شعار قسم مدونات

المقاطعون والفعل الاحتجاجي الجديد

مدونات - المقاطعة بالمغرب
يموج المغرب منذ سنة ونيف بحراك متواتر، وحركية مجتمعية في مقابل جمود سياسي واضح المعالم تبدى ما بعد تعيين حكومة سعد الدين العثماني، وسيشكل الريف محطة انطلاق هذا الحراك لتستتبعه موجات احتجاجية شهدته كل من زكورة -ثورة العطش- وحراك جرادة، كان القهر الاجتماعي العنوان الرئيسي لكل هذه الاحتجاجات، غياب التنمية وتفشي الفقر وتدني الخدمات الاجتماعية لسنوات خلت كانت كفيلة بإخراج أفواج من المواطنين إلى الفضاء العمومي للاحتجاج ضد هذه الاوضاع الموغلة في القهر الاجتماعي.

  
إن تدخل السلطة كان حاسما في نزع فتيل الحراك وإخماده عبر الآليات التقليدية والمقاربة الأمنية، إلا أنه لم يكن في الحسبان ظهور شكل جديد من الفعل المدني الاحتجاجي الذي يعد الأول في تاريخ المغرب ما بعد الاستقلال، منطلق التعبئة إليه وسائل التواصل الاجتماعي ومجاله مجال الاقتصاد، والذي عرف باسم "المقاطعة أو مقاطعون"، إذ ستشكل مقاطعة استهلاك بعض المنتجات وهي حليب شركة سنطرال والماء المعدني سيدي علي، وشركة أفريقيا للمحروقات مركزية النمط الجديد من الاحتجاجات، التي ستتسع في شهر رمضان لتشمل مقاطعة الأسماك، إضافة إلى دعوة مقاطعة المهرجانات في مقدمتهم مهرجان موازين، مما يدحض أطروحة محدودية المقاطعة زمنيا وقطاعيا.

  

لقد أربك حراك المقاطعون حسابات السلطة في إعادة ترتيب المشهد السياسي وإبراز حزب التجمع الوطني للأحرار في واجهة المشهد السياسي كبديل سياسي عن حزب العدالة والتنمية

إن هذا الفعل الاجتماعي حسب عبد الله حمودي "ينم عن مجهود فكري إبداعي، ويظهر أن زمم المبادرة أضحت تتخذ من طرف الأجيال التي تشكل الأغلبية الديمغرافية"، التي اختارت فعلا يتسم بأقل تكلفة شخصية-خاصة بعد ما أفرزته الحركات الاحتجاجية من اعتقالات كثيرة- وبتكبيد الشركات خسائر كبيرة دون الاضطرار إلى اللجوء إلى الساحات الكبرى في المدن كمكان احتجاجي تقليدي، الذي لم يعد مكانا مغريا للاحتجاج إلا من لدن الحركات الاحتجاجية التقليدية -التنسيقيات وجموع المتعاطفين العرضية حول قضايا تطفو على السطح-، بل يمكن القول إلى تحول وانتقال هذه الساحات كفضاء للاحتجاج إلى فضاء للموسيقى والفرجة والاستعراض والإبداع.

  
إن حراك المقاطعون الذي يعد امتداد لحركية مجتمعية تكاد لا تهدأ وفي ارتفاع مضطرد في منسوبها، كشف عن وعي مجتمعي متزايد منذ الحراك الذي شهدته منطقة الريف، وعن نزيف ليس على مستوى الطبقة الدنيا فحسب بل حتى على مستوى الطبقة الوسطى، التي عانت من مخلفات السياسة الحكومية والقرارات التي اتخذت في عهد الحكومة السابقة، علاوة أن حراك المقاطعون قد أخرجنا من الجمود والرتابة التي عرفها المشهد السياسي منذ تنصيب حكومة سعد الدين العثماني، فقد ظل سؤال المعارضة والسياسة يلاحقني ويلازمني باستمرار، في عدم مواكبة السياسي لما يعتمل داخل المجتمع، إلى أن أعاد هذا الحراك الهادئ النقاش إلى المؤسسة التشريعية، واضطرار مجلس النواب على مستوى لجنة المالية إلى مناقشة تقرير اللجنة الاستطلاعية حول المحروقات، كما أعاد النقاش حول امتلاك الثروة والسلطة ومراكز النفوذ الاقتصادي والسياسي، وأوضح بالملموس عن قصور على مستوى التواصل السياسي.

  
لقد أربك حراك المقاطعون حسابات السلطة في إعادة ترتيب المشهد السياسي وإبراز حزب التجمع الوطني للأحرار بقيادة عزيز أخنوش في واجهة المشهد السياسي كبديل سياسي عن حزب العدالة والتنمية وعن حزب الأصالة والمعاصرة، لكن استهداف المقاطعة لشركة أفريقيا لمالكها عزيز أخنوش أمين عام حزب الحمامة واستجلاء احتكارها لسوق المحروقات وأربحاها المهولة منذ تحرير قطاع المحروقات، أفسدت العملية السياسية التجميلية الذي جال من أجلها ربوع المملكة منذ سنة، وجعلته يتوارى عن الأنظار منذ بزوغ فعل المقاطعة.

    

 عزيز أخنوش (الجزيرة)
 عزيز أخنوش (الجزيرة)

 
لقد أضحى مجال التواصل الاجتماعي، مجالا يصعب الإمساك بخيوطه وضبط الدينامية التي أصبح يتسم به وقدرته الفائقة على التعبئة الجماهيرية على نطاق واسع، ما يجلعه منافسا في مرتبة أولى للقنوات التعبئة والتنشئة التقليدية وللتنظيمات الوسائطية، فقد بدأ يسحب البساط من الأحزاب السياسية والنقابات العمالية التي تعيش أزمة بنيوية وعجز في الاضطلاع بوظائفها.

  
ختاما ونحن في غمرة هذا الحراك الهادئ الذي يشكل في عمقه حراكا جارفا وموجة جديدة من الفعل الاحتجاجي، أختم بما اورده حسن أوريد في كتابه أفول الغرب، حول الطبقة الوسطى كبؤرة للتمرد ضد زيغ الرأسمالية المالية أو الليبرالية الجديدة… التي قد تؤثر في الوضع العام الاجتماعي والسياسي إن هي أخذت على عاتقها التعبير عن هموم الطبقات الشعبية ومآسيها… فوعي الطبقة الشعبية بذاتها لا يجعلها بالضرورة قادرة على الوعي من أجل ذاتها، وهو الدور الذي تستطيع الطبقة الوسطى أن تضطلع به، ومن باب أولى في الدول الثالثية المرتبطة بالعولمة.. فلا تزال شرائح منها مرتبطة بالسلطات الحاكمة وتحوم حول سلطة الرأسمال، ولكن لا شيء يمنع أن تغير ولاءها فتنأى عن الطبقات الحاكمة وترتبط بالجماهير. لا يكفي أن تعبر عن وعيها، بل عليها أن تترسم السبيل، في عالم بلا معالم ولا بوصلة، وتلك مسؤولية المثقف.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.