معقولية قرار الرفع ترتبط مع مستوى الدخل، وبما أن متوسط دخل الفرد الأردني قد يصل إلى 5293 دولارا، إن كان متوسط الرواتب في الأردن يبلغ 646 دولارا؛ بما يعادله 455 دينارا أردنيا. فالدولار يساوي 70 قرشا مقارنة مع مستوى دخل الفرد في قطر 104 آلاف دولار سنويا على سبيل المثال، والتي تأتي في أول قائمة دول الخليج العربي.
وكما قيل، أن سعر رغيف الخبز في الأردن؛ الأدنى عربيا، وأن الأردن هي الوحيدة في العالم التي تقدم الدعم لرغيف الخبز، فإن مقارنة سعر رغيف الخبز في الأردن حسب هذه المعادلة سخف وغباء، إن كان قرار رفع الخبز الساري -ومعه سلسلة لا تنتهي من السلع الأساسية وغير الأساسية- يعني ببساطة تحصيل سريع لرقم مليوني، في المقابل يعني انحسارا كبيرا في كل قطاعات الاستثمار، إذ يعتبر الدخل الفردي والاستثمار الفردي بالمنشآت البسيطة المحركان الأساسيان للاقتصاد. هذه الحقيقة إن شئنا أم أبينا وما يعنيه ارتفاع الأسعار؛ بما فيها متطلبات الاستثمار الأساسية، مع ثبات الدخل الفردي، بل وتقلصه جراء الكثير من الضرائب والاقتطاعات والرسوم التحصيلية؛ هو في حقيقة الأمر الوصول إلى توقف عجلة الاقتصاد، وما يعنيه بقاء حركة الاستيراد والتصدير في واقع الأمر قائم على مبدإ الفئوية، أو بمعنى آخر فالرساميل الفردية بأيدي النافذين، وهذا بحد ذاته مؤشر خطير.
صفقة القرن المرتبطة برفع الدعم عن رغيف الخبز؛ تعني زيادة نسبة الفقر، ولا تعني بالضرورة ارتفاع نسبة الجريمة، إذ الجريمة بحد ذاتها موجودة ومرفوضة، ولكنها أصبحت أوضح وأكثر قبولا في المجتمع، ليس بسبب اختلاف القيم، وإنما رغبة في عدالة توزيع الظلم على الأغنياء وليس فقط على الفقراء، وفيما سبق قيل أن الأردني لا يضحك للرغيف الساخن، وذلك لشقائه، ولكن سيتغير الأمر ليكون الأردني صاحب نكتة وضحكة، وذلك مجارة للمثل: "إن كثرت همومك غني لها".
يمكن القول إن البيت الأردني معتاد على الشقاء وعلى ملح الأرض ومنتوجها، ولكن مع اختلاف العادات الاجتماعية الغذائية والتخلي عن ملح الأرض وأديمها أصابها بالعجز أمام التغير على مستوى الدخل؛ فلم يعد هناك ما يعيل الأسرة ويساعدها في دخلها، حيث أصبح اعتمادها على الراتب فقط، وأي زيادة عليه تعني إنهاكه والوصول به إلى ما دون حد الفقر. ولا يمكن الجزم بأن مقدار الدعم الحكومي (بمعدل 27 دينارا للفرد سنويا) بذي نفع، حتى يتم تجربته،لأنه ينحصر في الخبز دون باقي السلع التي أصابتها حمى الزيادة، فلا ينفع المثل "بحصى بتسند جرة". ويبقى السؤال من سيقدم الدعم لمن لا راتب له ولا ضمان، ويعيش مهمشا في وطنه؛ جريمته أنه لا يملك شيئا، وقد ينطبق عليه المثل الصحيح :"لا تاكل ومقسوم لا تاكل وكل لتشبع".
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.