شعار قسم مدونات

السودان في زمن الكوليرا.. أم ليس بعد؟

blogs - sudan
كل علاقتي مع الكوليرا شكلًا وموضوعًا، هو أن إحدى روايات غابريل غارسيا ماركيز، تحمل اسم "الحب في زمن الكوليرا"، غير ذلك هو دراستي للمرض بصورة موجزة، في أحد دروس مادة الأحياء والعلوم في المرحلة المتوسطة والثانوية.

 
وذكر تفشيه في لندن عام ١٨٥٨، بسبب اختلاط مياه الصرف الصحي بمياة نهر التايمز، ومن ثم تلوث مياه الشرب، أسفر عن انتشار وباء الكوليرا، مما جعل السلطات المحلية إلى تأسيس شبكة صرف صحي في لندن، وأن أبرز أعراضه الإسهال المائي، وعن مدى خطورته وسهولة انتشاره.

لكن الأمر اختلف مع بداية عودتي إلى السودان الشهر الماضي أغسطس من العام الحالي، فقد وجدت حالة من الارتياب والترصد بين الناس، من ناحية إرسال رسائل عبر الواتساب، أو كتابة منشورات على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، ومن ناحية ظهور حالات جديدة، أو وسائل وقاية وعلاج، حيث أن بعضها صحيح، وكثير من الخاطئ منها، فقد تجد البعض ينصح بتناول ٣ حبات من المضاد الحيوي كوقاية من المرض، في حين تناول المضادات الحيوية بشكل خاطئ ودون حاجة، تجعل البكتيريا مقاومة للمضاد الحيوي في حين المرض، والتي قل تداولها الآن، ربما كان فقط حديث الشهر وأخمدت بعض ناره.

عندما فكرت في مدى إمكانية انتشار وباء الكوليرا، والفتك بالسودان، وجدت الأسباب تنهل علي من كل صوب، ولا أعلم إن كانت هذه الحقيقة أم عيني أصبحت ترى الدولة والعاصمة المثلثة بصورة واضحة، بعيدا عن نظرة المغترب وحنينه، فتخيّل معي بلد أفريقي نامي، تنعدم فيه صحة البيئة ومقوماتها، كانعدام شبكات الصرف الصحي، وانتشار القمامة والقاذورات، وانتشار الذباب، خصوصا الخرطوم، حيث إمكانية الانتشار أسرع؛ بسبب التدهور والتلوث الذي تشهده، فتجد بائعات الشاي في الشوارع هنا وهناك، يبيعون الشاي والمشروبات الساخنة، ولا ضير في ذلك غير أنه بالتأكيد تتم غسل الآنية والأكواب بصورة بدائية، وهناك من يبيع الثلج، ومن يبيع الأطعمة غير الموثوق في جودة نظافتها، أو عملية طهيها، وبجانب كل ذلك، بالتأكيد سوف تجد قمامة، خصوصا في الأماكن المزدحمة والأسواق الشعبية.

المثير للضحك هوأن عندما ترى تلك المناظر، تتذكر أنه في ظل تخوّف البعض الشديد على مواقع التواصل الاجتماعي، هناك شخص يتناول فتة الفول في صحن مشكوك في نظافته، مع أشخاص غرباء وسط ازدحام تحت أشعة شمس الخرطوم، وإن تساءل أحد عن الكوليرا، سوف يجيب مستنكراً "كوليرة شنو؟".

من لديه قدرة على التوعية، في ظل صمت الصحافة والجهات الرسمية فليفعل، نظرا لقلة الوعي والثقافة الصحية، وكيفية التعامل مع وباء يمكن أن يفتك بالبلاد.

ناهيك عن أن عملية فلترة المياه للشرب، تتم بصورة فردية بحتة هنا، فأغلب الشعب إن لم يكن كله إلا فئة ضئيلة، يشربون المياه من الصنابير مباشرة، دون المرور بأي عملية فلترة، فتجد في مناطق الماء أقرب للون عصير الليمون، أو ذاك الماء الذي إذا تركته فترة، سوف تجد طبقة من الأتربة في عقر الإناء، لذلك يحبذ غلي الماء قبل استعمالها للشرب أوالطبخ، عند افتقار المياه المعدنية أوالمفلترة، أو استعمال حبوب الكلور، حيث يجب الانتباه لإرشادات الاستخدام جيدا.
 

ولا أعلم لماذا هذا الصمت غير المبرر من الجهات الرسمية، حيث على الأقل يجدر توضيح مدى سوء الوضع، أوإعلان حالة الطوارئ، لكن في ظل هذا السكوت، نجد بعض المبادرات مثل "أوعى من الكوليرا" وبداية حملات التثقيف الصحي، سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو القوافل التوعوية في المدارس كنشر إرشادات الوقاية من المرض، كيفية انتشاره وكيفية التعامل في حالة الإصابة، وبالتأكيد دحر الأفكار والنصائح الخاطئة في هذا الشأن، ابتداءا بولاية النيل الأزرق، حيث يمكننا القول أنها موبوءة، وبها حالات وفاة.

نرجوا من أي شخص لديه الاستطاعه في التطوع معهم أن يفعل، وإن كان لديك أي إمكانية في المساعدة في زيادة الوعي والتثقيف من خلال الفيديوهات، الرسوم المتحركة، الأغاني، القلم أي الكتابة، أو أي الطرق الإبداعية في التوعية، في ظل صمت الصحافة والإعلام والجهات الرسمية، ليفعل، نظرا لقلة الوعي والثقافة الصحية، وكيفية التعامل مع وباء يمكن أن يفتك بالبلاد، لذلك حتى حينها يظل السؤال قائما هل السودان في زمن الكوليرا أم ليس بعد؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.