبهتين خشية اندلاع معركة جديدة في غزة. ووفقاً لما تم الاتفاق عليه بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية برعاية مصرية تم التوصل إلى وقف التصعيد والعودة لوقف إطلاق النار مع تحفظ الطرفان حتى اللحظة على سياستهما المتمثلة بالهدوء مقابل الهدوء، فكيف وضعت البالونات الحارقة حركة حماس في مأزق التنازلات! وما هو السر في تزامن إغلاق المعبرين "المصري والإسرائيلي" وقدرتهم على التأثير في مسار القرارات السياسية القادمة!، وهل غزة أمام جولة جديدة من التصعيد؟ 

البالونات الحارقة.. استراتيجية التأثير والمأزق

تحدثنا كثيراً عن ماهية هذه البالونات وتأثيرها الكبير على إسرائيل وكيف كبدتها خسائر اقتصادية فادحة ونعلم جيداً بأن القيادة السياسية الإسرائيلية اليوم تبحث بشتى الطرق والوسائل عن طريقة لوقف إطلاق البالونات من غزة وبأي ثمن، ولكن ومع تحفظ حركة حماس الحديث عن إمكانية وقف هذه البالونات كون أنه نشاط شعبي لا دخل له فيه تتدافع التساؤلات حول استعداد حقيقي تقوم به حركة للحد من إطلاقها وما بين تهديدات إسرائيل المتواصلة بالاستهداف والتصعيد، فاليوم إسرائيل خرجت عن طورها وتتحدث عن نية حقيقية لديها لتصعيد الأمور أكثر حتى لو كلفها جولة جديدة داخل غزة.

وفي الجهة المقابلة أبدت المقاومة الفلسطينية استعدادها لأي حماقة إسرائيلية جديدة، وهو ما كان واضحاً في المناوشات العسكرية الأخيرة التي قصفت فيها المقاومة مستوطنات غلاف غزة بعشرات الصواريخ والقذائف رداً على سياسية إسرائيل باستهداف وقصف للمقرات الأمنية والمواقع نتيجة استمرار إطلاق البالونات، فما هي طبيعة الفترة القادمة وما هو المأزق الذي وضعت فيه حماس؟

التوجهات السياسية لحركة حماس تتجه نحو أجواء المصالحة بعد ارتفاع لهجة إسرائيل السياسية وتحذيراتها من مغبة الدخول في صراع عسكري لا محدود

حركة حماس الأن عليها الاختيار ما بين اثنين إما التنازل ودحض الخلافات السياسية جانباً والتركيز مع أجواء المصالحة ومصر وإما العِناد وعدم وقف البالونات وهو ما سيكلفها جولة جديدة لا مفر منها خصوصاً بعد ترسيخها لمعادلة القصف بالقصف والهدوء بالهدوء!، ففي كلتا الحالات عليها تقديم التنازلات فوقف البالونات دون ثمن سياسي قد لا يرقوا لرؤية الحركة وكذلك التوجه للمصالحة يُحتِّم عليها تغيير قواعدها السياسية كون أن السلطة ما زالت تريد تسليم حماس لغزة كاملاً وهو ما يعتبر تنازلاً ليس بالصغير لحماس ولكنه الأنجى!

ويمكن القول بأن التوجهات السياسية لحركة حماس تتجه نحو أجواء المصالحة بعد ارتفاع لهجة إسرائيل السياسية وتحذيراتها من مغبة الدخول في صراع عسكري لا محدود ونتوقع إعلاناً رسمياً من الحركة خلال الفترة القادمة بالعودة إلى المفاوضات برعاية مصرية.

إغلاق المعبرين رسائل مغايرة في الوقت الحرج

إن قيام إسرائيل بإغلاق معبر كرم أبو سالم وهو المعبر الذي تدخل منه المساعدات لقطاع غزة يعتبر علامة مؤثرة للضغط أكثر على حركة حماس بوقف مسيرة العودة وأنشطتها وكبح البالونات، حيث قامت بجانب ذلك إلى تقليص مساحة الصيد من 9 ميل إلى 3 ميل وهو ما صرحت عنه الحركة بالقول إن هذه الإجراءات تعبر عن الوحشية الإسرائيلية في زيادة معاناة أهالي قطاع غزة ويجب على المجتمع الدولي الوقوف بجانب غزة وإجبار إسرائيل على التراجع عنها.

