شعار قسم مدونات

مظهريةٌ جوفاء

blogs - mosque
كان الرسول صلوات ربي وسلامهُ عليه يُؤسِّس لعقيدةٍ تغزو العُقول والقُلُوب تُبدِّد غياعِب الجاهلية الآسِنة وأوضارها المُترسِبة في النُفوس والتي تُخالِج حوايا الصُدور، يسعى في دأبٍ حثيث إلى تمكين الإسلام في نُفُوس حَملتهِ حتى يستطيعوا إقامة الأُمّة التي سيُمكَّن أبناؤها عما قريب من حُكم رِقاع العالم وبِقاعهِ.

هذا هو الهَم الأَچلّ والغاية القُصوى من مدرسةِ النُبوة لمُعاِمها الأول رسول الله صلّى الله عليه وسلم، تأسيس الإنسان وباتت حقيقة هذا الأمر عندما أسَّسَ النبي المَسچِد ليُقيِم الوِصال الذي لا تتفتق عُراه ولا تنفصم حبائله، بين المُسلِم ورّبه.

والنبي قائِمٌ بالدعوة على أمر صحابتهِ يُعلِّمهم ويُربِّيهم ويستغفر لهم ويُزكِّيهُم ويرفعه عن ثُقلةِ الأرض ويُحرِّرهم من أغلالها الني كانوا يرسفون فيها فيستقيمُ لربِ الأرضِ توحيدُ وتعلو كلمته وتُسفَّل كلمة الكافرين.

يتقربون إلى الطواغيت والظُلام من الحُكام ويُذعِنون لهم ويُمالِئونهم ويُداهُنونهم ظنًا كاذبًا طاعة ولي الأمر في ظِل الفِكر المدخلي الذي غزا دِيار المُسلِمين.

ولكن بدأ الصرح يتهاوى وتتصدع لبِناتهُ لما تهاوى فُوَّمهُ وأعمدته، ووُعود اللهِ تسري على الأُمة لا تُخلِف قول قائِلها وهو ما نطقَ يومًا عن هوى وكثُرَ الغُثاء وتحللت الأمة من عُقودها المُبرَمة مع خالِقها وتفتلت الحبائِل وتهاوى رُكن الرِسالة الأعظم من قول لا إله إلا الله إلى إضاعة الصلاة وتضييع الشريعة وعصفت البِدع والجهالات والمُنكرات بالبُنيان الأشّم فكان لِزامًا وُقوع العِقاب فأتى الله على القواعد فخَرّ السقف على أُمة مُحمّد.

في ظِل هذا التِيه والانحدار والتردي بدا للمُسلِمين المُتأخِرين الذين يَحيّون في ظِلال أطلال أُمّتهم الأسيفة أن تغليب "الصُورة" الشعائرية والمظهر التعبُدي هو بابٌ لإرضاء الله وهو كِفايةٌ عمن سِواه واصطنعوا عملية تغليف مُذهَّبة عصرية خلعوها على أفعالهم وأقوالهم لكي تَسُرّ الناظِرين وتجعلهم في بوتقة الإيمان والإسلام والتديُن ودشَّنوا عملية إحلال وتجديد في العقيدة ذاتها ككُل ففرَّغوها من ثوابتها وأُصولها وأوتاد فُسطاطها وأبدلوها بالذي هو أدنى فيصير الأمر أمام أنفُسنا وغيرنا إننا نقوم بحُقوقِ اللهِ وفرائِضه.

وفي ذلك ما لا يُستطاَع حصرهُ فلا يَكفُون عن إطلاق أسماء ومُصطلحات من القُرآن والسُنّة والصحابة الكِرام على حوانيتهم ومَحالهم وشوارعهم وإن سألتهم عن معناها ترى وكأن على رؤوسهم الطير.

يضعون المَصاحِف في سياراتهم تبرُكًا وحِفظًا لهُم والغُبار قد تراكم في صفحاته العزيزة كِناية عن إهمالهِ وعدم الأخذ به.

شديدو الاعتزاز بتاريخهم الوضّاء وكيف سادوا الدُنيا قُرُونًا وحكمها أچدادهم من شرقها إلى غربها وإن استفسرت من أحدهم عن، في أي سنة هِچرية نحيا يُبهَت ولا تخرج الكلمات من فِيّهِ.

تتحجب إحداهُن وهي تُؤمِن بما ترتديه ولا علاقة لملبسها البتة بالحِچاب الذي شرعهُ اللهُ ورسوله ولكن حتى لا يُقاَل أنها مُسلِمة وفي مُچتمع مُسلِم ولا تلتزم بما افترضهُ الله عليها وهذا لا يقف حائِلًا البتة أمام تشكيل الحِچاب بنكهةِ إسبانية أو تُركية أو ماليزية وكأن الحِچاب قد أُنزِل على هيئة "كتالوج" أو قاموس مُفهرَس" تُنتقَى تصاميمه وألوانه، وهذا مما قد خضع لهوى النفس.

ويأخُذون دركًا في الترّدي والانهيار ويتبركون بالأضرِحة والقُبُور ظنًا منهم أنهم يتقربون إلى اللهِ زُلفى وهم يُمارِسون شِركًا ولا يعلمون.

