شعار قسم مدونات

ما الذي يعنيه أن تعيش حياتك؟

blogs تأمل

وأنت تخوض معركتك مع الحياة لا تنسى نصيبك منها، ولا تنسى أن تختبر فيها كل ما يمكن أن يسعفك في اكتساب دروسها، حاول أن تعطي لنفسك فرصة استكشاف خباياها، وأن تتعامل معها بمنطق العبث من أجل أن تبعث في نفسك روح الحياة الحقيقي، وابتعد قدر الإمكان عن التكلف بما لا تطيقه من خلال حروبك مع الحياة.

 

جرب أن تقرأ كل ما تصادفه عيناك، وجرب أن تتمعن في كل ما يمكن أن يغذي فضولك، وذلك من أجل أن تصير مدمنا على القراءة، واقرأ كل ما ينال إعجابك، وكل ما قد لا يعجبك، لتدرك الفرق بين الكفتين، اقرأ لكي تنتصر على جهلك، ولكي تدفع بالملل نحو الاحتضار، واقرأ من أجل أن ترقى بنفسك أكثر مما أنت عليه.

 

جرب أن تختبر كل ما تجد إليه سبيلا، وأن تمتحن الحياة في عنفوانها، هذا من أجل أن تحظى بفرصة النجاة من الاختبارات الاستدراكية للحياة، جرب ذلك لكيلا تخوض حروبك الجديدة بمنطق الضعيف، وحتى تحظى بفرصة النيل من عبث الحياة.

 

جرب أن تمارس الحياة بعبثية، ستدرك أن العبثيين كانوا صادقين عندما قررا الانسحاب من جدية الحياة، لأنها لا تستحق سوى أن نكون واقعيين على نحو ممكن، ذلك أنها تمضي وستمضي، ولذلك تعامل مع الحياة بكل ما ملكت من جنون. وستدرك في النهاية أن الحياة عبثية جدا.

 

جرب أن تنسحب من كل السجالات التي ستضيع في دروبها حتما، جرب أن تتنازل عن السجالات التي لن تجديك نفعا، جرب أن تختار من الحروب ما يستحق التضحية فقط، ستجد أننا لا نساوي شيئا عندما نكترث للتفاهات التي تملأ جنبات الحياة، ولذلك يجب أن تحسن اختيار المعارك التي تخوضها.

 

جرب أن تمارس تمردك على كل ما يثير إزعاجك، تمرد قدر ما استطعت وبكل قواك على كل ما لا يناسبك، وعلى كل ما وجدت نفسك مجبرا على اتباعه

جرب أن تحتار في الاختيار، كلما وضعتك الحياة بين اختيارات متنوعة، وجرب أن تتريث كثيرا قبل أن تصيب اختيارك، وأن تمنح لذاتك من الوقت ما يكفي للاختيار، ستجد أن التسرع عدو الإنسان، وستدرك أن التريث هو أفضل دواء لمن فقد القدرة على الانتظار.

 

جرب أن تكون أنت في ظل الزحام، جرب أن تختلف عن الضجيج الذي يحوم حولك، جرب أن تنعزل عن القطيع، وأن تمارس اختلافك بكل عقلانية، جرب أن لا تكون جزءا منهم، وأن تكون واحدا منهم بطريقتك، حينها ستستمتع بتفردك وبفردانيتك، ستجد أن المرء حين يكون نسخة واحدة سينال نصيبه من الحياة، وستدرك أن الحياة لا نتلذذ بها إلا عندما نخلق عالمنا الخاص.

 

جرب أن تمارس تمردك على كل ما يثير إزعاجك، تمرد قدر ما استطعت وبكل قواك على كل ما لا يناسبك، وعلى كل ما وجدت نفسك مجبرا على اتباعه، تمرد على نحو أكبر، لكي تجد نفسك وذاتك بعيدا عن النُّسخ الخاضعة، وذلك من أجل أن تخلق من تمردك عبثا تمارس به عقلانيتك بكل جرأة، وأن تنجح في اختبار الخضوع، وستنجح حتما، عندما تختبر ذاتك أمام مقاومة كل ما لا تريده، وأن تعطي لذاتك حق ممارسة التمرد.

 

جرب أن تمارس حريتك بعقلانية، وحاول أن تتحرر قدر ما استطعت من كل القيود التي تجبرك على الاستسلام، وأن تضع نصب عينيك حدود حريتك، جرب أن تمارس حياتك كما يحلو لك، ولا تكترث لما يقال عنك وما يقال لك، جرب ألا تعير الاهتمام لنظرات الآخرين، جرب أن تشعر بانسحابك من عالمهم، لكي تتحرر قدر الإمكان من كل ما يمكن أن يثير قلقك، وأن يدفعك للتشكك في إمكانيتك وقدراتك، وذلك من أجل أن تعترف بذاتك أكثر، وأن تكتفي بما تعرفه عن نفسك، وحينئذ يمكن أن تكون فريدا من نوعك.

 

جرب أن تمارس من الاحترام ما يكفي لكي تتلقى منه ما يكفي، لكي تشعر بوجودك الخالص، جرب ألا تحتقر الآخرين مهما كنت أعلى منهم، جرب أن تتعامل بتواضع لا ينتهي، جرب أن تنظر إلى الآخرين نظرة مليئة بالاحترام، ستدرك أنه كلما فعلت ذلك كلما ارتقيت بنفسك، وكلما زادت درجة ارتياحك.

