شعار قسم مدونات

إفراط وتفريط

blogs - mecca
يقف العديد من شباب اليوم عند طرفي أرجوحة، يبحثون عن اتزَان واهم عند أحد الأطراف ولكن هيهاتَ وكلُ طرف متشبَثٌ بمكانه، مؤمنٌ بأفكاره، مُؤلّهٌ لآرائه، لاعنًا الطرف الآخر، ويرى في رأيه كبد الحقيقة الذي لا يخيب، فراح ينصب المشانق للآخرين!
 
وبين اليمين واليسار تضيع الأمة، وما بين تطرف الليونة وتطرف التشدد تاه الشباب، وغرقوا بأفكارهم، وتقاذفتهم أمواج الآراء والتوجهات حتى أضلّوا السبيل القويم، والطريق السليم، وما هو هذا الطريق سوى نقطة الارتكاز الأصلية التي تتوسط الأطراف اللعينة، وما بين التشدد والليونة قامت شرائع، وبنيت حضارات، ونهضت أمم.. قال تعالى:"وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا."

تشدد الليونة

أشدّ ما وقع به هؤلاء من محظور هو الوقوع في مغبة التكفير العشوائي، ففتنة التكفير من أخطر الفتن المستعرة الآن، حتى وقع الأمر بالبعض الى تكفير المسلمين وقتل المسالمين.

نرى كثيرًا من شباب اليوم-للأسف- اتّخذ طريق الإلحاد واللادينية وفصل الدين عن الدنيا، والمؤسف بشكل أكبر أنه لم يتبنى هذا الطريق بأسلوب البحث والدراسة والتفكير والاستنتاج، وإنما كان إمعة لقوم فأضلّوه، أو كان هائمًا على وجهه فتلقفته دياجير الضلال فهوى معها، وترى البعض الآخر يلجأ للخروج من دوامة تأنيب الضمير الانساني فيتبنى الإلحاد سبيلًأ.

وعلى نفس الشاكلة نجد البعض أغواهم مصطلح "الحرية الدينية" فتراهم يبررون الخاطىء وينتقدون مفاهيم عقائدية سماوية تحت نفس المسمى السابق. وتجدهم لم ينفكوا عن متابعة كلام المستشرقين والدراسات والأبحاث الأجنبية المتعلقة بالعقائد والأديان التي تدس السم في الدسم، وتجادل في الثوابت والأركان لتهزَ الأساسات في النفوس بمنتهى الصفاقة والوقاحة.

ومع الوقت يتضاءل أفق الرؤيا فيقع المحظور بتبنيهم بنات أفكار فئة الملحدين واللادينيين، قال تعالى:"أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ". وإنّي هنا لا أدعو إلى عدم إعمال العقل والبحث والتمحيص، ولكنني أركز على فكرة توجيه هذا التفكير، والبحث عن مصادر موثوقة أصلية لا دخيلة، والتحري المتواصل عن الصواب.

تشدد التطرف
وفي كفة أخرى نرى فئة من الخوارج تجدد خروجهم- وإن كان حديثًا علينا ذلك في زماننا-، فئة تتميز بالجمود العقلي وتشرَبهم للأفكار المعلبّة بغياب الفكر ووسطية التفكير.. نراهم يعيثون فسادًا في الدين والدنيا، وينتشرون كالنار في الهشيم، يغذيهم الجهل والفقر والحماس الأعمى للدين.

وأشدّ ما وقع به هؤلاء من محظور هو الوقوع في مغبة التكفير العشوائي، ففتنة التكفير من أخطر الفتن المستعرة الآن، حتى وقع الأمر بالبعض الى تكفير المسلمين وقتل المسالمين وما ذلك إلّا دلالة على إغفال مقاصد الشريعة الحقّة، وضحالة ثقافية وفكرية، وهذا سبب رئيسي من أسباب نكبتنا الحضارية في وقتنا الحاضر.

 البعض أغواهم مصطلح "الحرية الدينية" فتراهم يبررون الخاطأ وينتقدون مفاهيم وعقائدية سماوية. ولم ينفكوا عن متابعة كلام المستشرقين.

كما أساء هؤلاء الخوارج لمفهوم الجهاد أيما إساءة حتى أصبحت مشروعية الجهاد تناقش في المجالس، وأصبح العديد ممن يصطادون في الماء العكر يقارنون الجهاد بالإرهاب وشتان بينهما!. والكلام في تشويههم لتعاليم الاسلام المختلفة يطول ويطول.

إلى أين
أردت من هذه المدونة توجيه نظر أحاديي الرؤيا نحو الطرف الآخر، وإدراك مخاطره وتحييدها قبل الوقوع في مصائده، أردت بذر فكرة "وكانوا بين ذلك قوامًا"، وأنّ من الواجب علينا أن نتمسّك بالمبادىء والثوابت ونزحزح قدسيّة الآراء قليلًا ونتقدم خطوة نحو الاعتدال والتوسط، أردت تبيان أنّ الدين لا يؤخذ بالغلظة والفظاظة ولا يؤخذ أيضًا بالليونة والانحلال. وفي الختام ونحن نرى الأرض تهتز من تحت أقدامنا جميعًا، وددت أن اقول للجميع أن اخلعوا الأقنعة واجتمعوا في صف واحد وعلى كلمة واحدة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.