شعار قسم مدونات

يوم النكبة.. الطوفان القادم على إسرائيل

مدونات - مسيرة العودة غزة فلسطين
تستمر مسيرة العودة الكبرى في فعالياتها وانشطتها لتمتد حتى يوم النكبة في 15 الشهر القادم بكل طاقتها وكوادرها التي نظَّمتْ لهذا اليوم ليكون يوم حافل ومصيري إذا ما صدقنا القول في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، هذا اليوم الذي لا يشبه أيً من الأيام السابقة حتى على مر السنوات الماضية، فهو يوم غضب جماهيري للبحث عن الحرية المنشودة في شتى أركان هذه الأرض، فالشبابُ الفلسطينية قد أجزمت على حمل راية الوطن ورفعها أمام هذا المحتل الغاصب الذي آبى الزوال والرحيل عن هذه الأرض إلا بالقوة.

 

يوم النكبة ونقل السفارة للقدس كارثة سياسية ونزعة ثقافية

إن نقل السفارة الأمريكية للقدس في يوم النكبة بالتحديد كفيل بأن يُعرِّب فشل السياسة الفلسطينية وإخفاقها في ردع سياسة القوة التي تنتهجها الإدارة الأمريكية في المنطقة العربية وفلسطين تحديداً، حيث يمكن القول بأن حق القوة قد هزم فعلياً قوة الحق وأدرجها في صندوق محكم لا معالم واضحة له، وقد انتزع جزءاً لا يتجزأ من الثقافة الفلسطينية ومعالمها التاريخية التي هي الرمزُ والمفتاح للدولة الفلسطينية منذُ الأزل وحتى الأبد، فلم يتجاوب ترمب وإدراته للسياسة التقليدية التي لم تستثمر بالشكل الصحيح ولم تتطور منذ بداية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وحتى يومنا هذا.

 

حتى المواثيق والقرارات الدولية لصالح القضية الفلسطينية والرافضة لمشروع نقل السفارة للقدس لم تشكل فارقاً مؤثراً على سياسة الولايات المتحدة الأمريكية برئاسة ترمب، وأدى تجاهله وعناده في نهاية المطاف إلى رفض كل المبادرات التي طُرحت إقليمياً ودولياً لإعادة نظر الإدارة الأمريكية بقراراتها المجحفة تجاه الفلسطينيين والتي أدت بشكلٍ صارخ وصريح إلى زيادة العزلة والتوتر على القيادة الفلسطينية في تفسير هذه السياسة الجديدة و كيفية التعامل معها.

 

فلسطينيون الداخل وقطاع غزة الكلمة الأولى والأخيرة
كلٌ يقاومُ في وطني بما يهوى فالشهيدُ يقاوم بروحه والجريح يقاومُ بآلامه والأمهات تقاومُ بدموعها والفتيان تقاومُ بأحلامهم ومستقبلهم البعيد

بعد فشل الحل السياسي في مواجهة نقل السفارة الأمريكية للقدس والذي قد يصبح واقعاً خلال الأيام القادمة قرر الشباب الفلسطيني كعادته وبتاريخه المشرف الذي يشهد له على ما بذله من تضحيات في سبيل هذا الوطن بأن يكون هذا اليوم هو يوم أسود على إسرائيل، حيث سيثور هؤلاء الشباب بكلِ ما أوتوا من قوة في وجه الظلم والتآمر الذي سيسلب منهم أغلى ما يملكون وأخر ما تبقى لهم ليثورا من أجله . هي القدسُ العاصمة الأبدية لدولة فلسطين، هي مسرى الرسول وقلعةُ التاريخِ والحضارة، هي الشامخة التي ما زالت صامدة في كل حِقَب الاستعمارات التي مرَّت عليها والتي شهد مستعمريها لها بقوتها وحصانتها وبسالة أهلها الذين كانوا وما زالوا رمزاً للفداء والوطنية.

 

فالشبابُ اليوم قد أقسموا على تحريرِ هذه الأرض وحملوا أرواحهم على أكفهم غير آبهين ما بيد هذا المحتل من سلاح أو ما يملكه من طائرات وذخيرة، ولا يهمهم ما الذي ينتظرهم من أقدار فقد أصبحَ جلُ همهم هو تجسيد صورتهم بكرامة هذا الوطن وطهره، وتوجيه رسالة لهذا المحتل بأن خلف القدسِ رجالٌ ونساء لا تكل ولا تمل في مواجهتها وتضحيتها بكل ما تحمله المواجهة من مفاهيم سلمية شئتم أو غير سلمية المهمُ بأن هذا الشعب لن ينسى التاريخ ولن يسمح لأحد العبث بمقدراته.

 

مسيرة العودة الكبرى انقلاب للموازين وتضادٌ في المفاهيم

لم تتوقع يوماً القيادة الإسرائيلية بأن يخرج قطاع غزة عن المفاهيم الثورية التقليدية التي كانت تقتصر فقط على الخروج بمسيرات حاشدة في أزقة وشوارع المدينة تنديداً واستنكاراً على أي قرار يتخذ ضد القضية الفلسطينية إلى هذه النقلة النوعية له بهذه المسيرات الضخمة على الحدود الفاصلة معه والتي باتت تشكلُ خطراً أمنياً وعائقاً استراتيجيا للمفهوم الإسرائيلي في تعامله مع هذه الحشود وهي على بعد أمتار قليلة منه . فنعم كان فيما سبق الداخل الفلسطيني هو الهاجسُ الأكبر له وكانت كل المدن الفلسطينية في الداخل هي مصدر وإشعار الخطر الحقيقي عليه وعلى مستوطنيه الذين كانوا هدفاً سهلاً في متناول الثائرين الفلسطينيين كونهم يشتركون في نفس رقعة الأرض التي يحاول المستوطنين التعايش معهم فيها.

