تخلف أفريقيا وقبوعها في براثن الفقر للمتفحص الموضوعي للحالة الأفريقية؛ هذا أمر منطقي، لأن هيكلية الدولة المعسكرة والفاسدة وفشل مشروع الدمقرطة أسباب أساسية في ذلك. |
الجيش والسياسة لا يجتمعان أبدا، كالخير والشر والماء والزيت. فالطبيعة الهيكلية للجيش بمفهومها الأبوي التسلطي وتنفيذ الأوامر دون اعتراض ولا تفكير وشورى، هي طبيعة لا تتواءم مع الطبيعة الديمقراطية القائمة على مداولة السلطة ورفض الانسياق الأبوي التسلطي خلال تنفيذ الأوامر والرجوع إلى السلطات التشريعية كالجمعيات الوطنية أو البرلمانات لمناقشة الأمر، وللسلطة القضائية نقضها والطعن في شرعيتها، إذا المشكلة الأساسية التي تعاني منها الدولة الأفريقية هي مشكلة هيكيلية (عسكر متسلطين يتبعون نظاما أبويا غير ديمقراطي في أعلى الهرم) فمن البديهي أن يكون النظام الذي يحويهم غير ديمقراطي، وكما يقول المثل: كل وعاء بما فيه ينضح.
لذلك شكلت الانقلابات العسكرية الظاهرة السياسية في البلدان الأفريقية وقد حدث ما يربو عن 200 انقلاب عسكري من فترة ما بعد الاستقلال الشكلي حتى الآن، فأصبح العسكر يسعون للسلطة لتكديس الثروة الهائلة في حساباتهم الشخصية والفساد في أعلى مستوياته، فأصبحت الدول الأفريقية تتصدر قائمة أكثر الدول فسادا في العالم، إذ أصبحت السلطة غاية وأداة لتحقيق رغبات العسكر الفاسدة، وبحكم النظام الأبوي للعسكر، فالنقد عندهم خيانة وطنية، وهذا بالضرورة قد يؤدي لتصفية الغير موالين لهم.
لقد أكد رئيس الكونغو الراحل موبوتو ذات مرة، أن كل شيء في الكونغو هو للبيع، لذا فهذه (اللحظة) التاريخية إذا صح التعبير هو سبب فشل مشروع الديمقراطية في أفريقيا، اللحظة التي قضت على آمال لشعوب كانت مليئة بحيوية الوعي الديمقراطي، هذه اللحظة التاريخية التي سعت القوى الاستعمارية والإمبريالية لتحقيقها حتى تصبح مصادر الخام الأفريقية في أيديهم، وقد تحقق لهم ما أرادوا.
لقد توقع الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1974 جونار ميردال، أن قارة آسيا سوف تظل مثقلة بأعباء الفقر والتخلف، بينما أفريقيا ستنطلق نحو التحديث والنهضة، ولكن ما حدث هو تقدم نمو آسيا وتحقق الرخاء الاقتصادي التنموي، أما أفريقيا فتخلفت، لذا فتخلف أفريقيا وقبوعها في براثن الفقر للمتفحص الموضوعي للحالة الأفريقية؛ هذا أمر منطقي، لأن هيكلية الدولة المعسكرة والفاسدة وفشل مشروع الدمقرطة أسباب أساسية في ذلك، وأن الحالة الأفريقية لن تتجه نحو التنمية والتقدم ما لم تحدث تحولات هيكلية هائلة وضرورية، ولتحقيق ذلك يجب حصول الوعي الجمعي لضرورة تحقيق مثل هذا التحول، وذلك هو الوعي الذي ما زال غائبا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.