شعار قسم مدونات

أين من خط النهاية

blogs - haftar - be or not to be
المستقصي لأراء واعتقادات النشطاء الليبيين بمختلف اتجاهاتهم يجد أنهم يختلفون في تحديد موقعهم من خط الاستقرار وبناء الدولة، والاختلافات تتفاوت وبعضها جذري.

أولى وأهم نقاط الاختلاف بين الأطراف المتنازعة اليوم مسألة تقدير أين نقف منذ 17 فبراير 2011، وإذا ما نزال في تفاعلات الثورة التي اندلعت منذ نحو ست سنوات، أم أننا انفككنا عنها ودخلنا مرحلة الدولة وأن الصراع اليوم إنما تقاتل وتنازع لأجل السيطرة على مفاصلها.

الجبهة التي تتحولق حول الثورة وتعتقد أنها لم تنته وأنها تتعرض لفعل مضاد لإفشالها نهائيا ترى أن عليها واجب استكمال الثورة بتصحيح مسارها من خلال إبعاد الذين شاركوا فيها وانحرفوا عنها، ثم التصدي لأولئك الذين تسللوا في ثنايا الصراع ويريدون إجهاضها كليا.

خطاب جبهة حفتر ينجح نسبيا في عزل الطرف الآخر ويتسع قبوله يوما بعد يوم، والعامل الذي يشوش على هذا الخطاب هو انفتاحه على بقايا النظام السابق.

بالمقابل فإن جبهة المعارضين لهم يتنصلون أو تتنصل قيادتهم وجمهرة من الأنصار من الثورة، ويرون أن لديهم مشروعا جديدا بعضهم يعتبره ثورة جديدة، وبعضهم يعتبره ولوجا فعليا وعمليا لمرحلة الدولة، والقلة القلية جدا ضمن هذه الجبهة يرون أنهم في مسار الثورة ويصححون الانحراف الذي وقع بسيطرة الإسلاميين عليها.

وكان ولا يزال المحرك السياسي المتلبس بالبعدي الأيديولوجي والجهوي أساسي في تدوير الصراع وتحديد الاصطفافات. ويقود التدافع اليومي إلى وضع ما يسميه البعض "الإسلام السياسي" في زاوية الخصومة والنقيض من الجمهرة التي تجمع البقية من ليبراليين وجهويين وقبليين ومستقلين وأيضا السلفيين المشاركين في النزاع القائم.

هذا ما وقع في بنغازي حيث انحصر الصراع بين الجمهور العام بألوانه السابق الإشارة إليها يقفون جميعا في مواجهة الإسلاميين المتشدد منهم والوسطي. صحيح أن كثير ممن واجهوا حفتر في حملته العسكرية التي أطلقها في مايو 2014 ليسوا من الإسلاميين ولا يتبنون توجها دينيا، إلا إن المشروع والخطاب الذي غلب وأصبح مظلة المواجهة ضد حفتر كان إسلاميا ومثَّله مجلس شورى ثوار بنغازي.

الوضع بالمنطقة الغربية، والذي من المتوقع جدا أن يتفجر، يتبلور على الصورة التي وقعت في بنغازي. فالنخبة السياسية والفكرية والنشطاء المدنيون وجموع من المسلحين يتحولقون في خطابهم وتحركهم حول شعار مواجهة "الإسلام السياسي" ويتجهون لاستخدام المفردات نفسها، ويبدو أن الرأي العام في المنطقة الغربية، خاصة العاصمة طرابلس، يتجه للتفاعل مع هذا الخطاب وتبني نفس المقاربة، مع التنبيه أن النسب قد تختلف، فأنصار مجلس شورى بنغازي قلة قليلة جدا، بينما من يناصرون الكتائب الرافضة لمشروع حفتر في المنطقة الغربية أوسع وأكثر شوكة سياسيا واجتماعيا.

إذاً خطاب جبهة حفتر ينجح نسبيا في عزل الطرف الآخر ويتسع قبوله يوما بعد يوم، والعامل الذي يشوش على هذا الخطاب هو انفتاحه على بقايا النظام السابق، فالمنطقة الغربية شهدت صداما عنيفا استمر أكثر من سبعة أشهر بين أنصار فبراير وأنصار سبتمبر، وبالتالي فإن تحالف حفتر مع قادة وعناصر تورطوا في حصار مدن وارتكاب فضائع ضد أهلها في المنطقة الغربية يجعل زحف مشروع حفتر بطيئا ويؤذن بمواجهة قد تكون أعنف وأطول عمرا من مواجهات بنغازي.

المسألة المهمة هنا والتي تتطلب إدراكا عميقا هو أن الوفاق لا مكان له اليوم في ظل الاصطفاف الحالي، وأن الأقرب هو فرض مقاربة الغلبة سياسيا وعسكريا، مع احتمال بقاء مشروع الوفاق الراهن كصورة ثم تجييره للطرف المتغلب.

يبقى أيضا تحديد وضع حزب العدالة والبناء الإسلامي في المعادلة، فوضعه صعب جدا في التدافع المشاهد، فالوفاق الذي هو شريك أساسي فيه يقترب من جبهة حفتر وبالتالي يضع الحزب أمام مفترق طرق واختيار صعب نتائجه مكلفة أينما اتجه الحزب في اختياره.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.