شعار قسم مدونات

الإسلاميون والجسم المُشوّه

BLOGS الإسلاميون

لا يخفى على المتابع العابر فضلا عن المُدقق ذلك التشوّه الذي أصاب جسم الحركة الإسلامية وأحشاءها، يمينها ويسارها على السواء، هذا التشوه الذي بدأت أسبابه منذ عقود تسري في جسد الحركة الإسلامية مع تجاهلٍ تامّ وإنكار وتغافل، حتى ذهب بعض المزايدين المنتمين للحركة الإسلامية إلى اتهام كلّ من يلفت نظرهم إلى خطورة هذه الأسباب وخطورة تداعياتها ومآلاتها بالعمالة، ومحاربة المشروع الإسلامي، بل أحيانا محاربة الإسلام نفسه، فوضعت الحركة رأسها في الرمال حتى استحكم الداء منها، وبرزت آثاره على السطح بعد أن نال من أحشائها ومزقها كلّ ممزق.

 

هذا التشوه تراه اليوم في المتصدرين باسم الإسلاميين على اختلاف ألوانهم وأطيافهم، وتراه في التفاف قواعد الإسلاميين حول رموزٍ لا علاقة لها لا بالدين ولا بالدنيا، ولا بالعلم ولا بالمنهجية، فقط لغة التطبيل والتصفيق والتهليل هي السائدة، فأنتجت عقولا مدمّرة تؤمن بالخرافات بل وتروجها، وتتهم من ينكرها. أي إن الداء استحكم حتى ظن المريض أنه البرء المفقود، وحلت العلة محل البراءة حتى ظنّ العليل أن هذا هو المذاق الأصيل وسواه دَخَلٌ منكورٌ!

 

اعترض الشيخ الغزاليّ على ما يُمكن تسميته بـ
اعترض الشيخ الغزاليّ على ما يُمكن تسميته بـ"دروشة" التيار الإسلامي، وغياب عقله، واستنزافه في مسائل فرعية وجزئيات ومعارك مفتعلة، وفقاعات تشويشية لا علاقة لها بالواقع
 

يرصد قادة الحركة الإسلامية التشوّه الأخلاقي والنفساني والفكري الذي لحق بجماعات الإسلام السياسي، وإذا كانت مثل هذه المثالب طبيعية لأنها عوارض بشرية تعتري الجميع على مستوى الأفراد وعلى مستوى الجماعات، فإن الأمر يختلف بالنسبة للحركة الإسلامية باعتبار أنها تعدّ تفسها متحدثة باسم الله، وتَنْشدُ الحكمَ الإلهي وتطبيق الشريعة، ومن ثمّ فإنّ أية أخطاء أو مثالب من شأنها أن تلوّث وتُشوه المنهج الربانيّ في أذهان الناس.

 

من الإخوان إلى الجهاديين

اعترض الشيخ محمد الغزاليّ على ما يُمكن تسميته بـ"دروشة" التيار الإسلامي، وغياب عقله، واستنزافه في مسائل فرعية وجزئيات ومعارك مفتعلة، وفقاعات تشويشية لا علاقة لها بالواقع. علاوة على جهالة التيار السياسية، وغياب أي رؤية لديه لخريطة الصراعات الإقليمية والدولية، وقواعد النظام الدولي ومساحات المناورة المتاحة فيه، علاوة على هشاشة داخلية في بنية التيار نفسه، إذ لا يعتمد أية خُطط أو إجراءات أو قوانين تسمح بتداول سلمي ونزيه للمناصب القيادية تعبّر عن رأي القواعد الجماهيرية والحواضن الشعبية، أو تعبر حتى عن جموع المنتسبين. بعدما انشقّ الشيخ الغزالي عن جماعةِ الإخوان ذهب إليه بعض أعضاء الهيئة التأسيسية قائلا له: "إذا تكلمت سنذبحك"، فقال له الشيخ بسخرية: "لماذا لم تذبحوا العسكري الأسود".

