شعار قسم مدونات

شفيق ليس حلاً لأوجاعكم

blogs أحمد شفيق

لا حديث طوال الأسبوع المنقضي على كثرة الأحداث وازدحامها بشكل رهيب، يضاهي الحديث عن القنبلة التي ألقاها الفريق أحمد شفيق بإعلانه عن نيته الترشح في انتخابات الرئاسة المصرية القادمة، القنبلة الحقيقية كانت حديثه الصريح والمباشر في بيان مصور أذاعته قناة الجزيرة، عن تدخل دولة الإمارات العربية المتحدة في مصير وشؤون مصر الداخلية -حسب وصفه- وذلك بمنعه من السفر.

 

أدى ذلك إلى زلزال حقيقي تمثل في أحداث متلاحقة بدأت على الفور بتصريحات من وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتية "أنور قرقاش" عن عدم صحة القول بمنعه من السفر من قبل السلطات الإمارتية، ثم تسريب خبر عن مغادرة الفريق شفيق الإمارات إلى فرنسا في مستهل جولة أوروبية لمقابلة الجاليات المصرية هناك، ثم فجأة القارعة.. بإلقاء القبض على المرشح لرئاسة الجمهورية المصرية سابقاً ولاحقاً وترحيله إلى مصر في سابقة هي الأولى من نوعها تحدث لمرشح رئاسي لدولة بحجم مصر وبحجم الفريق أحمد شفيق.

 

ثم في إيقاع لاهث بشدة يختفي شفيق عن الأنظار بمجرد وصوله إلى مصر وتنقطع أخباره عن أسرته وعن محاميته، ثم كما اختفى يظهر على شاشة فضائية مصرية متراجعاً عن ما قاله معلناً انتهاء حبوب الشجاعة التي على ما يبدوا كانت وراء ما أعلنه على رؤوس الأشهاد.

 

تنوعت التحليلات وكما هي العادة كان التحليل الأكثر شعبية الذي يستدعي نظرية المؤامرة المميزة للعقلية العربية والجاذبة الشعبية، فيتعمد بعضهم عن سذاجة أحياناً وبغرض اجتذاب الجماهير أحايين والظهور بمظهر العميق غالباً في الإمعان في تفريغ كل الأحداث من مضمونها السياسي والإيحاء بالمؤامرة، في رأيي كان قرار الفريق أحمد شفيق قراراً شخصياً بلا مواربة، بلا استئذان الإمارات أو الاتفاق مع المؤسسة العسكرية المصرية ليكون بديلاً عن عبد الفتاح السيسي كما روج بعضهم في بداية الأحداث الدرامية التي لم تنتهي فصولها بعد.

 

 

ذروة الدراما كانت عندما ظن البعض خطأً أن نزول شفيق معناه تغير في الموقف الخليجي وموقف المؤسسة العسكرية، وبالتالي تسرع بعضهم في إعلان التأييد للمرشح المزعوم، في الحقيقة وحتى إذا كانت تلك النظرية صحيحة -وفي الأغلب هي ليست كذلك-، فلنسترجع معاً درس التاريخ حول تلك المسألة، أمامنا حالة مهمة استدعاؤها واجب وضروري، كانت حالة الحريات السياسية في وقت حكم الرئيس جمال عبد الناصر في أدنى مستوياتها على الإطلاق، ومع رحيله جاء خلفه أنور السادات ببشارة إنهاء عصر الخوف والقضاء على زوار الفجر، ثم أعلن الرئيس الجديد في أوج صراعه على قمة السلطة مع باقي أركان نظام عبد الناصر هدم المعتقلات والإفراج عن المعتقلين السياسيين، والنكوص على سياسات سلفه بشكل كامل.

 

هل يعتقد البعض أن شفيق سيتحول فجأة إلى داعيه للديمقراطية والحريات وهو الذي يقف خلفه صراحة كل فاسدوا عصر مبارك؟

استبشر كل خصوم ناصر خيراً بعد أن بدأ الرئيس الجديد فعلاً في إجراءات وصفها بأنها إعادة للديمقراطية ودعوة لإنشاء أحزاب سياسية ترأس هو نفسه واحد منها -الحزب الوطني الديمقراطي- والسماح لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين بإعادة إحياء الجماعة من جديد، وغض الطرف بل والرضا عن القضاء على اليسار بخطاب ديني شديد الوطأة في الجامعات وفي القرى عن طريق المساجد، وإطلاق اسم "دولة العلم والإيمان" على دولته بعد إطلاق اسم "الرئيس المؤمن" رسمياً عليه هو رسمياً.

 

ثم ماذا بعد، هل كان فعلاً السادات أو الرئيس المؤمن صاحب أيادي بيضاء على الحريات السياسية؟ وهل فعلاً عادت الديمقراطية؟ حكم السادات مصر قرابة ١١عاماً انتهت بإطلاق الرصاص عليه من قبل منتمون إلى تيار الإسلام السياسي الذي كان أحد أهم أدوات السادات للقضاء على أعداءه اليساريين مؤيدي عبد الناصر، وقبل وفاته كان السادات قد فتح السجون والمعتقلات على مصراعيها معتقلاً كل رموز العمل العام بلا استثناء على اختلافهم وتنوعهم، فيما عُرف باعتقالات سبتمبر، ضارباً عرض الحائط بكل الذي نادى به في اليوم الأول لحكمه عندما كان ما يزال ضعيفاً، وعندما كان يحتاج إلى دعم في مواجهة أركان حكم دولة عبد الناصر في العام الأول من حكمه.

 

عودة إلى الحاضر، ولندع إلى جنب كتاب التاريخ العزيز، يحتاج الفريق شفيق اليوم إلى كل خصوم السيسي، فهل يعي من يهرول إلى تأييد السيسي أننا أمام سادات آخر؟ هل يعتقد البعض أن الجنرال شفيق سيتخلص فجأة عن عداءه لمعسكر الثورة الذي أطاح به من رئاسة وزراء مصر مرة ومن حلمه بالرئاسة الذي اقترب بشده من التحقق في انتخابات ٢٠١٢، هل يعتقد البعض أنه سيتحول فجأة إلى داعيه للديمقراطية والحريات وهو الذي يقف خلفه صراحة كل فاسدوا عصر مبارك؟

 

لا أعلم من أين جاءت تلك الفكرة يقيناً على أذهان البعض، أدرك تماماً قسوة الأوضاع الحاليّة على الجميع في ظل حكم دولة السيسي العسكرية، ولكني أقولها بكل صراحة للجميع، شفيق ليس حلاً لأوجاعكم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.