يغتبطون بسياسة أردوغان الذي فتح مسچد آيا صُوفيا للصلاة وخِطاباته تنتشي بعبق القُرآن والسُنّة، وهو طائراته تدُك أهل السُنّة في حلب وتُساعِد الكيان الصُهيوني في إطفاء حرائق أراضينا المُغتصَبة ولا مانع لديهِ من إقامة علاقات دُبلوماسية واقتصادية وعسكرية مع الرُوس.

تتهلل أساريرهم بمُستشارة أُوباما المُسلِمة المُحچَبة، وأول نائبة مُسلِمة مُحچَبة كذلك في تاريخ البرلمان الأمريكي، وما هُم مُجرَد إلا صُورة فارِغة فقط لحضارة الولايات المُتحَدة الأمريكية التي تبتغي تصدير انطباع مفادهُ احتواء الأديان والأعراق المُتعدِّدة وهُم أوائل طلائع العُنصُرية وسبب بُؤس هذا الكوكب والذين لا يألون جُهدًا في إثخان المُسلِمين وإيلامهم وإفقارهم وتشريدهم في أطناب الأرض.

يتقربون إلى الطواغيت والظُلام من الحُكام ويُذعِنون لهم ويُمالِئونهم ويُداهُنونهم ظنًا كاذبًا طاعة ولي الأمر في ظِل الفِكر المدخلي الذي غزا دِيار المُسلِمين وليس من المداخِلة فقط بل عُلماء سلفية دعوية، والله قد أمرهم بمُقارِعتهم ودحضِهم وألا يُوافِقونهم إلا في طاعتهِ فقط.

ويُحكِّمون شريعة الله في الأحوال الشخصية فقط، وأغلب النِساء والفتيات حتى الآن لا يحصُلن على حُقُوقهِن المفروضة في المِيراث بسبب عُتُو وتعسُف بعض الرجال فيأكُلُونها بينهم بالباطل.

يدخُلون في صِراعات وحِراب فلسفية وجدلية وكلامية لا حصر لها كي يرفعوا عن أنفُسهم وصمة الإرهاب وتناوب في ذلك أحزاب وحركات وجماعات ودُوُل إسلامية فيطوون الأرض طيَّا ليُثبِتوا لهذا وذاك براءتهم من الإرهاب ليشغلوا أنفسهم بمعركةٍ واهية لن ينتصروا فيها قط والقلم والسِلاح يُناديهم ليحملوهُما لأن هيئة الأُمم لن تنصُرهُم.

يريدونه إسلامًا أمريكانيًا كما قال الأستاذ / سيد قُطب يُستفتَى في مسائل الطهارة والوُضوء ولا يُناقَش في مسائل الحُكم والاقتصاد والمُجتمَع.

فماذا حدثَ للمُسلِمين؟
الذي حدثَ هو مِصداقًا لِما وُرِد في سُنن ابن ماچه فعن حُذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: "يَدرُسُ الإسلام كما يَدرُسُ وَشْيَ الثوب حتى لا يُدرى ما صيام ولا صلاة ولا نُسُك ولا صدقة، وليسري على كتاب الله عز وچلّ في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية، وتبقى طوائِف من الناس : الشيخ الكبير، والعجوز ، يقولون أدركنا آباءنا على هذه الكلمة: لا إله إلا الله، فنحن نقولها"

تِلك الحالة من فُشُو الجهل، ويا ليته الجهل فقط ولكن الرغبة المحمومة في تغييب الإسلام كعقيدة وجعله صُورة فقط وترسيخ ذلك شًموليًا من الرأس إلى الجسد والعُكُوف على وضع إسلام جديد ودين آخر، إسلامًا أمريكانيًا كما قال الأستاذ / سيد قُطب يُستفتَى في مسائل الطهارة والوُضوء ولا يُناقَش في مسائل الحُكم والاقتصاد والمُجتمَع. إسلامًا أجوف لا حقيقة له، ظِلٌ فقط، لا يُهاَبُ منه مِثلما بُعِث، لا روع فيه، ليس مَخوف الچنابِ حرام الحِمى.

الهيبةُ الضائِعة، التفريط المُهيِن في الثوابت، حُبُ الدُنيا وكراهية الموت، غُثاء السيل، دينًا ينبطِح للعقائِد المُحرَّفة والديانات الأرضية المُنبعِثة من هوى البشر ضربات توالت على مُعتنقِي هذا الدين حتى صار لُقمة سائغة تُلاكُ بها أفواه الكُفار.

استدعى هذا الأُستاذ محمد قُطُب مُستفسِرًا: هل نحنُ مُسلِمون؟ ليؤكد أن هُناك بونًا شاسعًا بين الإسلام الذي أُرسِل به رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي علّمه لصحابته رُضوان الله عليهم وبين هذه الجُزئيات المُبعثَرة التي لا رابط بينها ولا دلالة فيها كالرقعة الشائهة في نسيج غير متناسق الأجزاء –على حد وصف مُحمد قُطب– رحمة الله عليه وعلى أخيه.

ولكنه أرسل وميضًا في نهاية الكتاب وها هُنا نحن على دربه أن المُستقبَل للإسلام والتمكين له بصُورته الصائبة قادم لا محالة. والحمدُ لله رب العالمين وما أُبرِئ نفسي إن النفس لأمارة بالسُوء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.