المسرح القطري.. نشأة أنارت الطريق للأجيال المتعاقبة طوال نصف قرن

جانب من مسرحية الغبّة في إطار احتفال مهرجان الدوحة المسرحي باليوبيل الذهبي للمسرح القطري (الجزيرة)

الدوحةـ تعتبر الحركة المسرحية في قطر من الأقدم في منطقة الخليج العربي، ولنشأتها أسباب تعود إلى الاتجاه الفكري الإصلاحي الذي أسهم في إنشاء المدارس في خمسينيات القرن الماضي، والتي انطلقت منها الشرارة الأولى للمسرح القطري في مدرسة الدوحة الثانوية، حيث قدم أول عرض مسرحي لبلال مؤذن الرسول.

وتعددت الروافد والبدايات الأولى للحركة المسرحية القطرية عبر عدة محاور، أبرزها المدارس المختلفة مثل مدرسة الدوحة الثانوية والمدرسة الصناعية، والمعهد الديني، وكذلك المهرجانات الكشفية، وهواة الفن في الأندية الصغيرة، فضلا عن الأندية التابعة لشركات النفط ومنها نادي الجزيرة.

وبعد إرهاصات التجربة المسرحية في خمسينيات القرن الـ20، كانت الولادة الحقيقية للمسرح القطري عام 1972 مع إنشاء فرقة المسرح القطري التي خرجت من أعطاف وثنايا فرقة "دار المعلمين"، وذلك عن طريق بعض الشباب الشغوفين بحب المسرح، ومنهم محمد عبد الله الأنصاري وبعض العرب الوافدين إلى قطر.

الولادة الحقيقية للمسرح القطري كانت مع إنشاء فرقة المسرح القطري عام 1972 (الجزيرة)

ظهور الفرق

كان لنجاح فرقة المسرح القطري دور كبير في إنشاء وظهور فرق مسرحية أخرى مثل "فرقة السد" عام 1973، التي قدمت عددا من المسرحيات أبرزها "نادي العزوبية" و"خميس في باريس" و"خلود"، وأيضا "فرقة الأضواء" عام 1975، وأبرز أعمالها مسرحية "اللوحات الثلاث" و"الحادث والكائن" و"المهرج".

وتعدد الفرق المسرحية، وتحولها إلى فرق تابعة لوزارة الثقافة، كان يشير فنيا إلى اتساع الكادر المسرحي القطري تأليفا وتمثيلا وإخراجا، وإلى الاحترافية في العمل المسرحي، وظهور أجيال مسرحية جديدة كان لها دور فاعل في توطيد علاقة المسرح بالمجتمع، خاصة أن الكثير من تلك الفرق المسرحية بدأ يأخذ بعين الاعتبار هموم المجتمع ويعكسها على أرض الواقع.

وفي بداية التسعينيات من القرن الماضي، تأثرت الحركة الثقافية بشكل عام والمسرحية بشكل خاص في قطر بحرب الخليج الثانية، فأدمجت الفرق المسرحية، وتكونت فرقتان فقط هما "فرقة قطر المسرحية"، و"فرقة الدوحة المسرحية".

الاحتفال باليوبيل الذهبي للحركة المسرحية على هامش مهرجان الدوحة المسرحي (الجزيرة)

تأثير الدمج

وكان لهذا الدمج تأثير في تغيير أفكار وتوجهات أعضاء فرقة قطر المسرحية، فأصبح التوجه لتقديم أعمال سياسية وقومية وعربية متميزة كما في مسرحية "مظلوم ظلم مظلوم" للفنان حمد الطميحي.

وزاد في تألق هذه الفرقة انضمام الفنان ناصر عبد الرضا إليها، الذي قدّم مع الفرقة عملا متميزا في مسرحية "أوركسترا تايتنك" التي احتوت على 4 لغات أجنبية و3 لهجات عربية مختلفة، بالإضافة إلى اللغة العربية الفصحى، فكانت تجربة متميزة لفتت أنظار عالم المسرح العربي والعالمي، وعرضت في مهرجانات عديدة في مصر وبلغاريا وتركيا.

وإن كان دمج الفرق المسرحية الأربع قد حقق مميزات، فقد نتج عنه بعض الإشكالات، تمثلت في ندرة العروض المسرحية وابتعاد بعض الموهوبين، إلا أن الأمر تم تداركه سريعا مع إنشاء فرقة المسرح الوطني، والتي لعبت دورا مهما في دعم الشباب الموهوبين لإثراء الحركة المسرحية بالطاقات الشابة في مجال التأليف والإخراج والتمثيل، خاصة بعد أن أثبت مهرجان المسرح الجامعي نجاحه في تقديم مواهب واعدة في مجال المسرح.

