شعار قسم مدونات

الشعب الإيراني بين ابن سلمان وترمب

Blogs- iran
مبدئيا، أعبر عن أنني لست مناوئا لإيران، وفي نفس الوقت لست من أنصارها، ولا من الراضين عن سياستها الداخلية والخارجية، ونفس الشيء، وبدرجة أشد، أقوله عن سياسة المملكة السعودية والإمبراطورية الأمريكية (خصوصا العلاقات الأمريكية العربية)، فكلهم في قمع المواطنين سواء، كلهم في استحمار وتثبيط إرادات الشعوب للحرية والكرامة أنداد وجلادون، إذ ما إن يتفق الاحتجاج لشعب ما ضد شمولية نظامه سياسي، حتى يسارع هذا النظام دون استحياء إلى اتهام جهة خارجية بالتنظيم والتخطيط لهذا الحراك والاحتجاج.
 
هذا ما تجسد في رد فعل الدولة الليبية والمصرية والسورية ضد الثورة، وقبل شهور تجسد في مواقف جهات مغربية (اجتماعية وسياسية) ضد حراك الريف، ومؤخرا تمثل في رد فعل السلطة الإيرانية اتجاه ما عرفه الداخل الإيراني، من حراك اجتماعي دعا إلى حقوق مشروعة، كالتنفيس عنه وتحريره من الجبروت السلطوي للنظام، وكذا المطالبة بتحسين ظروف العيش وتطوير الخدمات وتعميمها، هذا وغيره من المطالب التي يطالب بها أي شعب يشعر بالحيز والإقصاء.
 
لا يخفى على من يمتلك قدرا ولو ضعيفا من الوعي السياسي حول العالم الإسلامي، أن شعوب المنطقة تعاني من ضعف الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وتعيش النكد والفقر والإملاق، و يستحكم بسلطتها السياسية الاستبداد والديكتاتوريات المطلقة، بالإضافة إلى سوء وضعف الخدمات التي تقدمها هذه الدول لرعاياها من سكن وتعليم وصحة وغيرها، ومع هذا كله؛ إذا انفجر صبر شعب من هذه الشعوب وانبعث على شكل احتجاج ضد هذه الأوضاع المزرية، نجد الأنظمة تقمعه عبر أجهزتها السلطوية والرمزية، ليس ذلك فحسب، بل نرى هذه الأنظمة بكل وقاحة تنسب الحراكات الاجتماعية التي تقوم ضد سياساتها إلى جهة خارجية، دون نظر للأسباب الداخلية المجحفة التي تجعل الحمير والجحوش تنتفض -فضلا عن الإنسان- لو تعامل معها مالكها بالطريقة التي تتعامل بها الأنظمة العربية والإسلامية مع شعوبها.
 

عندما تحصل المجزرة في المتظاهرين تخرج علينا الحكومة، لتصرح بكل دناءة بأن
عندما تحصل المجزرة في المتظاهرين تخرج علينا الحكومة، لتصرح بكل دناءة بأن "حرية الاحتجاج مضمونة"! كيف مضمونة والمحتجون قد لحق بهم ما لحق من تعنيف وسحل واعتقال؟!
 

هذا الاتجاه ما نسج على غراره النظام الإيراني اتجاه انتفاضة الشعب الأخيرة، إذ اتهم السعودية وأمريكا وإسرائيل بالتخطيط لهذا الحراك لضرب استقرار البلد الداخلي، وهدم النظام الإسلامي المقدس في نظر الخمينيين الذين يأبون الانقراض، وذلك دون أن يكلفوا أنفسهم فرصة الإطلال ولو سريعا على مرتبة إيران في تقارير المنظمات الدولية في كل من قطاعات المجتمع الكبرى، فضلا عن وضعيتها المتدنية حسب مؤشرات حقوق الإنسان والديمقراطية والمساواة بين الجنسين، ما به يعتبر أي شكل احتجاجي ليس فقط نتيجة حتمية، بل ضرورة إنسانية، هذا ليس مقصورا على إيران، بل على معظم نظم المنطقة. فلماذا تسلك هذه الأنظمة مسلك الاستنكار والاتهام في كل مرة ينتفض فيها الشعب، بدل وضع أجهزتها موضع المسؤولية والمحاسبة، وبالتالي استئناف إصلاح ذاتها و سياساتها؟
 
من يتأمل في حالات وحياة رؤوس هذه الأنظمة (ملوكا ورؤساء)، يجد أنهم يعيشون ويتصرفون ليس باعتبارهم بشرا أو مسؤولين على ذمتهم شعوب وأمم، بل وكأنهم "آلهة صغيرة"، ذلك أن من أخص خصائص الآلهة هي "العصمة" أو عدم الخطأ، نفس الشيء يختص به هؤلاء الرؤساء، وهو ما تسوقه للناس الأجهزة الإديولوجية لهذه الأنظمة؛ كالإعلام والسلك الكهنوتي (الشيوخ)، إذ تجد أن بلدانهم تعيش على وقع الخراب والإنهيار والتلاشي، ومع ذلك تجدهم يتجردون من المسؤولية وكأنهم لم يخطئوا، ويقرون خلافا للواقع بأن الخطأ آت من الخارج؛ أي من الأعداء، لا من الداخل الذي يعني الرئيس والحكومة والأحزاب السياسية، أو بشكل عام من هم في موقع السلطة.
 
الأدهى من ذلك، هو عندما تقمع هذه الأنظمة غضب الشعوب بسبب هذا الافتراء، ثم في نفس الوقت تدعي بأن حرية التظاهر والاحتجاج مضمونة دستوريا لكل المواطنين، إذ بمجرد أن ينزل الشعب للشارع تنزل بإزائه أجهزة القمع؛ حيث تصده عن مطالبه المشروعةن متهمة إياه بالخيانة والعمالة للخارج، وعندما تحصل المجزرة في المتظاهرين يخرج علينا موضفوا النظام، ليصرحوا بكل دناءة بأن "حرية الاحتجاج مضمونة"، كيف مضمونة والمحتجون قد لحق بهم ما لحق من تعنيف وسحل واعتقال؟!
 
أخيرا، لا نرى رتقا لهذه الغمة في الأفق، فالاستبداد في العالم العروبي والإسلامي كلما طال الزمن تجبر و تفرعن أكثر، ما يحتم على هذه الشعوب إن هي أرادت الخلاص منه، أن تناضل وتقدم ليس فقط أنهارا من الدماء، بل بحارا ومحيطات إذا أرادت فعلا أن تعيش الكرامة والحرية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.