شعار قسم مدونات

لم كل هذا الشغف بالكرة؟

جمهور

"بعض الناس يعاملون كرة القدم على أنها مسألة حياة أو موت، أنا محبط جدًا بسبب هذا السلوك، إنها أهم بكثير من ذلك".
– أسطورة كرة القدم الاسكتلندية ومدرب نادي ليفربول السابق، بيل شانكلي.

"لا أعتقد أن كرة القدم مهمة جدًا، نحن لا ننقذ أرواح الناس مهمتنا هي جعل الناس ينسون مشاكلهم لمدة تسعين دقيقة"
– يورجن كلوب، المدير الفني السابق لنادي بروسيا دورتموند وأحد صناع نهضة النادي الحديثة.
 

كرة القدم، جلد مدور مصنوع بعناية فائقة، يركض وراءه مجموعة من الرجال كالمعاتيه، ليتقاذفونه من قدم إلى قدم حتى يدخلونها شباك الخصم المكون من مجموعة من العاتيه أيضًا.
 

يحكمون على كرة القدم دون أن يمنحوا أنفسهم فرصة ليجربوا السحر مرة

هذا وصف سائد لكرة القدم بين الكثيرين في هذا العالم، بتلك الكلمات التي تعكس أفكارًا هزيلة أمام صرخات المشجعين يصفون اللعبة الشعبية الأولى في العالم. يستخدمون مثل هذه العبارات الركيكة ليحكموا على كرة القدم دون أن يمنحوا أنفسهم ليجربوا السحر مرة، لم يعطوا أنفسهم الفرصة ليفهموا لماذا تجري الكرة في عروقنا، لماذا تتحكم الكرة بأمزجتنا.
 

لماذا نبكي ونفرح لهدف هنا وكرة هناك؟
إنهم يريدون عالمًا صارمًا لا مجال فيه لاختراق قانونهم أو بعض المراوغات، يريدون نظامًا يجعلنا عبارة عن نسخ من بعضنا البعض.
 

هؤلاء لن يفهموا أبدًا ذلك الفصام والاختلاف الشديد بين رؤية شانكلي لكرة القدم كمسألة تتجاوز الحياة والموت، يرى فيها لاعب الكرة كجندي في حرب عالمية لابد له من القتال حتى الانتصار، أو الموت، المهم أن لا يعود إلى دياره دونما حرب محملًا بالعار.

بينما يراها يورجن كلوب مسألة مرتبطة بالمتعة و الجمال والترويح عن النفس، يراها كعرض مسرحي مدته 90 دقيقة، يقوم فيه هو بدور المخرج، يحاول أن ينسي الناس همومهم و لا يستطيع أن يفهم لحظات القلق والتوتر والوجوه المنقبضة!
هكذا هي الكرة، تتسع للجميع، بآرائهم المختلفة من أقصى اليمين إلى أكثر المتعصبين.
 

" نص تخيلي "
يروي رونالدينيو في مذكراته عن كأس العالم 2002 في كوريا واليابان
في مباراة إنكلترا في ربع نهائي كأس العالم، كان يصرخ المدرب سكولاري هاتفًا بإسمي، ذهبت إلى الخط لأستمع إليه وأتخلص من صوته المزعج، قال لي بعض النصائح بصوت مرتفع وبطريقة حازمة وكان يشير بيده يمينصا ويسارًا ووجهه منقبض، هززت رأسي ويكأنني فهمت.

ثم عدت إلى الملعب، سألني ريفالدو: ماذا قال لك؟
قلت له: لا أدري لكنه يبدو مستاءًا -كانت النتيجة حينها تشير إلى التعادل- بعد ذلك حصلنا ضربة حرة مباشرة من أقصى الجهة اليمنى للملعب، إنتظر الجميع أن أقوم بركل الكرة عرضيًا على رأس أحد الزملاء لكنني سددتها مباشرة نحو المرمى وسكنت الشباك، بعد الاحتفال بالهدف ذهبت إليه لأعرف ماذا كان يطلب مني، قال لي: اذهب أيها الوغد وأكمل ما بدأته منذ لحظات.
" انتهى النص "
 

" كرة القدم تدور حول المتعة، وتحديدًا المراوغات، أنا شخصيًا أفضل كل فكرة تجعل كرة القدم أمتع. "
– رونالدينيو، الأسطورة البرازيلية.
 

