شعار قسم مدونات

كيف تحمي نفسك وأطفالك من "هشاشة العظام"؟

مدونات - هشاشة العظام
عُرف عن العرب على مر التاريخ قوة أجسادهم وصلابتها واشتهروا بكونهم أهل قوة وجلدة، ولكن يبدو أن هناك ما تبدل في عصرنا هذا، ففي كتابه المنشور سنة ٢٠٠٢، قدم الراحل سمير فياض دراسة للمجلس القومي للطفولة والأمومة بالتعاون مع مجلس تحسين الصحة مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة عن الطفل المصري في مرحلة السن ما قبل المدرسي من ٢-٦ سنين، ذكر فيها أن أكتر من ١٢.٢% من الأطفال الذين شملتهم الدراسة مصابين بمرض لين العظام، وأن نسبة ٤.٧% مصابين بتضخمات في نهايات العظام الطويلة كالساق والذراع، بالإضافة الى اضطرابات أخرى متعلقة باختلال تخزين الكالسيوم في عظام أطفالنا.
 
كما لوحظ ارتفاع نسبة الأطفال المصابين بلين العظام من بين المترددين على مستشفى الملك فهد بالحرس الوطني من ٩.١% عام ١٩٩٧ إلى ٢٥% عام 2009. كما أصدرت وزارة الصحة السعودية إحصائية بارتفاع نسبة الإصابة بهشاشة العظام بين البالغين لنسبة تصل إلى ٦٧% . وفي تقريرها الصادر عام 2012، أشارت المؤسسة الدولية لترقق العظام إلى توقعات بتزايد أعداد المرضى المصابين بهشاشة العظام بصورة مثيرة للقلق في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث يُتوقع أن تتزايد معدلات حوادث الكسور الناتجة عن هشاشة العظام لأربعة أضعافها في عدد من البلدان مع ارتفاع أعمار السكان.
 
استخدام أملاح الفوسفات والصوديوم كمواد حافظة ومكتسبات طعم ولون في بعض المواد الغذائية، يعمل على تقليل امتصاص الكالسيوم من الامعاء

تختلف الحالة المرضية المتعلقة بضعف العظام من حيث التسمية حسب عمر المريض، فتعرف في الأطفال بلين العظام أو الكساح، وتظهر أعراضه في الشهور الأولى من العمر كزيادة حجم الرأس وتشوهها، وتأخر ظهور الأسنان. وبتقدم عمر الطفل تتضخم نهايات عظام الأطراف حول الرسغ والكاحل وتبرز عظام الصدر. ومع اتخاذ الطفل خطواته الأولى تظهر مشكلة تقوس الساقين، وبروز الركبتين إلى الخارج أو الداخل ودوران الساقين أثناء المشي، وقصر القامة وتشوه العمود الفقري والضعف العام. أما في البالغين وكبار السن فتعرف حالة ضعف العظام بالهشاشة، والتي ترتفع احتمالية الإصابة بها لدى السيدات بتقدم العمر بعد مرحلة انقطاع الطمث، وذلك لا ينفي احتمالية إصابة الذكور أيضًا. وقد لا يعلم المريض بإصابته بها حتى تعرضه لكسور العظام المختلفة بسبب اصطدامات خفيفة أو حوادث سقوط بسيطة جدًا.

 

و يعد اختلال مستويات فيتامين د، الكالسيوم، والفوسفات في جسم المريض سببًا مشتركًا بين الحالتين. وبنظرة سريعة ومبسطة لفهم ميكانيكية انتظام بناء العظام والحفاظ عليها، فإنه بالتعرض لأشعة الشمس وبعملية كيميائية مركبة تتم عملية تنشيط وتكوين "فيتامين د" داخل طبقات الجلد، ليعمل فيتامين د على تنظيم مستويات الكالسيوم والفوسفات في مجرى الدم وتعزيز النمو الصحي للعظام. بالإضافة لمشاركة الهرمون المفرز من الغدة الجار درقية (الباراثورمون) بدور هام في تلك العملية. وعلى الرغم من اشتمال لبن الأم على العديد من العناصر الغذائية والأجسام المضادة الهامة والأساسية لنشأة وحماية الرضيع، إلا أن وجود فيتامين د يقتصر على ٢٠-٤٠ وحدة في اللتر الواحد من اللبن، في حين يصل احتياج الرضيع اليومي إلى نحو 400 وحدة في اليوم، وهنا يأتي الدور الهام للتعرض لأشعة الشمس.

