شعار قسم مدونات

الحركات الدعوسية

blogs - brotherhood
أصبح من المعلوم لمعظم المراقبين والمختصين في مجال الحركات الإسلامية، أن حقبة الحركات الدعوية ذات الفهم الشمولي للإسلام، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، تواجه أزمات حادة. هذه الحركات التي قامت على أكتافها الصحوة الدينية في مختلف أرجاء العالم الإسلامي خلال العقود الماضية.

الأساس الذي قامت عليه هذه الحركات هو القيم والمبادئ السامية، كالعدل والتضحية، والإيثار، وحب الخير لكل الناس. والتي كانت بمثابة محرك يدفع الشباب باتجاه خدمة أمته، كي يساهم في عملية التغيير وتحقيق الهدف المنشود، وهو بناء الدولة القائمة على مبادئ الشريعة الإسلامية. 

كانت الدعوة هي أغلى ما يملك هؤلاء الشباب، فكان فهمهم للدعوة فهما شموليا يتعلق بشؤون الدين وشؤون الأمر العام، فالعمل الخيري دعوة، والسياسة دعوة، والتعليم دعوة، والاقتصاد دعوة، حتى الحب كان لديهم دعوة. ولقد طبعت مظاهر هذه الدعوة المجتمع بطابعها، فكنت تجدها في كل ساحة وفي كل زاوية، تراها في الملبس والمظهر تعيشها في المدرسة والعمل والبيت، كما امتلأت المكتبات بأدبيات الدعوة وفكرها.

ما زالت تعريفات الدعوة والسياسة والعلاقة بينهما غير واضحة، مما يدفعنا للقول أننا أمام حقبة جديدة من الحركات يمكن أن نطلق عليها الحركات الدعوسية

أعطت نكسة 1967 زخما لانتشار هذه الحركات الدعوية بعد فشل النظام العربي في الدفاع عن كرامة الأمة، وبلغت ذروتها في سبعينات وثمانينات القرن الماضي. كان أهم ما يميز هذه الحقبة هو انتماء معظم هذه الحركات إلى لون فكري واحد، فمعظمها ينتمي للإخوان المسلمين، إن لم يكن تنظيميا، ففكريا، أو متأثرا بأدبيات هذه الجماعة. والأمر الآخر أنها كانت تمارس حركتها تحت سقف أنظمة قمعية، تفتح باب الحريات للعمل الدعوي المفتوح بالقدر الذي تراه يخدم مصالحها. وكان الأصل بالنسبة لهذه الأنظمة هو التساهل مع أنشطة الجماعات التقليدية، كجماعة التبليغ والدعوة والطرق الصوفية، بالإضافة إلى الجماعات أو المؤسسات المقربة من هذه الأنظمة.

ومع تطور وسائل التواصل، وانتشار المعلومات، بدءا من الفضائيات في تسعينات القرن الماضي وصولا إلى ذروة هذا التطور في سنوات الألفية الثالثة، مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، ظهر على السطح ضعف التأصيل الفكري لهذه الحركات الأحادية اللون الفكري، وعدم قدرتها على مواكبة هذا التطور في انتشار المعلومة ومجاراة تطور الأفكار الأخرى، التي جعلت عقول الشباب تحلق في فضاءات أوسع من فضاءات الحركات المحدودة.

وكيف تستطيع ذلك وهي لم تعمل خلال تاريخها الطويل بأي مراجعات فكرية حقيقية. كان الربيع العربي هو القشة التي قصمت ظهر هذه الحركات، فحصل الإرتباك الكبير لتصبح هذه الحركات عارية أمام شعوبها، وتعيش بحق أزمة هوية عميقة. وهكذا وبقراءة سريعة للمشهد، نجد أنفسنا أمام ثلاثة أنواع من الحركات:

الأولى، تقوم بمراجعات تحت ضغط الواقع، مثل مراجعات الفصل بين الدعوة والسياسة وتشعباتها، والتي يراها المنافسون كمناورة تفتقد إلى الأساس النظري في أدبيات هذه الحركات، كما يراها في المقابل آخرون إنبطاحا أمام الأمر الواقع، وتخلٍ عن المبادئ والقيم. قسم آخر من هذه الحركات تحول إلى حركات ليس لها طعم أو لون؛ وذلك للحفاظ على البقاء. والقسم الأخير من هذه الحركات يعيش مزيجا من الصراعات الداخلية مع ذر قليل من المراجعات في العيون؛ لإرضاء بعض الشرائح هنا وهناك. 
 

المشهد يغشاه ضباب كثيف، وقراءة سريعة لخارطة هذا المخاض نجدها معقدة وصعبة التضاريس؛ لكثافة أمواج الأفكار المتلاطمة وطبيعة المرحلة الصعبة، وكثرة اللاعبين في الساحة للتأثير على مسارات المستقبل، مما يجعل من الصعب التنبؤ بماهية الهوية والألوان الفكرية التي سترسم مستقبل هذه الحركات. فبالنسبة للشق الدعوي، لم تعد هذه الحركات دعوية بالمعنى المتعارف عليه في العقود الماضية، وهي الحركات التي كانت القيم والمبادئ خطوطها الحمراء، علاوة على أنها حركات لم تقم بمراجعات لإعادة تعريف الدعوة في إطار المجتمع المدني وماهيتها ومجالات عملها، وعلاقاتها مع الآخرين من مؤسسات وأفراد. 

أما بالنسبة للجانب السياسي، فهذه الحركات لا نكاد نجد في أدبياتها معالم وأسس لبرامج وحلول لمشاكل وتحديات المجتمع، بالإضافة إلى عدم وجود تصور وأساس فكري واضح عن العلاقة مع الآخر القريب والبعيد، وما هي القيم والمبادئ التي تقوم عليها هذه البرامج، متميزة عن غيرها من الأحزاب السياسية الأخرى. قد يكون هناك بعض الإستثناءات مثل الحركة الإسلامية في المغرب، ولكن مما لا شك فيه أن معظمها يعيش مرحلة إنتقالية صعبة، فتجدها تضع قدما في الدعوة، وقدما في السياسة.
 

وما زالت تعريفات الدعوة والسياسة والعلاقة بينهما غير واضحة، مما يدفعنا للقول أننا أمام حقبة جديدة من الحركات والتي يمكن أن يطلق عليها بالحركات الدعوسية، معبرة عن حالة الاضطراب التي تعاني منها هذه الحركات الإسلامية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.