رشيد يرى أن إلغاء المركز الشبابي نقطة سوداء في تاريخ المسرح (الجزيرة)

اليوبيل الذهبي

وفي الاحتفال باليوبيل الذهبي للمسرح القطري على هامش مهرجان الدوحة المسرحي الـ34، يرى حسن رشيد الناقد المسرحي القطري أن الحديث عن المسرح القطري هو حديث عن ممارسة استطاعت أن تخلق لنفسها تميزها الخاص في السياق الخليجي، وأكسبتها عوامل كثيرة مقومات التطلع نحو وجود مسرحي أفضل عربيا، وهو ما تحقق بالفعل في مجموعة من التجارب المسرحية التي استطاعت أن تصل مهرجانات عالمية وعربية كبرى.

ويقول رشيد في حديث للجزيرة نت، إن من العوامل التي أسهمت أساسا في تألق ونهضة المسرح القطري وجود مؤسسات راعية لبرامج الفنون المسرحية، منها إدارة الفنون المسرحية بوزارة الثقافة، ووزارة التعليم والتعليم العالي التي تشرف على الأنشطة المسرحية في المدارس، فضلا عن تدريس مقرر التربية المسرحية والدراما بالمدارس.

كما كان لتوافد مجموعة من رواد الفن المسرحي العربي على دولة قطر للتأطير والتكوين من أجل صقل التجارب واكتشاف المواهب وتقويم القدرات، دور في هذه النهضة، وذلك بجانب وجود مهرجانات كثيرة ذات طابع وطني محلي، منها مهرجان الدوحة المسرحي، مهرجان كتارا لمسرح الطفل، ومهرجان المسرح الجامعي.

على تنوعها وتفاوتها، تشكل هذه المهرجانات فرصة لعرض تجارب المسرح القطري واحتكاكها ببعضها بعضا أو بالتجارب الوافدة عليها، هذا مع إضافة عامل أساسي إلى العوامل السابقة وهو الدعم الرسمي للمسرح من جانب الدولة، ممثلا في وزارة الثقافة، وفقا لرشيد.

الفنان محمد الصايغ (جميل) بطل مسرحية جميل بعد التعديل في لقطة مع الفنانة هدى المالكي
دعوة إلى ضرورة عودة إرسال بعثات خارجية لدراسة وتعلم المسرح (الجزيرة)

المركز الشبابي

وكان قرار إلغاء كل من المركز الشبابي للمسرح والمسرح المدرسي، بمثابة النقطة السوداء في تاريخ المسرح القطري وأحد المعوقات الرئيسية في التطوير، خاصة في ظل كونهما الرافدين الأساسيين والحقيقيين في تقديم أجيال مؤهلة ومتعاقبة، وفقا لرشيد.

ويرى رشيد أن هذا القرار أسهم في خلق إطار غير تكاملي في الحراك المسرحي القطري، وتشتيت الشباب وجمود الحركة المسرحية، لذلك يجب على المسؤولين العمل على سرعة عودتهما مجددا خاصة أن المسرح القطري في حاجة ملحة الآن إلى هذا الإطار التكاملي من أجل مسرح قطري يؤدي رسالته على أكمل وجه.

ويشدد رشيد على أن النهضة المسرحية القطرية ستكتمل بالعودة مجددا عبر إرسال بعثات خارجية لدراسة وتعلم المسرح، فضلا عن المساهمة في الفعاليات المسرحية خارج قطر، بالإضافة إلى أن يكون للدوحة دور في إقامة فعاليات خاصة بالفرق المسرحية، وكذلك دعم الفرق المسرحية القطرية لتقديم 3 أعمال سنويا على الأقل.

ظواهر ثقافية

بدوره، يرى الفنان عبد الله أحمد أن المسرح في قطر شكّل منذ بداياته الأولى وحتى منتصف الثمانينيات في القرن الماضي حالة رائدة وحيوية في منطقة الخليج العربي وفي الوطن العربي، خاصة أنه ترافق مع ظواهر ثقافية أخرى كإصدارات سلسلة المسرح التي رفدت المسرح العربي بأهم الترجمات للمسرح العالمي.

ويقول عبد الله في حديث للجزيرة نت، إن الحراك المسرحي القطري تراجع في السنوات الخمس الماضية، في ظل الأزمات السياسية التي حدثت في المنطقة، ومن ثم فترة فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19″، حيث لم تقدم خلال هذه الفترة أعمال تذكر، وهو الأمر الذي لم يتم تداركه حتى الآن.

وكان ظهور الفضائيات هو العامل الأساسي في تحول جزء كبير من العاملين في المسرح إلى العمل في الدراما التلفزيونية، بالإضافة إلى أثر التحولات التي حدثت على مستوى الواقع الاجتماعي والاقتصادي والتي خلخلت علاقة الجمهور بالمسرح، وهو أمر لا تعتبر فيه قطر استثناء إنما كجزء من حالة عربية عامة.

المصدر : الجزيرة