شعار قسم مدونات

سنأكل من جوعنا ونشرب من عطشنا!

مدونات - السيسي

اللغز وحله

"هتتعبوا معايا أوي (تعج صالة الحضور بالضحك)، يستأنف قائلا: "مش معايا أنا، معاها هي، وهي تستحق أننا نتعب ونضحي ونتحرِم، ونأكل من جوعنا ونشرب من عطشنا، ونفضل صبرانين أو صابرين حتى يعجز الصبر عن صبرنا"

 

تبدو عبارات السيسي في واحدة من مؤتمراته إبان الانتخابات الرئاسية 2018، كسابقاتها من هرتلته المعتادة، وجمله الغير مفهومة، ورسائله المبهمة، والتي طالما حار المصريون طويلا في محاولات فهمها وفك طلاسمها، حاكم يعقد مؤتمرا ليعرض فيه ما يفترض به أنه أنجزه في فترة رئاسية سابقة (أربع سنوات)، ويعد ناخبيه بما سيقدمه لهم في فترة رئاسية لاحقة، فيبشرهم بالتعب والحرمان، بل والأدهى، يعدهم بأن يطعمهم من الجوع ويسقيهم من العطش!! لا تبدو فقط العبارات عجيبة وغير مناسبة بالمرة للغرض الذي عقد من أجله المؤتمر، لكنها أيضا غير مفهومة، كيف يمكن أن تتلخص خطة حاكم وبرنامجه الانتخابي في تجويع وتعطيش شعبه وحرمانه من أبسط الحقوق؟!!

 

طريق الجوع والعطش يبدأ بسد النهضة

تبدو خطوات السيسي العملية منذ عام 2013 وإلى الآن متناسبة تماما مع ما وعدنا به من جوع وعطش وحرمان. البداية في الثالث والعشرين من مارس 2015 حين قام قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي بالتوقيع على وثيقة التوافق بشأن سد النهضة في العاصمة السودانية الخرطوم، والتي أصبح بموجبها سدا رسميا وشرعيا، تم انشاءه بالتوافق والتراضي بين دول النيل الشرقي الثلاث "مصر والسودان وإثيوبيا"، وهو ما ترتب عليه عودة التمويل الدولي للسد فورا والمقدر بـ5.5 مليار دولار من بنك الصين الوطني، ومليار دولار من إيطاليا، ومثلها من كوريا الجنوبية، بالإضافة إلى موافقة البنك الدولي على طرح السندات الإثيوبية للتمويل بضمان السد.

 

المساحة المعلنة لملاعب الجولف في مصر تقدر بحوالي 40 ألف فدان، وتبلغ مساحة الملعب حوالي 100 فدان، بينما استهلاكه من المياه ييصل إلى 15 ألف متر مكعب، ما يكفي لزراعة فدانين من الأرز

السد الذي يحرم مصر من حقوقها في حصتها التاريخية من مياه نهر النيل والتي تنص عليها المعاهدات الدولية، بتوقيع السيسي على تلك الاتفاقية، فإنه حرم مصر كذلك من حقها في المطالبة بحصتها من المياه عند اللجوء للمحاكم الدولية، وبمجرد توافر التمويل تسارعت الخطى الأثيوبية في بناء السد والانتهاء منه، ومع الانتهاء من امتلاء خزان السد الذي ستصبح مساحته أكبر من مدينة لندن، ويقطع النهر الأزرق الذي يمد مصر بـتسعين في المئة من مياه النيل، ستتناقص على الفور حصة مصر بمقدار 12 إلى 15 مليار متر مكعب سنويا؛ مما يؤدي إلى بوار 2.5 مليون فدان من الأراضي الزراعية، وتَعطّل أكثر من مليون مصري يعملون في مجال الزراعة.

