شعار قسم مدونات

رسائل على هامش قضية محمود حسين

blogs - محمود حسين

عندما تصطدم بالظُلم تلجأ لدُروبٍ كثيرة للتملُص منه ورفع رِبقته عنك وتُحاوِل التخلُص منه ليس إلا لذلك الشُعور الذي ينتابك من داخلك بهذا الامتهان الذي أظلك دونما جريرة اقترفتها يداك، أو فعل آثيم ارتكبته ليلحق بك ظلام هذا الظُلم، الأب المُراسِل الذي يُعاود وطنه لزيارة أهله ويلتقي بهم كعادتهِ تُمسِك به يد لا تُريِد أن تُفلِته اليوم ويدخُل في دائرة الحبس الاحتياطي التي لا تتوقف، من هُنا كان واجبنا أن نُشاهِد من بعيد، ماذا يحدُث للزميل الوالد.

الرسالة الأُولى: في علم المُصطلحات لا يُنظَر إلى المُصطلح اعتباطًا دونما ارتباط بالظُلة والبيئة التي نشأ فيها، فكل مُصطلَح يحمل شُحنة دلالية أو حُمولة مفاهيمية تُعبَر عنه، كذلك اعتقال محمود حسين لا يُمكِن اقتطاعه من سِياق كونه من مؤسسة الجزيرة ولا يُمكِن تصوُر ذلك حتى وإن كانت العلاقة هي علاقة مُوظَّف بمؤسسته دُون وجود وشيجة انتماء أو ولاء لمنظومتها القيمية لا الإدارية، والنِظام المصري لن يستطيع الفصل في ذلك الأمر لعدم جدواه من الأساس بالنسبة له لا لما تقدّم من أسباب نظرًا لحالة العداء المُحتدَمة بين النِظام ومؤسسة الجزيرة بل بين النظامين المِصري والقطري، النظام استغل الفُرصة التي سنحت له بالانتقام من المؤسسة الإعلامية التي تُناوِئه عبر فِكرة اغتيال الأشخاص وهو ما نعتبرهُ عجزًا فِكريًا وإعلاميًا حادًا وإفلاس في ميدان الفِكر والمُناوئة بالحُجة والقرينة.  

أُريِدك قويًا فقد تمُرّ عليك الأيام والشُهور دون إجراء وتُصبِح سياسة الإبقاء على الحال هي القانون وكأن حال عبد الله الشامي يمتثِل أمام ناظريك وأيامٌ تتلوها أيام تُسلَب من عُمرك دون چريرة وكأن العُمر يتوقف

الرسالة الثانية: الأُمور المُختلَفة في التعامُل مع محمود حسين كإنسان "مسجون" سجنًا احتياطيًا، ففي أول مارس طُبِّقت عُقُوبة من النادر أن يتم وضعها أو تُوقيعها على مسجون سجنًا احتياطيًا فتغاضت مصلحة السُجون في قانون تنظيم السجون رقم 396 لسنة 1956 وكافة التعديلات الدخيلة عليه والتي تشتمل على 98 مادة عن كافة الحُقوق والاستحقاقات للمحبوسين احتياطيًا ولم تتذكر سُوى بند الإجراء العقابي للإمعان في إيذاء الصحفي بصفتهِ وشخصهِ والعمل على إرساء الانهزامية في أوصال نفسهِ مع التشديد عليه في أفعالهِ العادية وتصرُفاتهُ العفوية مع كسر هيبته وكرامته كرُجل كواحدة من أبرز قِيم التعامُل في السُجون المصرية المُخالِف بالطبيعة لرسالة السُجون التهذيب والتأديب والإصلاح، وكأنها تهذيب خُلقك بألا يُفكِر أن يُناوئ ويعترض، وتهذيب لسُلوكياتك بألا يمُر في خيالك أن تُعارِض وتُحوِّل هذا الفكر لسُلُوك، وإصلاح بأن نُفسِدك لأن المُصطلَح ليس بالضرورة أن يكون له تعريف واحد لدى الأقطاب المُتنافَرة. 