 

جرب أن يكون التقدير هو سلاحك، لأنك كلما وهبت التقدير كلما نلت منه نصيبا أوفر، وكلما أدخلت ذاتك في خانة الإنسانية، جرب أن تمنح لذاتك فرصة تقدير الآخرين، سيخالجك شعور الامتياز بمكانتك، وستصاب بالامتنان من إنسانيتك النادرة، حينئذ ستجد أنه لا مناص من تبادل التقدير في عالم الإنسانية.

 

جرب أن تنسحب من عالم الكبرياء، وأن تلج إلى التواضع قدر الإمكان، ولا تتكبر مهما يكن من جفاك، وتواضع بكل ما أوتيت من كبرياء، تواضع لكي تجد نفسك في عالم يليق بك كإنسان، تواضع لكي تعطي لإنسانيتك فرصة الانتعاش، ولكي تفوز بقدرة ضميرك على الالتزام بمواعيد الإنسانية.

 

جرب أن تمارس من النقد ما يكفي تجاه البديهيات، وحاول أن تشك في كل المُسَلّمات، وألا يقف شكُّك عند ذلك الحد، بل مارسه قدر ما استطعت إلى أن تلوح لك حقيقتك الغابرة، وأن تستكشف من الحقائق ما يمكن أن يسعفك لتروية فضولك لمعرفة المزيد، ولا تتوقف أبدا عن التساؤل مهما توضحت لديك الإجابات، ولا تؤمن بالإجابات الجاهزة، لأنها غالبا ستضلل طريق عقلانيتك.

 

جرب أن تبتعد عن اليأس قدر الإمكان، لأنه لن يفيدك في شيء مهما استحوذ عليك، جرب أن تحاربه في كل مرة ينتابك فيه، ولا تستسلم له مهما أجبرتك الظروف عليه، عندما ستنهزم معه، ستشعر بأنك أسوأ شخص في العالم، وذلك لن يفيدك في شيء، تعقل حينئذ، ستدرك أن اليأس لا يليق بالأقوياء.

 

جرب أن تنعش مواهبك بكل ما تملك من إرادة، مارس مواهبك إذا أردت النيل منها، واجعلها ضمن أولوياتك، ومارسها بشكل يومي حتى تعتاد عليها
جرب أن تنعش مواهبك بكل ما تملك من إرادة، مارس مواهبك إذا أردت النيل منها، واجعلها ضمن أولوياتك، ومارسها بشكل يومي حتى تعتاد عليها
 

جرب أن تمارس جنونك وتستمتع بكل لحظة تعيشها، لأن الحياة لا تستحق إلا أن نعيرها أدنى اهتمام، ولذلك لابد من ممارسة الجنون، وألا ندع للحزن فرصة النيل منا، وأن نحارب قلقنا وتعاستنا بالاستمتاع بكل لحظاتنا، ورغم استحالة هذا الأمر، إلا أن محاولة ذلك قد تفي بالغرض، وقد تدفعنا لننسى، رغم أن النسيان لا يستجيب لنداءاتنا.

 

جرب أن تَنسى مهما غلبتك الذاكرة، جرب أن تُنسي نفسك مرارة ذكرياتك، ومرارة أحزانك، اِنس كل شيء يستحق النسيان، هذا إذا وهبت لذاكرتك فرصة النيل من الذكريات الجديدة، وقد يكون النسيان مهمة صعبة لمن يطلبون النجاة من أحزان الذاكرة، لكن محاولة النسيان، أو خلق فرص النسيان قد يُعجل بذلك، وقد يكون في الذاكرة متسع من المكان لخلق ذكريات جديدة.

 

جرب أن تنعش مواهبك بكل ما تملك من إرادة، مارس مواهبك إذا أردت النيل منها، واجعلها ضمن أولوياتك، ومارسها بشكل يومي حتى تعتاد عليها، ومن أجل أن تحظى بفرصة اكتسابها وتطويرها، مارس هواياتك حتى في أشد لحظاتك مللا، ولا تستسلم أمام الفشل الذي سيصادفك في طريقك، تعامل مع هذا الفشل كأنه جزء من اللعبة، واستثمر مواهبك في كل ما من شأنه أن يسعفك للحصول على نصيبك من الحياة.

 

وأنت تنهي هذا المقال، حاول أن تتمرن على إنهاء كل ما تقرأه، جرب فعل ذلك، من أجل أن تتغلب على النفور الذي يلاحقك في كل مرة تفتح فيها كتابا أو يغويك فيها مقالا ولا تنهيه، جرب أن تتحمل فعل القراءة حتى تدمن عليها، ومن أجل أن تخلق لنفسك حياة أخرى تخصك، وهي الحياة التي ستستلهمها من الكتب، ومن أجل ذلك لا تنسى أن تقاوم كل ما يدفعك للكسل، وحاول أن تربي ذاتك على المطالعة وأن تجعلها ضمن يومياتك، هذا إن أردت أن تمارس الحياة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.