شعار قسم مدونات

الخصومة في العُرف العربي

blogs - egypt
علمونا أن "أنا وأخويا ع ابن عمي، وأنا وابن عمي عالغريب" ثم كبرنا ووجدنا أن الذين علمونا هذه المقولة يفعلون عكسها تماما، فالحقيقة في بلادنا "أنا والغريب ع ابن عمي، وأنا وابن عمي عأخويا" واكتشفنا أن هذا العُرف ليس جديدا بل هو ما يفعله الجميع منذ القدم وأخشى أن يكبر جيلنا فيصبح مثلهم.

يذكرنا التاريخ أننا كنا نقتتل من أجل ناقة ونفترق من أجل بيت من الشعر، وفي نفس الوقت نهادن الروم والفرس ونهابهم، وإذا أخذت نظرة عامة اليوم وجدت أن الخلافات العربية موجودة بشكل واضح وإن اختلفت في طريقتها عما كان العرب الأوائل.

الخصومة في عرفنا العربي مبنية على الغلظة والشدة ضد أي شيء عربي آخر، بالمقابل قد تصل درجات التسامح مع غير العربي إلى أبعد حد قد تتصوره، العربي مع العربي صعب حاد لا يصفح ومع غير العربي سهل لين لا يجرح، العربي مع العربي لا يتهاون لا يتساهل ولا ينسى ومع غير العربي يتهاون ويتساهل وينسى، بين العربي والعربي تحالفات مشروطة يشوبها الشك والحذر وبين العربي وغير العربي علاقات استراتيجية قد تدوم لعقود دون أي إشكاليات. العربي يتحد مع أي أحد ضد عربي آخر، لكنه في الغالب لا يتحد مع عربي ضد أحد آخر.

النماذج الإيجابية موجودة وهي تتزايد خاصة في فئة الشباب ولكن العقلية العربية التي عاشت في عقدة الصراع مع الذات لقرون لن تستطيع ترك هذا الموروث إلا بتغيير جذري.

هذا العُرف لا ينطبق فقط على العرب في شبه الجزيرة العربية بل تراه واضحا في باقي الأقطار العربية، في مصر والسودان والمغرب العربي وبلاد الشام وغيرها وهو عرف منتشر حتى على صعيد الأفراد، تجد الخلافات بين الأشخاص دائما ما تتحول لصراعات وثارات شخصية، بين الموظف والمدير، بين الطلاب في نفس المدرسة، بين أهل الرجل وأهل زوجته، بين الصحفيين والمهندسين والأطباء والعمال، كلنا قادرون على صنع خلافاتنا بطريقة غريبة.

طبيعة الخلافات العربية العربية غير عميقة وخلافاتنا غير جوهرية لكنها تنتهي بتنافر فظيع بين الطرفين، خصومتنا ليست سياسية دائما، ولكننا نملك القدرة على صنع خلاف من لا شيء، ونملك مهارة تحويل هذا الخلاف إلى معركة نضيع فيها أوقاتنا ومجهوداتنا. ونتمكن من تشتيت أنفسنا بأنفسنا دون التفكير للحظة بمسلك جديد لحل خلافاتنا.

القوميات الأخرى ليست مثالية فقد كانت خصوماتهم أشد ضراوة منا في يوم من الأيام، لكنهم استطاعوا صناعة حل ما، الفرق بيننا أن خلافاتهم قد تنتهي بالتصويت على قرار للخروج من اتحاد ما أو تقديم استقالة أو لجنة تحقيق مستقلة أو محاكمة عادلة وربما تنتهي باعتذار، أما خلافنا فهو في الغالب يفضي إلى قطيعة طويلة مع معركة شديدة يخسر فيها الطرفان دون أي نتيجة أو فائدة.

الصورة ليست قاتمة تماما، فالنماذج الإيجابية موجودة وهي تتزايد خاصة في فئة الشباب ولكن العقلية العربية التي عاشت في عقدة الصراع مع الذات لقرون لن تستطيع ترك هذا الموروث إلا بتغيير جذري نؤمن فيه أن هناك عشرات الطرق لحل الخصومات والخلافات.

ملاحظة: يندرج في هذا السياق كل ما يمكن أن نسميه "خلافا أو خصومة" لكن الثورة ضد الظلم وضد الطغيان يجب أن تأخذ مسارها الطبيعي في التدافع والمواجهة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.