شعار قسم مدونات

سوف نأكل حشائش الأرض!

blogs ارتفاع اسعار الوقود بمصر

لقطة أولى: في سنتيْ 2014 و2015 اشترت مصر أسلحة وغواصات بعشرات المليارات من الجنيهات. وثقتُ تفاصيل تلك الصفقات في مقال منشور، سأعود إليه لاحقا.

 

لقطة ثانية: في الرابعة من مساء الأربعاء 28 يونيو 2017، صرح وزير البترول المصري طارق الملا بأن موعد زيادة أسعار الوقود لم يتحدد حتى الآن.

 

بعد ساعات معدودة، تحديدا في الحادية عشرة من صباح اليوم التالي أعلن الملا (ذات نفسه!) أن الزيادة في أسعار الوقود، التي تم تطبيقها منذ الثامنة صباحا، ستوفر من الموازنة العامة للدولة ما بين 35 – 40 مليار جنيه. التصريح الأول كان من مقر مجلس الوزراء، وفق ما نشرته الصحف. التصريح الثاني كان أثناء مؤتمر صحفي من مجلس الوزراء (ذات نفسه) أيضا.

 

لم يفسر أحد ما حدث. لم ينتبه أي مسئول إلى أن ما حدث فضيحة حقيقية، استقال وزراء ومسئولو دول أخرى بسبب معلومات خاطئة أهون منها وأقل إضرارا بالشعب، سأسرد أمثلة غريبة منها في نهاية المقال، لكني أريد التوقف قليلا عند الإنجاز الذي احتفى به وزير البترول: توفير 35 مليار جنيه من الموازنة، مع بشرة خير بأن يتم رفع الأسعار مرة أخرى في السنة المقبلة لتوفير مبلغ آخر من الموازنة يساوي هذا الوفر في العام المالي القادم.

 

الذين يركبون المواصلات في مصر يدركون التأثير الكارثي لزيادة أسعار الوقود على أجرة الركوب، كما أن الذين يعيشون في مصر يدركون التأثير الكارثي لذلك على أسعار السلع كلها، لأن سائر السلع إما تُصنع بآلات تعمل بالوقود، وإما تُنقل بمركبات تعمل به

غير أن ما بين اللقطتين السابقتين تفاصيل أخرى كثيرة: تعويم كارثي للجنيه، معدلات تضخم مرعبة، زيادة سابقة لأسعار الوقود.. وبالتالي سقوط شرائح كاملة من الطبقة الوسطى للطبقة الكادحة، ومضاعفة فقر الطبقات الفقيرة أصلا.

 

في مقالي سابق الذكر "الغواصات المصرية وملياراتها السرية" تتبعتُ صفقات أسلحة بحرية في عامي 2014 و2015 اشترت مصر بموجبها 4 غواصات هجومية من ألمانيا، وسفن بحرية مسلحة وفرقاطة وحاملة طائرات من فرنسا، وفي 2016 أعلن وزير الاقتصاد والطاقة الألماني عن مفاوضات لبيع غواصتين (خامسة وسادسة) لمصر، دون أن يصرح لنا أي مسئول مصري بأي شيء عن تلك المفاوضات. إذا راجعت المقال ستعرف أن ثمن الغواصات الأربع يصل إلى 36 مليار جنيه بأسعار الصرف الحالية، خلافا لعشرات المليارات ثمنا للأسلحة الأخرى.

 

الذين يركبون المواصلات في مصر يدركون التأثير الكارثي لزيادة أسعار الوقود على أجرة الركوب، كما أن الذين يعيشون في مصر يدركون التأثير الكارثي لذلك على أسعار السلع كلها، لأن سائر السلع إما تُصنع بآلات تعمل بالوقود، وإما تُنقل بمركبات تعمل به. لماذا تشتري مصر غواصات لم تستخدمها بعشرات المليارات التي يمكن توظيفها لتوفير فرص عمل وسلع محلية قليلة التكلفة وعملة صعبة بعد تصدير تلك السلع؟ فكرت في ذلك، واندهشت لأن أيا من المسئولين المصريين لم يفكر في تبرير الأمر، بل في الكلام عنه أصلا، حتى أن الفريق أسامة منير قائد القوات البحرية السابق كان يخطئ أخطاء عجيبة في تصريحاته عن استلام الغواصات، ويخلط بين استلام الأولى والثانية، واستلام الثانية والثالثة.

 

في النهاية لم ينقذ الشعب المصري إلا تصريحات اللواء كمال عامر، حين بشرنا بأن مصر ستظل قوة تتحطم أمامها جميع العقبات، ضاربا لنا مثلا ملهما بالشعوب التي "أكلت حشائش الأرض لظروف صعبة…"

لكنني مع الوقت اكتشفت أنني لست المندهش الوحيد، ففي جلسة استماع بالكونجرس عن المعونات العسكرية الأمريكية لمصر، وهي جلسة أقرب إلى الفضيحة، نصح الخبراء بتقليل المعونات، مستشهدين بشراء مصر أسلحة معقدة لا تحارب بها، ولم تستخدمها بعد حرب 73، حتى أن إليوت برامز عضو مجلس دراسات الشرق الأوسط نص على صفقات الأسلحة التي اشترتها مصر من ألمانيا وفرنسا، وجدواها.

 

في النهاية لم ينقذ الشعب المصري إلا تصريحات اللواء كمال عامر، حين بشرنا بأن مصر ستظل قوة تتحطم أمامها جميع العقبات، ضاربا لنا مثلا ملهما بالشعوب التي "أكلت حشائش الأرض لظروف صعبة…" لعلك تسألني: من هو اللواء كمال بيه إذن؟ إنه رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان المصري! شكرا سيادة اللواء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* تصريح وزير البترول يوم 28 يونيو
* تصريحه صباح 29 يونيو
* وعده بزيادة أخرى السنة القادمة أيضا
* تقرير عن جلسة الكونجرس لمناقشة المساعدات المقدمة لمصر
* استقالة قائد الشرطة الفيدرالية الكندية بسبب معلومات خاطئة عن مواطن سوري
* استقالة وزيرة الخارجية السويدية بسبب إخفاء معلومة
* استقالة الرئيس التنفيذي لشركة لافارج ، بسبب معلومات ومخالفات لم يعلم بها
* تصريح اللواء كمال عامر عن أكل الحشائش 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.