شعار قسم مدونات

تفاهة العظماء..

blogs-غاندي

كان أروع مافي مارتن لوثر كينغ أنه بذل حياته ليكون موظفاً في أمريكا البلد الغنية والأقوى في العالم . لا بأس، قد يكون خطب في نفر من أقرانه الذين كانوا يوماً ما من نفس بشرته، قد يكون تعرض لمحاولة اغتيال، قد يكون بالنتيجة اغتيل من مجرم لسبب شخصي بحت، لكنه ناضل ليكون ربما سائق حافلة أو موظف أو مواطن كأي مواطن في أمريكا.
 

لا ندري هل كان يحمل قضية في كيانه وكل تعمقه في الكنيسة وترقيه فيها له علاقة بتلك القضية؟ هل كان رجلا مُلهَماً أو مُلهِماً، لا ندري أساساً ماهي القضية! والتي يعرف فقط أتباعه أنها قضية مهمة وبالتالي لا يهمك أن تعرف قضيته الحقيقية.
 

يكفي أن هنالك جزئية صغيرة من حياته أنه "يسعى ليكون مواطن مثل أي مواطن"، ربما كان يريد أن يكون سائق حافلة أو موظ. هذه الجزئية بصراحة مهمة جداً في حياته، وكذلك جزئية زوجته التي أحبها، كان بالتأكيد يسعى ليكون عنده بيت يعيش فيه باستقرار.
 

يقول بعض أنصاره أن (لوثركينغ) كان لديه حلم غير مهم إطلاقاً هذا الحلم إنها جزئية تافهة من حياته لا تستحق أن تُروى . مارتن لوثركينغ شخصية تستحق أن نكتب عنها وأن نحكي قصصها للناس وأن نصنع عن لون بشرته فيلماً.
 

لعل أشهر شيء في شخصية غاندي، والذي خلده التاريخ أنه كان نباتياً، فقد جمع بين الصوم وبين النباتية

بالمناسبة غاندي شخصية تاريخية عبقرية جداً، ألا يكفي أنه كان محامياً؟ وكان يضع نظارة مميزة في الشكل، ولعل نضاله التاريخي الأسطوري لأجل وجبة طعام بملح، جعلته يقوم بثورة في الهند بعد أن فرضت بريطانيا ضريبة على الملح فالملح يستحق النضال، والتاريخ قد أرّخ (مسيرة ملح غاندي) الشهيرة.
 

وتعتبر صحة غاندي نموذجية، فقد كان يصوم كثيراً وقيل بأنه صام احتجاجاً، ولكن لا يهم، فقد كان الصيام في الهند استشفاءاً ناجعاً ولعل أشهر شيء في شخصية غاندي، والذي خلده التاريخ أنه كان نباتياً، فقد جمع بين الصوم وبين النباتية، وذلك بالتأكيد سر بقائه بصحة جيدة حتى ناهز السابعة والثمانين .قُتل غاندي، يبدو لو لم يُقتل لربما جاوز المئة، فقد كان نظامه الغذائي مدرسة للتاريخ ما بين النباتية والصوم.

غاندي شخصية تستحق أن نكتب عنها وأن نحكي قصصها للناس، وأن نصنع عن نظامه الغذائي أفلاماً فهو قدوة تاريخية في النظام الغذائي.
 

وعلى سيرة المشاهير يحضرنا الحديث عن مانديلا، الذي كان يرعى قطعان الماشية، كان يمضي جلّ وقته خارج المنزل يلعب مع الاولاد، وكان ربما في نفسه شيء لأن والداه كانا أميين.. ولكنه دخل الكنيسة وتعلم لشعوره بالنقص والدونية.

لعل أبرز ما بحياته من مواقف تاريخية يمكن أن تُسجّل أن والده كان متزوجاً أربع نساء
وأم مانديلا كانت الثالثة. نيلسون مانديلا كان من عشائر الزنوج في جنوب إفريقيا، وقد كان يسعى بشكل حثيث ليصبح المستشار الخاص لبيت تيمبو الملكي، لذلك درس في أبرز المدارس للأفارقة السود في تيمبولاند ليغري شغفه كفرد من أفراد القبائل الزنجية.

هذا النضال العظيم في حياته يعتبر أهم محطات حياته. قيل أن له نضال ضد الفصل العنصري، هذا يعني أتباعه فقط وليس بملمح يمكن أن يُحتذى به.. وقيل بأنه كان رئيس جنوب إفرقيا.. هذا يهم الأفارقة فقط، بل حصراً مواطني جنوب إفريقيا، لا يهم ذلك أحداً من العالم.
 