 

أبرز قادة الحركة الجهادية في الجزائر "الشيخ عاصم أبو حيان" يحدد أسباب انحراف الحركة الجهادية الجزائرية في تنطع قيادة الجماعة وغلوها في الدين

كذلك عندما طالبَ الشيخ بالإبقاء على دستور 1923م حتى يتم إدخال بعض التعديلات عليه، حتى لا يحدث فراغ سياسي يؤدي إلى تفرد مجلس قيادة الثورة أو غيره بالحكم، فلا يمكن أن تبقى الأمّة بلا دستور، فرفض جميع الإخوان بالمكتب ذلك، وآنذاك قال لهم عبد القادر عودة: "أنتم الذين تضعون الدستور الجديد". وهذه انتهازية سياسية لم يتخلص منها الإخوان حتى اليوم، وكانت سبباً في مهالكهم قديماً وحديثاً، حيث ينطلقون من شخوصهم وجماعتهم لا من الأمّة وفضائها الكبير.  

 

يقول الغزالي: "إنني كنتُ إذا صارحتُ بأنّ للإخوان أخطاء وجدتُ العيون تحمرّ، والوجوه تثبت وكأني كفرتُ فأقول لهم: المسلمون هُزموا يوم أُحد وقيل لهم: إنكم أخطأتم، فكيف تريدون أن تبرئوا أنفسكم من كل خطأ، لكنها كانت عصبية عمياء". وهذه العصبية العمياء التي تكلم عنها الشيخ الغزاليّ وانشقّ بسببها هي هي، لم تتغير حتى اليوم، فلا يطيق فرد من أفراد الإخوان أن يسمع كلمة تُخالف ما نشأ عليه وتربى عليه، وذلك راجع إلى ما تربوا عليه من السمع والطاعة المطلقة، لأفراد لا يحترمون الشورى ولا يُلزمون أنفسهم بها، ولا يعتبرون المؤسسات ولا العمل الجماعي، فكيان الجماعة عندهم منفذ لتطبيق أفكارهم الخاصة، وطموحاتهم الشخصية بغض النظر عن رأي المنتسبين، وكذلك فرض قناعاتهم وخياراتهم على جموع المنتسبين بوصفهم قاصرين يحتاجون إلى وليّ يتولى أمورهم!

 

وإذا انتقلنا إلى الجهاديين وجدنا أبرز قادة الحركة الجهادية في الجزائر "الشيخ عاصم أبو حيان" يحدد أسباب انحراف الحركة الجهادية الجزائرية في تنطع قيادة الجماعة وغلوها في الدين؛ وذلك يرجع بحسب أبي حيان إلى "الجهل بأحكام الشريعة وأخلاقها، علاوة على الكبر والغرور، والاستعلاء، وازدراء رأي الآخرين، وما تكتنفه نفوسهم من حقد وبغي وفظاظة، وجهل بآداب الخلاف، كل ذلك مجتمِعاً أدى إلى فساد كبير. بسبب خلوّ الجماعة من الناصحين والمصلحين من أهل العلم والحكمة والعقل. ووصل الأمر بهم إلى سبي النساء واغتصابهن وقتل الأطفال ارتكازاً على فتاوى داخلية لمشايخ الجماعة". هذا كلام أبرز مُنظّري الحركة الجهادية.

