شعار قسم مدونات

أيقظهم الموت قبل أن توقظهم الحياة

blogs- خان شيخون
ما أبشع أن ينقلب هدوء ساعات الصباح الأولى إلى عويل وصراخ، بدل الاحتفاء بيوم جديد أفضل من سابقيه، ما أبشع أن يلوح شبح الموت منذ الصباح الباكر فيخطف أرواحا بريئة على حين غرة، ما أبشع أيضا أن تشرق الشمس على أشلاء براعم، بدل أن تشرق عليهم وهم يلعبون، ويوزعون البراءة على حياة الاحتراب والدمار الكئيبة.


ما أعظم أن يختلط نقاء هواء الساعة السابعة والنصف صباحا بغاز السارين السام فيصيب أعضاءهم بالجمود ونبضاتهم بالاستسلام، 
أطفال عرايا، فتحوا عيونهم للحياة، فزارهم الموت، وبدل أن  يغمضها تركها مفتوحة، ربما دليل ذلك أن البراءة لا تقتل، وأنهم رغم الموت يستحقون الحياة، منهم من شخص نظره نحو الأعلى، ومنهم من يزفر الغاز من رئتيه الصغيرتين ينتظر أن يشهق النفس الأخير، فمؤكد أن الموت هو الراحة بعينها بالنسبة له في تلك اللحظات، تلك الطفلة التي تتوسد كتفه، غارقة هي الأخرى في التأمل ربما إلى العالم الآخر، وذاك الذي يتخبط تحت وقع تدخل الأيادي المغيثة التي ترش جسده الغض.


أيام فقط ونغرق مرة أخرى في عد الاجتماعات والمفاوضات التي لا تعدو إلا أن تكون مفارقات، وشعائر، وطقوس فارغة، أكثر من كونها سلوكيات جادة لفرض السلام، سيتكلم مجلس الأمن، وسنسمع تلك الخطابات المعهودة التي حفظناها والكلمات التي سئمناها، سنسمع عن انتهاك قرار جينيف.

إيلان، عمران.. أطفال إدلب والغوطة الشرقية أطفال خان شيخون براعم سوريا التي اغتالها الغادرون، ولم يكفوا أيديهم عن أفعالهم المشينة، أسباب كفيلة بالتيقن أننا نعيش لقطات مسلسين بارزين، أحداث المسلسل الأول سريعة جدا، تتلخص في لقطات دموية غارة ،قتل، إبادة غاز الكلور، قنابل عنقودية، وغاز السارين.. في المقابل مسلسل ثان بطيء جدا، يتضمن صور قلق دولي، واجتماعات، ومفاوضات بلا نتائج  في أن تعطي مبررا لتواصل حلقات المسلسل الأول وربما تكون نتائجها عكسية، وربما يتعاظم دورها أيضا في أن تعطي قفازات الموت للقاتل حتى لا يترك بصمة تثبت إدانته.

ساعات قليلة على الفعل الوحشي وينزل الستار على مسرح الاشلاء، كما نزل على غيره، ساعات قليلة أو ربما هي دقائق، ستخمد فيها عبارات "الغازات السامة والمحرمة دوليا" ستسكت الأفواه عن عبارات "قتل وأطفال واشلاء وإغاثة" وستحل عبارات أخرى من قبيل: الأمم المتحدة، الاجتماعات الطارئة، جريمة حرب، قرار جنيف عدد2118 " و2209 و2235″حتى يلهينا الإحصاء ونتذكر الأرقام بدل فحوى القرارات.


أيام فقط ونغرق مرة أخرى في عد الاجتماعات والمفاوضات التي لا تعدو إلا أن تكون مفارقات، وشعائر، وطقوس فارغة، أكثر من كونها سلوكيات جادة لفرض السلام، 
سيتكلم مجلس الأمن، وسنسمع تلك الخطابات المعهودة التي حفظناها والكلمات التي سئمناها، سنسمع عن انتهاك قرار جينيف، وانتهاك صارخ للقانون الدولي وعن الإدانة الدولية، إلى غير ذلك من العبارات المعتادة، سنسمع بلا شك عن قلق أممي وعن تصريحات دي مستورا وعن الجهود الرامية لإحلال السلام.. 


سنسمع كل ذلك بلا شك، وسيذاع أكثر من مرة في ساعات اليوم الواحد، لكن من السذاجة التفاؤل والاستشراف خيرا بهذه العبارات، فأن نظل قانعين أن مجلس الأمن الدولي أو الأمم المتحدة سيجود علينا بالسلام، فإننا نظل ندور في حلقة مفرغة، أن نظل قابعين ننتظر الحل من اجتماعاتهم المزيفة وإداناتهم، هذا ليس حلا بقدر ما هو تسول "سلام" من دجالي السلام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.