الرسالة الثالثة: على هامش هيئة الدِفاع قاصدًا بالذِكر الأُستاذ والحُقوقي / جهاد البُرعي – والذي اختلف معه جُملةً وتفصيلًا – ولكن تُفاجِئ في احدى مُداخلاته أنه يُعبِر عن مُوكله بأنه لا يضجرهُ سوى حبسه انفراديًا ورغبته هي الانتقال من سجنٍ انفرادي إلى سجنٍ عُمومي، أي تحسين ظُروف الاعتقال! فقط ونحن في هذا الآتون من حِقب حتى انصهرنا فيه، وهو الارتكان إلى الأوضاع الفاسدة وأتذكر أن المُفكِر / مالك بن نبي كان يستشعر بمأساة تِلك الإشكالية وهو أن مُسلِمي هذه العُصور يرتكنون إلى الأوضاع الفاسدة ويُوادِعونها، وأنا ما أردته هُنا هو القياس وكأن المُعضِلة هي ظُروف الحبس! نظرية أنصاف الحُلول، أنصاف الحق، أنصاف الأُمور وهي أُمورً مرفوضة شكلًا موضوعًا وعلى هيئة الدِفاع أن يكون لديها استعلاء، وهو في هذا الإطار ليس من الصفات المذمومة بل هو أمرٌ ممدوح ومحمود بل لا بُدّ منه وأن تُمارِسهُ إعلاءً لحُقوق هذا الرُجل وأن تختار المُتحدِثين باسمها حتى لا يخرُج مثل هذا التصريح الذي يُعمِّق المأساة النفسية. 

أريدك مِقدامًا لا تلتفت ولا تُطأطأ لأن من اكتسب الحق وسرى فيه مسرى الدم من العُروق ما استطاع أحدًا أن يكسره لأن ظهره تستند إلى رُكن شديد ألا وهو الله

الرسالة الرابعة: وكأن يمتثِل أمامي مشهد أحمد زكي أمام هيئة المحكمة في فيلم ضد الحُكومة، "ولكنني اصطدمت بحالةٍ خاصة شديدة الخُصوصية"، وكأني أراه مُمتَثلًا أمامي إلى أبي الفاضل الذي لم يُسعِفني الحظ أن أُلاقِيه يومًا أو أراه ولكنني وجدته في أبنائه الذين لاقيتهم وتعاملت معهم ولو كان ابنًا واحدًا، زميل المهنة والأب الحاني، نحن لا نأتمل شيئًا من أحد إلا من الله وبالله الذي دومًا يُضفِي معيتهُ علينا طالما التمسنا دربهُ وحققنا اشتراطات الإيمان وقُبُول الدُعاء والقيام بما نستطيع حتى عندما يرى في عليائه عجزنا الدُنيوي الآسِن المُوازِي لغاية بذلنا وأقصى فِعالنا ينصُرنا

أُريِدك قويًا فقد تمُرّ عليك الأيام والشُهور دون إجراء وتُصبِح سياسة الإبقاء على الحال هي القانون وكأن حال عبد الله الشامي يمتثِل أمام ناظريك وأيامٌ تتلوها أيام تُسلَب من عُمرك دون چريرة وكأن العُمر يتوقف. وأريدك مِقدامًا لا تلتفت ولا تُطأطأ لأن من اكتسب الحق وسرى فيه مسرى الدم من العُروق ما استطاع أحدًا أن يكسره لأن ظهره تستند إلى رُكن شديد ألا وهو الله 

لا يسعني حديثًا كثيرًا، هذا كلامٌ مُبسّط وقد يكون أجوف لا قيمة لهُ ولكن قد كُب أُناس في النار على وجُوههم إلا حصائد ألسنتهم وأيضًا أن للكلمة سريان فيرفع الله به ناطقها للعِليين. وتظل هذه الكلمات كأجساد الدُمى المُصنّعة من الشمع ولكنها ستنتفض حية يومًا ما، وإذكاء جمرة القضية أهم الواجبات الآن لأن ليست هُناك غُصّة أشد من أن يشعُر الإنسان بوحدته وهو حوله الناس. الزميل والأب، ردك الله إلى أهلك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.