شعار قسم مدونات

لماذا خسر الإخوان كل معاركهم ضد العسكر؟

blogs العسكر في مصر

ختاماً لثلاثية تحدثت فيها عن الثنائية المتحكمة في المشهد السياسي المصري، طرحت في المقال الأول فيها رؤية عامة، وفي الثاني تفاصيل أكثر عن لماذا الطرح من الأساس، وفي الختام أتمنى أن أكون موفقاً في طرح الحل -من وجهة نظري- في الخروج من المشهد المأساوي.

 

كسب العسكر كل المعارك بينهم وبين جماعة الإخوان بدون استثناء واحد، وبتفاصيل تكاد تكون متطابقة في كل مرة، في خمسينيات القرن العشرين، حل مجلس قيادة الثورة بقيادة جمال عبد الناصر الأحزاب السياسية، والتي كانت تحظى بشعبية وقبول عند المصريين، وعلى رأسهم بالطبع حزب الوفد في وجود زعيم الأمة مصطفى النحاس باشا، لم يكن الأمر سهلاً مثل كتابة العبارة في أقل من سطر، بل كان حدثاً جللاً احتاج إلى جانب قوة الدولة في البطش بزعامة بقدر مصطفي النحاس باشا قوة على الأرض وبين الناس، وكانت تلك القوة جماعة الإخوان التي كان الوفد ينتصر عليها في الانتخابات في مرحلة ما قبل يوليو ١٩٥٢، نعم كان الإخوان سند جمال عبد الناصر قبل الفتك بهم عقب أزمة مارس ١٩٥٤ الشهيرة، التي لم تكن إلا اللحظة التي استتب الأمر فيها مجموعة الضباط ليعلنوا عدم الاحتياج إلى الجناح الجماهيري ليحكموا مباشرة بعد الفتك بالأحزاب والديمقراطية.

 

لم يتزحزح الحكم العسكري وإن تغيرت الوجوه، من عبد الناصر إلى السادات إلى مبارك، وان اختلفت السياسيات، ولكن ظل الإخوان دائماً في خلفية المشهد، كفزاعة يملكها العسكريون دائماً للبقاء في السلطة. وبعد عقود طويلة من استخدام الجماعة كذراع جماهيرية والفتك بها يتحرك الشارع المصري يوم الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١ العظيم، لتنضم الجماعة إلى الحراك الشعبي فترجح الكفة ضد نظام مبارك الذي غدر بهم في انتخابات مجلس الشعب، ليتكرر مشهد الخمسينات بشكل كبير مع اختلاف وصول الجماعة لكرسي الرئاسة فعلا ً-وهو اختلاف له أسبابه وربنا نتحدث عنه في موضع آخر-ومرة أخرى يستخدم العسكر الإخوان لكسر شوكة أعدائه ثم التخلص منهم بأبشع طريقة ممكنة. الصراع دائماً مع الجماعة هو الأسهل، في المرتين احتاج العسكر إلى الجماعة للفتك بخصومه، والتفرغ للجماعة فيما بعد كهدف سهل أصبح لدية خبرة طويلة في الخلاص منهم مها بدت حشودهم ضخمة.

 

صيغة الحكم بالنموذج التركي مناسبة جداً ومرضية للجميع، رئيس بخلفية إسلامية يخوض الانتخابات وفق دستور علماني ويفوز ويحكم
صيغة الحكم بالنموذج التركي مناسبة جداً ومرضية للجميع، رئيس بخلفية إسلامية يخوض الانتخابات وفق دستور علماني ويفوز ويحكم
 
المخرج

لا سبيل أمام الجميع للتخلص من الحكم العسكري إلا بتقديم بديل يعجز النظام العسكري عن تقديم نفسه للمجتمع كحامي الحمي منه، ولا سبيل أمام الإخوان للخلاص من التنكيل بهم الا الإعلان صراحة عن فصل العمل الدعوي عن العمل السياسي وعدم خلط الدين بالسياسة والكف عن محاولات استخدام الإسلام للوصول للسلطة. المسألة تحتاج إلى بديل عصري للدولة العسكرية التي طرحت نفسها في الخمسينات و-ربما- كانت مناسبة لعصرها ودواعيه، أما ونحن في القرن الحادي والعشرين وفي نهاية العقد الثاني منه فلا مكان لتلك الدولة المهترئة، والمبرر الوحيد لبقائها، أن البديل الوحيد المطروح وله أسباب القوة دولة تنتمي إلى القرون الوسطى -مع كامل الاحترام لمجد الدولة الإسلامية- النموذجان جزء من الماضي، أحدهما ماضي قديم لا يملك غير أطلال المجد وبريق الحنين، والآخر ماض قريب لا يملك إلا أدوات البطش والجبروت، وكلاهما -في رأيي- لا مكان له في عصرنا حيث اختلفت الطموحات والأحلام والمطالب وقبلهم أسلوب الحياة وفلسفة الدولة.

 

شكل الدولة الذي أصبح أكثر تعقيداً عن قرون كانت الحضارة الإسلامية وقتها قمة النموذج المختلف في العالم اختلف بشكل كامل، ولا يمكن إقناع من وجد نفسه وأجداده قبلة مصري المولد والمنشأ منذ أجيال أنه مواطن درجة ثانية -ذلك تعريف المواطن ناقص الحقوق الواجبات بموجب حكم الشريعة دون مواربة- بأن يقبل أن تتحول الدولة من دولة قومية وطنية تعتبره مواطن كامل الحقوق والواجبات حتى وإن كانت دولة ينخرها الفساد، إلى دولة تنحاز لطائفة دون أخرى -بطبيعة الحال- في حالة عدم الاتفاق على دستور علماني، بالطبع سيكون الاختيار للدولة القومية العسكرية مهما كان وجه فسادها.

 

أمامنا نموذج واضح وهو النموذج التركي، وصيغة الحكم فيه مناسبة جداً ومرضية للجميع، رئيس بخلفية إسلامية يخوض الانتخابات وفق دستور علماني ويفوز ويحكم، وتلك إجابة على سؤال ربما نتطرق له في مقالات قادمة -إذا كان في العمر بقية- "لماذا انحاز علمانيو تركيا للحكومة الإسلامية ضد الجيش بينما حدث العكس في مصر". وانتهاءاًأرجو عدم الانفعال عند قراءة الأفكار المطروحة فما أحوجنا جميعاً إلى الحوار مهما بدا الحوار صادماً، فربما نجد معاً بوصلتنا التي تاهت منا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.