 

والسؤال المهمّ: هل غيرت الحركة الإسلامية من نفسها؟ هل زال عنها الغلو في الدين؟ وهل نبذ أفرادها الكبر والغرور والاستعلاء وازدراء المخالفين؟ وهل صفت قلوبهم من الحقد والبغي والفظاظة؟! هناك شيء مهمّ أيضاً يدخل في دوائر التشويه الفكري والعقلي، وهو تعمد تدمير عقل الأتباع لدى الإسلاميين بكافة قطاعاتهم، فلا يهتمون بتكوين العقل وترتيبه، وبنائه على مناهج وأُسس فكرية مشذبة، بل تجد قطاعات الإسلاميين وحواضنهم الشعبية يؤمنون بالخرافات، ويُصفقون خلف كلّ هتّيف، وليس أسهل من أن تقتحم حصونهم بهتاف "الله أكبر"، أو "لا شرقية ولا غربية"، لتكون واحداً من قادتهم أو رموزهم ممن يُنافَحُ عنهم، ويُذَبّ عن ذواتهم، ويُتهم كلّ مخالف بالعمالة أو التشويه الديني والنفسي.  

 

مشكلة التيارات الإسلامية تكمن في مشكلة إدارية تتلخص في أنها لم تؤمن حتى اليوم بالعمل المؤسسي ولا بوجود قواعد حاكمة يتحاكم إليها الجميع وينزلون عليها
مشكلة التيارات الإسلامية تكمن في مشكلة إدارية تتلخص في أنها لم تؤمن حتى اليوم بالعمل المؤسسي ولا بوجود قواعد حاكمة يتحاكم إليها الجميع وينزلون عليها
 

وهذا له تداعيات خطيرة جدا على حاضر ومستقبل تلك الحركات، فعلى مستوى الأفراد؛ نجد كثيرا من أفرادهم غير محصنين ضد أفكار هدّامة أو حماسة فارغة، بسبب اعتمادهم في التحليل والاستقراء وقراءة المشهد وخرائط الصراع على هؤلاء المتصدرين الفارغين الذين يجمعون بين الجهل في الدين والجهل في السياسة وبدهياتها. وعلى مستوى الكيانات؛ نجد الكيان كله يترنح ويصير بلا زمام، وبلا استراتيجية، فلا يدرك مقاصد وجوده، ولا مقاصد ديمومته واستمراره، فيصير عشوائياً تتحكم فيه المتغيرات الإقليمية والأمواج العاتية، ومطامع الدول، أي إن الكيان انتقل من مربع الفاعل إلى المفعول به، ومن الاستراتيجية الخاصة إلى عدم القدرة على الانفكاك من تنفيذ استراتيجية المتحكمين به والممولين له من رجال أعمال ولوبيات مصالح وشبكات عنكبوتية، ربما لا تُدرك هذه الشبكات شيئا عن الإسلام نفسه فضلا عن المشروع الإسلامي.  

 

أين الخلل؟!

مشكلة التيارات الإسلامية (يمينها ويسارها) تكمن في مشكلة إدارية، ومشكلة دينية، ومشكلة سياسية. فالمشكلة الإدارية تتلخص في أنها لم تؤمن حتى اليوم بالعمل المؤسسي ولا بوجود قواعد حاكمة يتحاكم إليها الجميع، وينزلون عليها، ومن ثمّ غابت أي آليات للتسليم والتسلم، والتصعيد والترميز وما أشبه. وهو ما يُسميه محمد السيد سليم بـ"نظرية المحاسبية السياسية"، بمعنى نشوء مؤسسات رقابية وحسابية مستقلة تراقب أفعال الأفراد والقادة.

والمشكلة الدينية أنها جماعات شخصانية متشظية، لا منهج لها، بل تدور حيث دارت القيادة، مع قصور في فهم دوائر عمل الأمّة وعمل الفقهاء، ومهام الدين ومهام الشريعة، وموقع الجماعة والتيار بين هذه المتداخلات. ومشكلة سياسية تكمن في عدم القدرة -العقلية والنفسية والبنائية- على استيعاب تعقيدات بيئة الصراع، ومساحات المناورة في النظام الدولي، وخرائط النفوذ، مما ينتج عنه قرارات خاطئة، هذا إن صدرت أصلا وفق المعطيات السابقة المقترنة بالمشكلات ولم تصدر بالشخصانية والفهلوة المحضة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.