 

ليس هذا فقط، بل جاء توقيع السيسي على الاتفاقية تمهيدا لأثيوبيا كي تشرع في بناء سلسلة مكونة من أربعة سدود أخرى، بسعة تخزينية تصل إلى 200 مليار متر مكعب من المياه، ويبقى أن ننوه، لما أشار إليه عدد من الخبراء، في كون سد النهضة الأثيوبي وتشييده بتلك الضخامة الغير مبررة من حيث سعة التخزين، وموقعه الجغرافي على الحدود السودانية لا يخدم أهداف التنمية في أثيوبيا، إنما هو انتقامي وعدائي أكثر من كونه وسيلة لتوليد الكهرباء، والهدف الأول منه هو التحكم التام والسيطرة الكاملة على المياه القادمة لمصر، خاصة إذا علمنا أن الموارد المائية المتجددة في إثيوبيا هي 123 مليار متر مكعب أي ضعف الموارد المائية المصرية مرتين ونصف المرة والتي تبلغ 55 مليار متر مكعب، ويمكن لأثيوبيا توليد الكهرباء بوسائل أقل بكثير من حيث التكلفة والمخاطر والأضرار التي تنتج من بناء السد، والذي يقع فوق منطقة غير مستقرة ومعرضة للزلازل والهزات، ومن ثمَ الانهيار.

 

لهذا السبب.. هدفهم التجويع وليس المحافظة على الماء

في مطلع العام 2018، أصدرت حكومة السيسي قرارا يحدد المساحة المسموح بزراعتها من الأرز هذا العام بـ 724 ألف فدان فقط، وهي مساحة تشير التقديرات إلى أنها أقل من نصف المساحة التي زرعت في 2017 والبالغة 1.8 مليون فدان، بالإضافة إلى منع زراعته في 18 محافظة مصرية. وبينما كان القرار صادما، لم يتوقع الفلاحون مطلقا أن يتم تنفيذه، حتى استيقظوا في الـ 23 من أبريل على إقرار البرلمان بشكل نهائي، تعديلات اقترحتها الحكومة، بموجبها تم اعتماد عقوبة الحبس 6 أشهر والغرامة 20 ألف جنيه لـ المخالفين، مع تسيير حملات دورية لنزع شتلات الأرز والقبض على زارعيها، وأضيف للقرار، منع زراعة محاصيل مثل الكتان وقصب السكر والموز، قيل أن استهلاكهم كبير من المياه.

 

undefined

 

القرار المفاجئ قوبل باستنكار شديد من قبل الخبراء بملف الزراعة ومياه النيل في مصر، والذي أكدوا على كارثيته، فهم يرون أن الأرز هو البديل الوحيد حالياً لفيضان النيل، والذي يغسل تراكمات الأملاح والتلوث من أراضي الدلتا المجاورة لمياه البحر، وفي حال عدم زراعة الأرض بالأرز ستتحول إلى أراضي مالحة قاحلة غير قابلة للزراعة وتزيد الفجوة الغذائية، وبالتالي ما تستهلكه الدولة من مياه لزراعة الأرز بالدلتا هو في مكانه الصحيح وليس هدراً، بل هو محصول مربح للفلاح ويجدد نشاط الأراضي الزراعية المصرية ويحافظ عليها من التدهور والتصحر.
 
أضف إلى ذلك أنه سلعة استراتيجية، تمثل الطبق الرئيسي على مائدة المصريين، مثل الخبز تماما، وإذا علمنا أن استهلاك الفرد في مصر من الأرز الأبيض حوالي 40 كيلوغراماً في السنة، مع وجود أنشطة وصناعات أخرى مرتبطة بزراعته، منها على سبيل المثال 875 مضرب أرز مُسجل في غرفة صناعة الحبوب، باستثمارات تصل لمليارات ويعمل بها 50 ألف عامل، بالإضافة لأهمية محاصيل مثل قصب السكر والكتان والصناعات المرتبطة بهم، كصناعة السكر التي يعمل بها أكثر من 35 ألف عامل، وصناعات الكحول والورق والزيت النسيج، نعلم كارثية القرارات وحجم ضررها المباشر على الشعب المصري واقتصاده وأمنه الغذائي، عقب قرارات أخرى خطيرة مثل تعويم الجنيه ومسلسل الاقتراض الذي لا ينتهي.
 

