شعار قسم مدونات

أوطان تحت المجهر وشعوب منسية

FILE PHOTO - A man on a wheelchair flees with others into the remaining rebel-held areas of Aleppo, Syria December 9, 2016. REUTERS/Abdalrhman Ismail /File Photo

يمر الوطن العربي بمرحلة حساسة جداً ومصيرية لدرجة الانقسام المجتمعي والجغرافي، فما يحدث الآن في سوريا مثالٌ على ذلك، فهو ليس مجرد صراع بين معارضة وحكومة أو جماعات إرهابية وجيش نظامي، بل هو تنفيذ لمخطط استراتيجي خطير جداً يهدف الى تغيير ديمغرافية بلد بأكمله تحت مظلة بقاء النظام الشرعي ومطاردة المجاميع المسلحة التي تسعى للإطاحة بهذا النظام الذي أهلك الأرض وما فوقها وتحتها أمام أنظار العالم أجمع، بل وبدعم علني ورسمي من قوى كبرى مثل موسكو وطهران ودعم غير رسمي عن طريق زج عدد من مجاميع المليشيات الطائفية العراقية واللبنانية بحجة الدفاع عن مقدسات أو فئة دون أخرى وتأييد للمواقف بين الحين والآخر، وتناغم في الآراء والطروحات مهما كانت حدة دمويتها وشدة تطرّفها.

 

إن "خطورة ما يجري الآن في المنطقة العربية وفي سوريا والعراق تحديداً هو أن هذا المشروع الطائفي يسعى عسكرياً وإعلامياً ودبلوماسياً إلى تقسيم الوطن العربي إلى قسمين متباعدين، والمتمثل بالكيان الطائفي الممتد من العراق مروراً بسوريا وصولاً إلى لبنان حتى البحر المتوسط، سيتم نجاح هذا المخطط إلى عزل دول الخليج العربي والمملكة العربية السعودية عن محيطها الحيوي المتمثل بالمملكة الأردنية الهاشمية وجمهورية مصر العربية وبلاد المغرب العربي ليتم التفريق والعزل ومن بعدها سيسهل عملية الاستهداف المنظم رويداً رويدا دون أن يشعر به أحد.

 

إن ما تم تحقيقه من انتصارات عسكرية في حلب السورية هو مجرد انتصار عسكري على أشلاء الأطفال والنساء والشيوخ، ولن تطول نزهة الطائفيين مهما بلغت قوتهم، هكذا تعلمنا من التاريخ

لقد تنبه صلاح الدين الأيوبي والملك العادل نور الدين الزنكي لهذا البعد الاستراتيجي قبل قرون فتوجها لمصر الفاطمية بعد سوريا والعراق، فمن يتنبه اليوم؟!

 

هل سيكون دولند ترمب صاحب المبادرة هذه المرة ليقلب الطاولة الطائفية ذات الصناعة الروسية والمواد الأولية الإيرانية التي تدار من تحتها شؤون المنطقة العربية بكل عنف ودموية.

 

"جميعنا لا نستطيع أن ننسى أو نغفر جرائم فلاديمير بوتين في عموم سوريا، لكن تدخله الإجرامي في مجزرة حلب دحض مقولة أصبحت قناعة راسخة عند حكام العرب، وربما أيضا عند بعض شعوبهم منذ خرج علينا بها صاحب كامب ديفيد الرئيس المؤمن أنور السادات وهو يصرخ صاكا أضراسه كعادته -99% من أوراق اللعبة بيد الولايات المتحدة-، وقد قبل العرب ذلك وصالحوا جميعهم تقريبا، اليوم جاء تدخل بوتين في سوريا رغم معارضة واشنطن فعجز باراك أوباما أن يفعل شيئا غير الكلام الفارغ منه ومن وزير خارجيته جون كيري، إذن |إن بعض أوراق اللعبة يمكن أن تكون لدى آخرين من الأقوياء، أما الضعيف الذي لا يقوى إلا على صك أضراسه فأوراقه فعلا بيد الولايات المتحدة الأمريكية".

 

إن ما تم تحقيقه من انتصارات عسكرية في حلب السورية هو مجرد انتصار عسكري على أشلاء الأطفال والنساء والشيوخ ولعب الأطفال وزهرة الياسمين وأشجار الفستق الحلبي ليس أكثر، ولن تطول نزهة الطائفيين مهما بلغت قوتهم وحجم الدعم والمساندة التي يتبجحون فيها هكذا تعلمنا من التاريخ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.