وفي ذات الوقت الذي كان من المفترض أن يتم التنسيق بين مؤتمر البارود الرطب بين طهران وغزة لدعم صمود غزة، تم الإعلان عن إغلاق معبر رفح البري لخلل فني وبشكل مفاجئ، وهو الذي يترك علامة استفهام فارقة حيال التوقيت الذي أغلق فيه وكأن لها بعد سياسي أخر تود مصر ايصاله لحركة حماس بأن مفتاح قطاع غزة ما زال بالقاهرة وليس في طهران! فهل وصلت حماس هذه الرسالة وفهمتها؟، فيما يبدو بأن حماس تيقن بأن مفتاحها ما زال في القاهرة خصوصاً في ظل ما شاهدناه في تبعيات هذا المؤتمر والذي قلصت به حماس مستوى تمثيلها للشخصيات الرسمية والمفوضة بالحضور والذي يعطي دلالة واضحة على إدراك حماس للمعطيات والرسائل.

لا بد أن تفهم حركة حماس هي الأخرى بأن التنازلات التي ستقدمها هي لمصلحة الشعب الفلسطيني كله وليس لقطاع غزة فقط، وأن العودة الوطنية لها سيرفع من سقف المطالب الفلسطينية
لا بد أن تفهم حركة حماس هي الأخرى بأن التنازلات التي ستقدمها هي لمصلحة الشعب الفلسطيني كله وليس لقطاع غزة فقط، وأن العودة الوطنية لها سيرفع من سقف المطالب الفلسطينية
 
بين جولة التصعيد وجولة التفاهمات موقف حركة واستفهامات

بعد كل ما أسلفناه سابقاً حول طبيعة المرحلة القادمة والتنازلات التي أُجبرت فيها حماس على اختيار موقفها وتحديد مصيرها يمكن القول بأن خيار الحركة أياً كان فسيترك استفهامات كثيرة حولها خصوصاً إذا ما اختارت العودة للمصالحة وهو الذي يترك عناوين كثيرة تحتاج لمزيد من التوضيح كمصير مسيرة العودة مثالاً!، فهل الوصول لحل سياسي ينعش قطاع غزة بتوافق حركي ينهي هذه الفعاليات والأنشطة الشعبية؟ 

من المفترض أن تكون مسيرة العودة وكسر الحصار هي فعالية شعبية بحتة تنتهي بتحقيق هدفها ألا وهو كسر الحصار وعلى حركة حماس وإذا ما أرادت التخلص من فتيل الحرب مع إسرائيل وفي حال توافقها مع السلطة على ألية لرفع الحصار وتسليم غزة بأن توقف المسيرات وإطلاق البالونات فوراً وأن تصب جُلْ تركيزها على طاولة المفاوضات بما يكفل إنجاحها والخروج من التقوقع السياسي والفشل الإداري الذي صاحبها طيلة 12 عاماً، وأن يكون موقف السلطة الفلسطينية حازماً هو الأخر لإنجاح هذه المفاوضات لا أن تتلكك وتعود لنقطة الصفر مرة أخرى، فمن الواجب الوطني على كل القيادات الفلسطينية اليوم الضغط على كل الجراح والآلام للعودة للبيت الفلسطيني الواحد الغير قابل للتجزيء.

ولا بد أن تفهم حركة حماس هي الأخرى بأن التنازلات التي ستقدمها هي لمصلحة الشعب الفلسطيني كله وليس لقطاع غزة فقط، وأن العودة الوطنية لها سيرفع من سقف المطالب الفلسطينية في مواجهة التحديات والعواصف التي تشهدها القضية الفلسطينية، وأيضاً مواجهة صفقة القرن التي من أهم قراراتها زيادة الشرخ الفلسطيني الداخلي للقبول بالقليل وتعزيز معالم الصراع بين الأجندة السياسية لعزل اللُحمة الفلسطينية وإبقائها مشتتة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.