شعار قسم مدونات

الحياة قرارات واختيارات.. وليست ظروفاً

blogs رجل يقف بظهره

في كثير من أمور الحياة ومشاكلها يتساءل الناس عن القرار الصائب الذي عليهم اتخاذه.. والحقيقة أن الكثير من مشاكل الحياة المعقدة ليست كأسئلة الامتحانات وليست ذات إجابة متعددة الاختيارات ولن تجد لها حل "أ" صحيحا وحل "ب" خاطئ ولكن المعضلة دائماً هي كيف ستتعامل وتتكيف مع تبعات حل "أ" وتبعات حل "ب"..؟ وعدم القدرة علي التعامل مع تبعات حلول امتحانات الحياة يسبب الكثير من المعاناة والفشل لكثير من الناس الذين يبحثون عن الحلول السريعة لمشاكل معقدة.

امتحانات الحياة على عكس الامتحانات الأكاديمية لا تقيس الكفاءة الفكرية و الذكاء الأكاديمي ولكنها تقيس الكفاءة العاطفية والذكاء العاطفي المبني على أسس جوهرية من قوة الشخصية والبصيرة النافذة وقوة الحدس المشحونة بالإيمان، المسقيّة بالتجارب كبوصلة ترشدنا نحو الخيار الأصوب.

مع بزوغ كل فجر يوم جديد تتخذ عشرات القرارات الصغيرة والكبيرة الصائبة والخاطئة طيف واسِع، لا حُدُود له منَ القرارات اليوميَّة. هناك قرارات في غاية الأهمية، هذه القراراتُ هي التي سترسم ملامح مستقبلكَ، وتُشَكِّل حياتكَ. هي المسؤولةُ عن هذا التبايُن الكبيرِ بين الناس مِن حولنا، قرارات يجب أن نعطيَها انتباهًا أكبر، وحِرصًا أشد، وللأَسَفِ يترُكها كثيرٌ منَ الناس للحَظِّ، أوِ الصُّدفَة، أو لغيرهم، أو يَتَّخذونها خَبْط عَشْواء. وقد يكتفي المرء بحلول ترقيعية بدائية.. كأن يطلب من الاهل أن يختاروا له مسارا دراسيا أو اختيار شريك حياة يوافق أهواءهم.. وفي نفس الوقت يوافق أهواءه دون أن يعلموا حقيقة ما يريدُ أو تريدُ.. في محاولة لرمي المسؤولية على عاتق الآخرين.

القرارات التي تعبِّر عن اختياراتنا وطريقة رؤيتنا لأنفسنا واحترامنا لها، تلعب دورًا كبيرًا في رسم شخصياتنا، ونمط حياتنا ومستقبلنا

الحياة خيارات وليست ظروفا في دواخلنا هناك شيء يترعرع يساعد بشكل كبير في تشكيل ما يمكن أن نفكّر به ونتمناه، وما نحبه وما نكرهه، وربما ما نعيش به طوال حياتنا مهووسين به.. نفكّر كثيراً في أن نخترق حواجز الظروف ولكننا نتردد كثيراً في أن نخطو نحو الأمام، وأن يتوقف الزمان في اللحظة التي تفصل بين الحواجز وبين أمانينا وشكل الحياة التي نحب أن نعيشها.. كم يلزمنا من الجرأة لنحطّم هذا الحاجز ونمضي في الطريق لنكون كما نحب أن نكون، أن نتجرد من مخاوفنا، نتردد كثيراً في اتخاذ القرار.. نخاف كثيراً من أن نصطدم مجدداً بتجارب فاشلة عاشها من حولنا لم تجد نورا لمسارها.. نخاف من سطوة ذلك الوجع القديم والألم العميق، من خطوة قرار يعود بنا أكثر هشاشة من الداخل.. أكثر ضعفاً من السابق.

نعيش طويلاً.. طويلاً.. نستشعر طعم التعاسة في قرارات قهر ظروف الحياة كم أخذت منّا ملامحنا، وتفاصيل الحكاية.. فهل نظل مكتوفي الأيادي مستندين على وسادة الضنك والتحسر على الماضي؟ أم نتحرر ونكسر قيودنا فهل نستطيع أن نقف بثبات ونستقل حافلة التفاؤل؟! أم الحالمون الذين لا يرضون -فقط- من يستطيعون أن يتحرروا من زنزانة الحزن العظيم رغم الآلام.. ثم نولد من جديد …

في المقابل هناك قرارات مصيرية في الحياة التي نتعرض من خلالها إلى خطورة نتائج التجربة، فإما أن ننجح أو نفشل، فكيفما كانت النتيجة بالنهاية هي نتيجة لقرارنا. فالقرارات التي تعبِّر عن اختياراتنا وطريقة رؤيتنا لأنفسنا واحترامنا لها، تلعب دورًا كبيرًا في رسم شخصياتنا، ونمط حياتنا ومستقبلنا.

الحياة اختيارات، لو اقتنع الناس اقتناعاً كاملاً أن نجاحهم وفشلهم ورضاهم عن أنفسهم لابد أن يأتي من داخلهم هم أولا لا في اعتمادهم على غيرهم تحقيقه.. وهي يقينا عملية صعبة لمن ألف التواكل على الغير شب وشاب على ذلك لإرضاء نفسه فتصبح مشاعره أسيرة لغيره طيلة حياته… 

الحياة اختيارات، لو اقتنع الناس اقتناعاً كاملاً أن نجاحهم وفشلهم ورضاهم عن أنفسهم لابد أن يأتي من داخلهم هم أولا لا في اعتمادهم على غيرهم تحقيقه

فعلا علينا زرع هذه القناعة منذ الصغر، أن نعلم أطفالنا أن النجاح لا يقاس بمدى جعل الناس راضين عما نقوم به، بالمقابل قد ندفع ثمن ذلك الرضى بخسارة الكثير من الأشياء التي كانت مصدرا للسعادة. علينا أن نتعامل مع الوضعية بالطريقة التي ترضي الله تعالى أولا وقبل كل شيء ثم ترضي الضمائر الحية، فإرضاء الناس غاية لا تدرك. ومادام أن الإنسان راض عن تصرفه فلا تهمه انتقادات الآخرين لأنهم ببساطة أناس مثله. تذكر أنَّ النجاح هو نتيجة لقرارات صغيرة صائِبة، نتَّخذها كل يوم. وفي المقابل الفشل هو نتيجة طبيعيَّة لِقَرارات خاطِئة نَتَّخِذها كل يوم.

تعلَّم كيف تقول: لا، أريد هذا وأرفض ذاك تشبث باختياراتك بمبادئك وقل "لا " في وجه الصعوبات فهذه الكلمة الصغيرة حَمَت الناجحينَ من عواقب كثيرة، تعترض حياتهم كل يوم لتصرفهم عن وجهتهم، وتحقيق أهدافهم فمن لا يدافع عن اختياراته لا يستحق أن يعيش نحن نصنع سعادتنا أو تعاستنا، والحياة اختيارات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.