شعار قسم مدونات

في حب الحياة ذات حياة..

مدونات - امرأة طبيعة حياة

في غمرة انشغالنا في هذه الحياة، تمر الأيام مسارعة تقلّنا بين دروبها ومحطاتها، فتقرب وتبعد، وتلملم وتشتت، وبين قريب وبعيد، وشقيّ في هذه الحياة وسعيد.. تستوقفني رحلتي فيها.. أحاول جاهدة أن أقف كثيرا على ما مضى، على ما غادرنا وانقضى.. أستوقف نفسي كثيرا أحدق في الحدائق المنتشرة على الطريق يمنة ويسرة، أسلّم على الزهرات صباحا، وأودع النجمات مساء! مع سنوات انقضت في سرعة البرق من أعمارنا لا زلت أبحث عن صوت الحياة التي تتوارى خلف أستار الصمت والسكون.. أنا التي ما زلت لا يعجبني تيار الحياة المندفع في صخب وجنون مهما كان برّاقا وذا ألق..

 
نمضي سنوات أعمارنا متفانين في جمع المال أو الاعمال، نزهق أرواحنا وأعمارنا مع دفق الحياة الهادر! لا نأبه بالزهر والشجر والمطر.. ترهقنا الحياة في طلبها حتى إذا انتهت رحلتنا منها وجدنا انفسنا متعبين عاجزين عنها بعد أن كنا على قيدها وفي قيدها.. تقول نادين ستير في كتاب أيقظ قواك الخفية لأنطوني روبنز: بعد ما بلغت من العمر ستة وثمانين عاما: لو أنني كنت سأعيش حياتي مرة أخرى فإنني سأتجرأ على ارتكاب أخطاء أكبر في المرة القادمة. سأسترخي سأمد ساقيّ لأرتاح، سأكون أكثر تفاهة في هذه الرحلة…سأتعامل بجديّة مع أمور أقل! سأخوض تجارب أكثر، سأسافر أكثر… لو أنني أعيش حياتي من جديد لبدأت الركض حافية القدمين في أوقات أبكر من الربيع، وحنى وقت أكثر تأخّرا في الخريف، سأرقص أكثر وأستمتع بحياتي أكثر، وسأقطف المزيد من أزهار الاقحوان..

 
تعيدني نادين لشريط حياتي الذي عبر على غفلة منّي، أحاول ايقاظ نفسي وانقاذها من غمار معركة متسارعة نحو اللاشيء! أحاول ان أغيث نفسي من ايقاع متوتّر للحياة! لطالما رغبت بحياة هادئة أفيق منذ الصباح على صوت المذياع يشدو بأرقّ وأعمق الآيات…ماذا لو ايقظني العصفور وهو يطرق نافذتي صباحا باحثا عن فتات الخبز الذي اعتدت أن أتركه له كل مساء!

 

ماذا لو استرخيت قليلا، وأخذت نفسي في جولة مسائيّة أمتّع نظري في السماء! أحدّق في نجوم تومض وتغيب ونحن لا ندري أنها أضاءت سماء أحلامنا وأيامنا منذ دهور!

ماذا لو استطعت أن أسترق النظر والسمع لدبيب النمل في الحديقة، بينما تجلس العائلات ضجرين يحملون ضجرهم ويمعنون النظر في هواتفهم يلتقطون الصور ويغرقون صفحاتهم الوهميّة بوحدتهم الحقيقيّة أينما حلّوا وارتحلوا…أحاول أن أسترق السمع أمعن في الصمت المتكلّم… ماذا لو استطعت أن أحاور تلك الزهرات المتناثرات عطرا عندما زارها الربيع! هل لي أن أحادثها أسمع وشوشاتها، أحدق في بتالاتها وأراقبها لساعات علّني أحظى بمشاهدة لحظات اللقاء الاول بقطرات الندى، والتفتّح الأول عندما زارها الربيع بعد طول انتظار!

 
ماذا لو سمعت صوت البحر، أغرقني موجه المتلاطم بين علوّ وهبوط! هل لي بصباح يعيد لنفسي نشوة الحياة لو لمرة، فتداعب وجهي برودة البحر، وتدغدغ مسامعي أجمل الأصوات، ماذا لو أخذني مدّه نحوه بلا عودة! وأسمعني في رحلتي نحوه أجمل الألحان! ماذا لو أنصتّ قليلا للعصافير في بكورها، ووشوشات الطيور في أعشاشها؟ أمعن قليلا في ايقاع الحياة التي خلقنا لاجلها فابتعدنا عنها كثيرا، حتى باتت حياتنا لا تشبه دواخلنا، يتنازعنا تيار مندفع متسارع صاخب وآخر قدسيّ في سكونه وسحره لكنه صامت خافت!

 
ماذا لو استرخيت قليلا، وأخذت نفسي في جولة مسائيّة أمتّع نظري في السماء! أحدّق في نجوم تومض وتغيب ونحن لا ندري أنها أضاءت سماء أحلامنا وأيامنا منذ دهور! هل لي بأن أحاور النجمات وأسألها عن الحياة في السماء؟ ماذا لو استيقظت أنتظر الشمس تشرق في صباحاتي، أراقب علو قرصها رويدا رويدا حتى تستند في كبد السماء، ماذا لو اقتفيت أثرها واستطعت توثيق انسلاخ الليل من النهار ذات غروب؟ تشرق الشمس وتغيب ملايين المرات منذ خلقها الاول، ولم أحظى بقدسيّة لحظة تأخذني فأتيه في عشقها بين شروق وغروب!

هلّ لي بليلة مقمرة تأخذني مع القمر بين اندهاش وارتعاش اللحظة ذات حنين، لأسجل في مذكراتي أجمل الأيام التي يطل بها القمر مكتملا بضوئه فيبدد عتمة ليالينا، وينيرها بنور شاءه الله له فكان..

ماذا ستعني لنا الحياة لو لم ننصت لصوتها الحقيقي؟ ماذا لو انقضى العمر ولم نسمع ايقاعها؟ أو تأخذنا أصواتها؟ ماذا لو لم نحظى بسماع نغماتها؟ وبين صوت وصوت، أحاول جاهدة أن أسترق السمع لإيقاع الحياة الساكن، لا أريد أن أكون على قيد الحياة فقط، أريد أن أكون على قيد الأمل وقيد الحب ذات حياة حيث لي فيها كل الحياة!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.