كرة القدم طيفها واسع، تسع الجميع، لا تقصي أحدًا

أمثال رونالدينيو، هم ضيوف عابرون في عالمنا، هم الاستثناء الذي نود فرضه على العالم. يعتبر تفسه رجلًا خفيف الظل قادته الصدفة أن يقف على خشبة المسرح فقام بإلقاء الدعابة لينفجر المسرح ضحكًا، هو لا يفهم لما كل هذا الضحك، هذا ما اعتاد أن يفعله طيلة حياته في المستطيل الأخضر أن يقوم بإدهاشنا بسحره ثم يقف مشدوهًا لما نحن مشدوهين.
 

هو لا يعير اهتمامًا لأرقام الإنتقالات والرواتب والإعلانات والشهرة، لا يفهم هذه اللغة، إنما كل ما يفهمه هو لغة إيقاع الكرة بين قدميه، مثلنا تمامًا، نبحث عن المتعة لا عن المجد.
 

أمثال الفتى البرازيلي يأتون من أجل إيصال رسالة للبشر جميعًا، يفهمها كل على حدى. هؤلاء يأتون من خارج الزمان والمكان، يأتون ليعلموا الناس معاني البهجة والحزن والقلق والترقب والفرح و قسوة البكاء ولحظات تدفق الأدرينالين في العروق..
 

" هي صديقتي، شريكتي، خطيبتي، هي كل شيء بالنسبة لي "
– رونالدينيو عن كرة القدم
 

هذه الحالة من الحب من قبل رجل لفريق، تجسد واحدة من أجمل قصص الحب في هذا العالم

يحكى أن ليلة مباراة النادي الأهلي المصري أمام غريمه التقليدي نادي الزمالك في نهائي كأس مصر عام 2006، وبعد أن أحرز النادي الأهلي الهدف الرابع والقاتل في الشوط الإضافي الثاني بعد سيناريو مجنون، وقف أحد الجماهير المجذوبين حقًا وأخرج كل ما جيبه من أموال وألقاها في الهواء قائلًا: أنا مش عاوز حاجة من الدنيا خلاص. أخرج الرجل كل ما في جيبه ليلقيه إلى العدم، يشعر الرجل وكأنما حاز الدنيا وما فيها. يعلم الرجل جيدًا أن هذا لا يحدث كل يوم ولا كل ليلة.

هذه الحالة من الحب الجنون الخالصين، والعشق اللا نهائي، والخبل الاختياري من قبل رجل لفريق، تجسد واحدة من أجمل قصص الحب في هذا العالم. هذا الرجل لا يريد سوى الخير والنجاح لمحبوبته، يريدها الأولى دائمًا، لا يريد شيئًا من الدنيا سوى أن يراها في أفضل أحوالها..
 

لا أعتقد أن أحدنا قد رأى يومًا ما طفلًا يتخذ من " حصان رقعة الشطرنج " بطلًا لطفولته، لكنني أكاد أجزم أن كلًا منا قد رأى أطفالًا يتخذون من نجوم الكرة أمثال بيليه، مارادونا، باجيو، زيدان، رونالدينيو، ميسي، أبو تريكة وسامي الجابر قدوة لهم وأبطالًا يريدون أن يسيروا على دربهم ويسلكوا طريقهم، ليس فقط لأنهم نجوم لامعون بل لأنهم مثلنا، نرى مشاعرهم وانفعالاتهم ودموعهم وصريخهم، نرى نجاحاتهم كما نرى أخطائهم حيث هامش الخطأ موجود دائمًا، نشبهم ويشبهوننا، نشعر دائمًا أنهم ينتمون لنا و ليسوا مجرد قطع يقوم بتحركيها شخص فائق الذكاء. الكرة هي حالة كاملة من التعلق والتشجيع والحب.
 

كرة القدم طيفها واسع، تسع الجميع، لا تقصي أحدًا، ترى الناس كلهم من كل الأجناس والأعراق محملين بمختلف الأفكار يتصارعون لمدة 90 دقيقة، تسمح لهم الكرة بالاختلاف بين بعضهم البعض لكن دونما قتل أو سجن.
 

يقول ستافورد هيجينبوثام رئيس نادي واتفورد السابق عن كرة القدم:
" كرة القدم هي الأوبرا التي يعزفها البشر جميعًا "

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.