ما أندر ربيع العرب وما أكثر شتاءهم، سنوات ثلاث تمر على انطلاقة الشرارة التونسية، وانحسر الربيع واضطرب بنيانه وسقط عند البعض وانحرف عند آخرين وبقي يترنح أمام المجهول عند التونسيين.
خالد الطراولي
كاتب وأستاذ جامعي تونسي
الجديد من الكاتب
تدفق المحتوى
وضع تركيا التاريخي وحاضرها الجميل ومستقبلها الواعد يجعلها ويجعل مسار أردوغان وتحدياته وفوزه يتجاوز رقعة وطنه، خاصة في هذه المرحلة الحساسة التي يعيشها العالم والإقليم من تغييرات إستراتيجية هامة.
الارتباط بين ربيع العرب وغزة المقاومة كبير جدا، فمن غزة كانت الانطلاقة، وعندما استأسدت الثورات المضادة واستوطن اليأس جاءت غزة لتعيد الأمل، وتطلق الموجة الثانية من ربيع العرب.
إن ربيع العرب الحقيقي تُنسج خيوطه حاليا بأزقة مصر وساحاتها وجامعاتها، وتُبنى آفاقه على لقاء الساعد والفكر، لقاء النخبة الواعية بالجماهير، بعناوين ويافطات تحوم حول الحوار، بعيدا عن الإقصاء والتهميش.
الثورات العربية مسار وعملية، لحظة صفر وزحف نحو الآفاق، جمهور طويل عريض رفع الراية عاليا ودفع الثمن باهظا من أجل أن يعيش كرامته وحقوقه بعيدا عن الفساد والإفساد والاستبداد.
لعل الأيام ستذكر أن تلك البلاد الصغيرة المرتمية في أحضان التاريخ حينا والجغرافيا حينا آخر، ستلج التاريخ حتما من بوابتين: بوابة اندلاع أول ثورة بعد انقضاء عهد الثورات ويأس الناس منها، وبوابة الوفاق المجتمعي عبر إنجاز تاريخي يتمثل في دستور توافقي.
لما أحرق محمد بوعزيزي نفسه تعبيرا عن انتفاضة شاب ومن ورائه شعب على أحوال وممارسات، كان ذلك إيذانا بانطلاق ثورات مدوية تعبر الفضاء العربي وترجه وتضرب بعضه في مقتل. كانت تونس حضن الانطلاق فهل تكون حضن الفشل؟
الإعلام هو السلطة الأولى، تغير الثقافات وتشكل العقول، تمجد من شاء وتجعل له شأنا ومقاما وتلبسه صولجانا ودرة، وتضع من تشاء وتجعله أضحوكة الناس، تسجن البعض وتعلق البعض الآخر في المشانق تحت تصفيق القوم وفي هستيريا الزغاريد!
يصور خالد الطراولي ما جرى في تونس بأنه ريح طيبة مرت، تسللت من نعوش على مرمى باب الجنة، قالت للظلم: كفى، قالت للاستبداد: تنحّ، قالت للجميع، موصولة بشاعر بلادها الفذ: “إذا الشعب يوما أراد الحياة ** فلا بد أن يستجيب القدر”.
يرى الطراولي أنه إذا كانت سياسة الانفتاح ولبرلة الاقتصاد واقعا عينيا في تونس، فإن الباب السياسي ظل مغلقا وما يزال وهو ما وضع تونس اليوم فوق صفيح ساخن, مؤكدا أن الحل يتطلب تغييرا كليا لمنهج التنمية، مصحوبا بمنظومة قيمية وأخلاقية حازمة.