أيها الإخوة والأخوات، هل رأيتم جبلًا تهزُّه الرياح؟! ستجيبون بأن هذا مما لم يحدث، ولا يمكن أن يحدث! فالجبل راسخ الأصل، ثابت الأركان، لا تزعزعه رياح أو أعاصير، وحينما تتحدث عن امرأة تماسَكَتْ أمام فاجعة، أو رجل ثَبَتَ في مصيبة؛ فإنك ستصفه بقولك: "فلان جبل!".
والجبل لا يكون جبلًا إلا حينما تكون أصوله وجذوره ممتدة في أعماق الأرض، وكلما كانت أعمق ازداد ثباتًا ورسوخًا، وكذلك المسلم إذا كان إيمانه ثابتًا، وعقيدته راسخة، فإنه يثبت حينما تهزّه شبهات أو شهوات، وهذا يكون بالإقبال على الوحي: الكتاب والسنة، دراسةً، وتعلمًا، وفهمًا، وتدبرًا، فإن كنت كذلك فأنت "جبل"، وإن لم تكن كذلك فأنت عرضةٌ لأي اهتزاز واضطراب لأدنى نفحة هواء! لأنك بلا جذور تثبتك، فأنت كعود وُضِع على الأرض واقفًا، دون أن يكون في باطن الأرض منه شيء! يقع لأي نسمة وحركة!
أردت فيما سبق أن أبيّن أن الجبل هو العالم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكل من يسلك طريقه، ويقتفي أثره، فهاهم ثابتون في هذه الزوابع والفتن والمؤامرات التي تحاك ضد أهل الإسلام، ليقينهم بما قرأوه وتعلموه في الكتاب والسنة، وأما العود فهو الذي قد أعرض عن العلم والتعلم، فتراه لا يسأل ويبحث إلا حينما يسمع بشبهة هنا وهناك، وذلك بعد أن يتشربها قلبه، وتخالط لحمه ودمه، فلا يقوى على ردِّها لقلة العدّة، وضعف الزاد!
ومما يُكْتَبُ بماء العيون ما جاء في التاريخ الأوسط للبخاري أن عبد الرحمن بن أبزى قال: قلت لأبيِّ بن كعب لما وقع الناس في أمر عثمان رضي الله عنه: أبا المنذر، ما المخرج؟ قال: كتاب الله ما استبان لك فاعمل به، وما اشتبه عليك فكِلْه إلى عالِمِه!
المسلم إذا كان إيمانه ثابتًا وعقيدته راسخة فإنه يثبت حينما تهزّه شبهات أو شهوات، وهذا يكون بالإقبال على الوحي: الكتاب والسنة |
والناس في زمن الفتن والأزمات على أقسام: منهم العلماء الربانيون، الذين رُزِقوا علمًا وعملًا غدوا بها جبالًا تتكسر عليها مشاريع أعداء الأمة، ودعاة الباطل، والقسم الثاني هم السواد الأعظم، وهم جماهير الناس، الذين يملكون غيرةً على دين الله، وتفانيًا في نصرة الحق، فهم يحتمون بالعلماء الربانيين، ويصدرون عن أمرهم، ويأخذون بمشورتهم.
وقسم ثالث ليسوا بعلماء، ولا ممن يقيم للعلماء قيمةً، فميزانهم عقولهم الخاوية، وأفكارهم المضطربة، فتراهم تارة ذات اليمين، وتارة ذات الشمال، يسارعون فيما حقه التأنِّي، ويتأنَّون فيما حقه المسارعة، بخلاف أهل البصيرة الذين يعرفون ما يتأنون فيه، وما يسارعون فيه، وقد جاء عن مطرف أنه قال: "أتى على الناس زمان خيرهم في دينهم المتسارع، وسيأتي على الناس زمان خيرهم في دينهم المتأني".
وقال أبو أحمد الفراء: "سألت علي بن عثام عن تفسير هذا الحديث -يعني قول مطرف- فقال: "كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذا أُمِروا بالشيء تسارعوا إليه، وأما اليوم فينبغي للمؤمن أن يتبيّن فلا يُقدِم إلا على ما يعرف!".
فإن كان هذا في زمان كزمان مطرف؛ فما عسانا أن نقول في زماننا هذا؟! فيا أخي المبارك، ويا أختي المباركة: الثبات الثبات، والحرص الحرص، ولتكن هذه الليلة انطلاقة لك للترقي في ميادين العلم والتعلم في رياض الكتاب والسنة، لتكون جبلًا يحتمي به غيره في قادم الأيام!
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.