ولذلك فإنه إن مكث في السجن لأيام قيل أنها لم تكن بضعة أيام فإن ذلك يعني أسرته فقط .للأسف كان في بلاده حرب أهلية، ربما تمكن بسبب الحرب من أن يكون الأمين العام لحركة عدم الانحياز ولكن هذا غير مهم إلا لأعضاء الحركة. فإن أراد العالم أن يسمع بهذه الشخصية العبقرية العظيمة، فلابد أن يعلم أن مانديلا أقام زفافه في عيد ميلاده الثمانين.. قدوة كبيرة للشباب مثَّلها مانديلا بهذه الخطوة، في أن يحب في الثمانين ويتزوج!

لذلك يستحق أن يكون مانديلا أسطورة في التاريخ، لا سيما أنه احتفل بعيد ميلاده التاسع والثمانين بحضور شخصيات عالمية كبيرة. يُقال أنه في هذا الحفل شكّل (مجلس حكماء العالم) لا يهمنا هذا المجلس ولا من حضره ولا هدفه، فالعالم يجب أن يدرس في شخصية مانديلا أنه يحتفل بعيد ميلاده حتى لو اقترب من التسعين.
 

مانديلا شخصية تستحق أن نكتب عنها وأن نحكي قصصها للناس، لاسيما أنه كان يحتفل بعيد ميلاده دائماً فهذا انجاز تاريخي.
 

وفي الحديث عن المشاهير: فإن تشي جيفارا من أبرز الشخصيات التي يجب أن تقدّم للعالم، فهو طبيب وكاتب وزعيم حرب عصابات. يُقال أنه شارك في الثورة الكوبية، ولكن تلك قضية محلية جداً. كان نضاله الحقيقي الذي يجب أن يؤرخ هو الكاريزما التي يتمتع بها فقد ارتدى قبعة جعلته خالداً في التاريخ جعلته رمزاً من رموز الشباب يستحق أن يضع الشباب صورته على قمصانهم القطنية، وفي مقاهي النرجيلة.

ربما كان يرى أن التصدي للرأسمالية يجب أن يمر عبر ثورة عالمية، ولكن الأبرز في حياته أنه كان شديد الولع بركوب الدراجات النارية. فحين كان في كلية الطب سافر إلى جميع أنحاء أمريكا اللاتينية على متن الدراجة النارية. لعل هذا أبرز حدث في حياة هذا الشاب العظيم الذي يعتبر قدوة لكل الشباب حول العالم بركوب الدراجات والاصرار والتحدي للتجول عبر مساحات واسعة من البلاد عبر الدراجة.

 

عندما نصنع فيلما عن بلال الملسم المجاهد مؤذن الرسول، نصنع فيلما يروي عنه كل شيء إلا ماهو عليه!

له قصص قصيرة من تأليفه، وقصائد شعرية، لذلك فإنه شخصية خالدة، تركب الدراجات، وتكتب القصص، وتنظم الشعر. تستحق أن نكتب عنها وأن نحكي قصصها للناس، وأن نصنع عن قبعته أفلاماً للتاريخ.
 

هنالك شخصية أيضاً تكلم عنها الناس طويلاً لن أستفيض بذكرها كثيراً، ولكن يكفي لأن نقول: لا يهم بلال بن رباح كم ناضل في سبيل الإسلام، ولا يهم أنه لم يصارع سيده لأجل العبودية بل لأجل الإسلام. ولكنه طالما أنه كان عبداً فلابد أن يتوق للحرية يوماً ماً، أما مقولته التي شقت الصحراء وفتت الصخر الجاثم على صدره (أحدٌ أحد) فهي ليست بذات أهمية، قد تهم بعض المسلمين فقط.
 

لا يهم كم عاش من حياته مؤذناً للرسول قبل وبعد وفاته، ولا يهم أن المؤذنين إلى اليوم يتناقلون الأذان بإجازة تنتسب إلى لبلال بن رباح لكن يكفي أن نشير إلى أن صوته جميل فهو يدندن بالغناء بين تارة وأخرى. لذلك بلال بن رباح يستحق أن نصنع عنه فيلماً يروي عنه كل شيء، إلا ماهو عليه.. فنصنع فيلماً يحكي عنه الأجزاء الغير مهمة في حياته، الغير جوهرية، التي لا تنبع من شخصيته الحقيقية.
 

نصنع فيلماً يحكي عن بلال جزيئات ثانوية جداً، لا تعبر عن بلال المسلم، المجاهد الذي جاهد مع رسول الله المواقع كلها، والمؤذن الذي هو أندى الناس صوتاً في الأذان، والذي أذن فوق الكعبة يوم فتح مكة بعد هدم أصنام الكفار، والذي صحب رسول الله وأبا بكر وعمر.. وكان بلال مؤذن الرسول، فما هو بلال لولا الأذان؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.