الهدف التجويع وليس الحفاظ على الماء
لم يفسر لنا "السيسي" نفسه سر نشأته بحارة اليهود في القاهرة، والتي ذكرها في أكثر من لقاء إعلامي، بينما مسقط رأس والده هو محافظة المنوفية، ناهيك عن العلاقة الحميمية والدافئة التي تجمعه بالكيان الصهيوني

حينما تعلم عزيزي المواطن المصري أن المساحة المعلنة لملاعب الجولف في مصر تقدر بحوالي 40 ألف فدان، وتبلغ مساحة الملعب الواحد حوالي 100 فدان، بينما استهلاكه من المياه مرتفع للغاية، ويصل إلى 15 ألف متر مكعب للفدان الواحد، وهو ما يكفي لزراعة فدانين من الأرز و4 أفدنة من القمح فى الموسم الواحد، وتقدر كمية المياه التى تستهلكها ملاعب الجولف في مصر بنحو 600 مليون متر مكعب من المياه، وذلك فقط من أجل عيون ما يقرب من 2000 لاعب جولف، بالإضافة إلى وجود الآلاف من حمامات السباحة داخل الفيلات والمنتجعات السياحية للأثرياء، وثلاثة آلاف بحيرة صناعية بمساحة 159 فداناً تستهلك سنوياً أكثر من 1.62 مليار متر مكعب من المياه، تعلم وتتأكد أن الهدف من منع زراعة الأرز وقصب السكر والكتان، هو فقط : تجويع المصريين وتبوير أراضيهم الزراعية وتدمير اقتصادهم وزيادة عدد العاطلين منهم لصالح حفنة من المنتفعين على رأس هذا الحكم.

 

نبوءة "باترسون" يحققها "السيسي"

مع نهاية شهر مارس عام 2013 صرحت السفيرة الأمريكية السابقة في مصر (آن باترسون) بتصريحات صحفية مثيرة لجريدة معاريف العبرية، بشرت فيها الإسرائيليين باقتراب عودتهم لمصر، حيث أعلنت السفيرة وبكل فخر أنها لعبت دورا إعجازيا يحقق لليهود نبوءة "من النيل إلى الفرات"، وأكدت أن المصريين لن يمانعوا في عودة اليهود إلى بلادهم بل سيتوسلون إليهم كي يعودوا وينتشلوهم من الفقر والجوع والعطش المتوقع حدوثه في البلاد، التصريحات الصحفية تلك لم يمض عليها سوى ثلاثة أشهر حتى شاهدنا الانقلاب العسكري بقيادة الجنرال عبد الفتاح السيسي واستيلائه على الحكم، ومنذ يومها وإلى الآن لم يخرج علينا أحد من نظامه يرد على الروايات العديدة التي نشرت بصحف عالمية، منها مجلة فيترانس العسكرية الأمريكية، وموقع cnn الأمريكي (الذي حذف الخبر لاحقا، لكن بقيت صورة ضوئية له تم تداولها على نطاق واسع)، تتحدث عن يهودية والدته، وأقربائها في إسرائيل.

 

بل لم يفسر لنا "السيسي" نفسه سر نشأته بحارة اليهود في القاهرة، والتي ذكرها في أكثر من لقاء إعلامي، بينما مسقط رأس والده هو محافظة المنوفية، ناهيك عن العلاقة الحميمية والدافئة التي تجمعه بالكيان الصهيوني، وتتوثق لنا يوماً بعد يوم. ربما لم ولن يوضح السيسي شيئا عن ذلك، لكن بات واضحا اليوم لكل مصري، لماذا يتعمد السيسي تجويع وإفقار المصريين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.