  

تأخذنا تصريحات الدكتور خليل الحية القيادي البارز في حركة حماس إلى مزيد من الوضوح حينما عزز من قيمة يوم النكبة وأهميته
تأخذنا تصريحات الدكتور خليل الحية القيادي البارز في حركة حماس إلى مزيد من الوضوح حينما عزز من قيمة يوم النكبة وأهميته

 

أما اليوم وفي مسيرة العودة الكبرى خرجت غزة عن إطارها التقليدي لتتجدد وتنتفض من جديد باستراتيجية جديدة وفعالة في الحقيقة رغم قِسمة الجغرافيا اللعينة التي عزلت قطاع غزة عن الداخل الفلسطيني لتربك جميع حسابات هذا المحتل فأصبحت غزّة والداخل الفلسطيني جبهتان فعالتان يُحسب لهما ألفُ حساب على خلاف السنوات الماضية التي كان بها الداخل الفلسطيني هو فقط المؤثر الأكبر على إسرائيل.

 

تصريحات حركة حماس الوقودُ والماء معاً

في ظل التصريحات النارية التي ما زالت تصرحها حركة حماس لدعوة الشعب الفلسطيني كله وخاصة قطاع غزة ليكون يوم النكبة له هو بمثابة يوم زحف جماهيري على الحدود والتخوم لمواجهة الجيش الإسرائيلي وخصوصاً كلمة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية على الحدود الفاصلة في منطقة رفح الفلسطينية عندما قال " انتظروا الطوفان القادم على إسرائيل " يتراود في أذهاننا العديد من التساؤلات، هل هذه التصريحات هي تعبئة جماهرية ناجحة لضمان حشد الألاف والتوجه بهم إلى الحدود كما يوم الأرض أم أننا قد نشهد ردة فعل أخرى متمثلة ميدانياً من حركة حماس لدعم الشباب الثائر بكل ما يحتاج للتوجه إلى داخل الحدود والوصول للمستوطنات المحاذية لقطاع غزة ؟هذا السيناريو الذي ما زال الجيش الإسرائيلي يتحدث به حتى اللحظة وتخوفه المستمر من استغلال هذه الحشود بحدث عسكري من حركة حماس يتخللهُ قنص لجنود الاحتلال وزرع وتفجير عدد من العبوات ولربما استخدام الأنفاق كوسيلة هجومية إذا ما أرادت حماس فعلاً القيام بذلك.

 

ولكن وفي الزاوية الأخرى من المشهد تأخذنا تصريحات الدكتور خليل الحية القيادي البارز في حركة حماس إلى مزيد من الوضوح حينما عزز من قيمة يوم النكبة وأهميته وأردف قائلاً: "نتمنى أن تستمر مسيرة العودة إلى ما بعد يوم النكبة" والذي يعطينا صورة أولية بأن حركة حماس لربما لم تقيد مسيرة العودة الكبرى بيوم النكبة فقط وأنها تريد استمرار هذه الأنشطة والفعاليات على الحدود الفاصلة والذي أيضاً يفهم بأن حركة حماس لربما ما زالت فعلاً تريد انتهاج المقاومة الشعبية السلمية ولا تنوي استغلال يوم النكبة للتدخل ميدانياً خصوصاً انها بدأت تؤمن وتستشعر بفاعلية ونجاح المقاومة السلمية ونتائجها السحرية في حشد الرأي العام الدولي للقضية الفلسطينية عموماً وقطاع غزة خصوصاً.

 

ساعة الصفر شهداءٌ ستصعد أرواحهم وجرحى ستقاوم بآلامهم

مما لا شك فيه أننا في يوم النكبة سنشهد ارتفاع كبير في عدد الشهداء والجرحى والتي ستترك بكل تأكيد بالغ الأسى والحزن في نفوسنا على ما سنفقده في هذا اليوم من خيرة الشباب وأفضلهم، فكلٌ يقاومُ في وطني بما يهوى فالشهيدُ يقاوم بروحه والجريح يقاومُ بآلامه والأمهات تقاومُ بدموعها والفتيان تقاومُ بأحلامهم ومستقبلهم البعيد. هؤلاء الأبطال الذين نتمنى أن لا يصابوا أو حتى يخدشوا بتلك الرصاصات الملوثة الإسرائيلية، كم يسعننا أن نخبرهم بأن أرجوكم لا تكونوا هدفاً سهلاً للقناصة التي تتصيدكم ولا تقتربوا أكثر من الحد المسموح به ولا تخرجوا من سياق السلمية التي بدأت واستمرت من أجلها هذه المسيرة، فقط تذكروا قهر ودمع أمهاتكم قبل أن تخطوا أي خطوة ولا توجعوا قلوبهم وقلوبنا فليبقى السِلْمُ في هذه المرحلة عنواننا ولتبقى الإرادة كتابنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.