 

وتاريخيًا نجد أنه أثناء الثورة الصناعية في أوروبا، عندما حُرمت العديد من المناطق المكدسة بالسكان من التعرض لأشعة الشمس نتيجة للأبخرة وعوادم المصانع، لم يكن أول خطر تعرضت له صحة الأطفال بسبب هذا التلوث البيئي مرضًا سرطانيًا، أو رئويًا أو جلديًا حتى، إنما كان مرض الكساح! واليوم لا تبدو تلك الصورة بعيدة عن بلادنا، فعلى الرغم من كون منطقة الشرق الأوسط من أكثر المناطق المشمسة معظم أيام العام، إلا أنه نتيجة لبعض القواعد الثقافية كارتداء الحجاب أو النقاب الذي يحجب أشعة الشمس عن معظم الجسم مما يقلل من تكوين فيتامين د، فإننا نشهد هذا التصاعد الملحوظ في شكاوى كثير من الفتيات من آلام عامة في الجسد وإحساس بالضعف العام، ولنجد نسب الإصابة المهولة بنقص فيتامين د لدى الفتيات المراهقات في المملكة العربية السعودية والتي تتخطى 80%.

 

كلفة اختبار تحليل فيتامين د في الوطن العربي تصل لنحو ٣٥ دولارًا أمريكيًّا! مما قد يفسر شح الدراسات والأبحاث القائمة على المرض
كلفة اختبار تحليل فيتامين د في الوطن العربي تصل لنحو ٣٥ دولارًا أمريكيًّا! مما قد يفسر شح الدراسات والأبحاث القائمة على المرض
 

ضف إلى ذلك الحالة العمرانية شديدة التكدس في الشرق الأوسط، وتفضيل الابتعاد عن أشعة الشمس المباشرة نتيجة لارتفاع درجات الحرارة التي تتميز بها المنطقة، مما يضعف فرص التعرض لأشعة الشمس بالشكل الصحي والضروري لصحة العظام.  وفي دراسة أجراها المعهد الياباني لعلوم وتكنولوجيا الطعام نشرت نتائجها عام ٢٠١٤، وجد أن استخدام أملاح الفوسفات والصوديوم كمواد حافظة ومكتسبات طعم ولون في بعض المواد الغذائية، يعمل على تقليل امتصاص الكالسيوم من الامعاء. مما يكشف لنا أن صحة وقوة العظام لا تقتصر على نسبة الكالسيوم وحسب كما هو شائع، بل تتداخل العديد من العوامل والعناصر لإتمامها.

 

وفوق كونهما حالتان طبيتان خطيرتان ومعيقتان عن ممارسة أشنطة الحياة الطبيعية، فأمراض ضعف العظام تعد أمراضًا مكلفة، سواء في مرحلة التشخيص، أم العلاج. ويبلغ متوسط تكلفة اختبار (دي إكس إيه) بالمسح الضوئي وهو أفضل اختبار معياري متاح لقياس كثافة العظام، ما بين 50 إلى 75 دولارًا أمريكيًّا، وترتفع تكلفة اختبار تحليل فيتامين د إلى أرقام تصل في الوطن العربي والشرق الأوسط لنحو ٣٥ دولارًا أمريكيًّا! مما قد يفسر شح الدراسات والأبحاث القائمة على المرض والداعمة لتشخيصه وعلاجه، حيث تميل حكومات الدول دومًا لتوجيه دعمها للأبحاث القائمة على علاج الأمراض المعدية، مثل السل، وأمراض أخرى أكثر شيوعًا مثل ارتفاع ضغط الدم، السكري وأمراض الأوعية الدموية وغيرها.

 
العمل على زيادة الوعي بالمرض والتوعية عن مخاطره، والتعرض المستمر والصحي لأشعة الشمس، والالتزام بأنظمة غذائية غنية بعناصر الكالسيوم والفسفور وتجنب الأطعمة المحفوظة، وممارسة الرياضة الخفيفة بانتظام، تعد أبسط خطوات لوقاية أجسادنا وأجساد أطفالنا من ذلك الضعف والخطر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.