حمو بيكا.. هكذا يعاقب الجمهور المصري فنانيه

حمو بيكا
المغني الشعبي حمو بيكا (مواقع التواصل)

يتربع على عرش الغناء المصري اليوم، طبقا لأرقام الإيرادات الواردة من يوتيوب، نجم اسمه حمو بيكا، لكن المفارقة أنه لا يملك أدنى علاقة بالغناء، ولا بالموسيقى طبقا لنقابة الموسيقيين. أما مظهره فهو بسيط لدرجة لا يمكن معها أن يكون جواز مرور لعالم الشهرة.

هذه المفارقة تطرح السؤال حول ما يدفع بشخص يملك كل الصفات، التي تجعل وجوده في عالم فنون الأداء مستحيلا، لأن يصبح نجما ويحقق ملايين المشاهدات ويكتسب شرعية لا ترتكز سوى على جماهيرية بلا أسباب؟ هل هو انحدار في الذوق وصل إلى القاع أم رسالة من جمهور قرر أن يخرج على الذائقة الفنية بكل ما ورثته من جماليات للتعبير عن غضبه ورفضه للماضي والحاضر؟

تبدأ الغرائبية في حالة بيكا من اسمه الذي يصعب العثور على شبيه له، ولا تنتهي عند الكشف عن عدد مشاهداته على قناته على موقع يوتيوب لما يطلق عليه مهرجانات وليست أغاني والتي تجاوزت 600 مليون مشاهدة.

تحول بيكا إلى واحد من أشهر وألمع نجوم الوسط الغنائي المصري، لكن ذلك لا يعني أنه مطرب أو موسيقى أو حتى مؤد، وهو اعتراف قدمه بنفسه للإعلام ولجان الاستماع بنقابة الموسيقيين، لكن المفارقة الأغرب أن بيكا لم يحصل على أي قدر من التعليم المدرسي وهو باعترافه أمي لا يقرأ ولا يكتب.

بيكا جزء من حالة جديدة على الذائقة المصرية، بدأت بوادرها في الظهور مع بداية العشرية الثانية للقرن 21، وفي النصف الثاني منها تحولت إلى ظاهرة بكل ما تحويه من كسر لقواعد الغناء والموسيقى والنجومية أيضا ولعل قمة الموجة وأكثرها وضوحا هو "حمو بيكا" أو محمد محمود الشاب السكندري الذي يبلغ من العمر 33 عاما.

أحمد عدوية (مواقع التواصل)

هروب من الواقع

يقبل الجمهور على هذا النوع من الفنون في أعقاب الهزائم الكبرى، سواء كانت تتعلق بالثورات الفاشلة أو الحروب، وكما شهدت السينما المصرية أفلاما مثل "خللي بالك من زوزو، أبي فوق الشجرة، شنبو في المصيدة" مثلت هروبا من الواقع المنتكس بعد هزيمة قاسية، فإن ظواهر غنائية نبتت بالتوازي لتمثل حالة معارضة "ذوقية " للغناء الرسمي الذي تمثل حينها في عبد الحليم حافظ وأم كلثوم وعبد الوهاب وغيرهم من المغني الذين كانوا مقررا دائما في الإذاعة والتلفزيون المصريين.

ومع انتصاف سبعينيات القرن الماضي كان الرئيس الراحل محمد أنور السادات قد صنع تغييرا شاملا في قيم المجتمع بدءا من التحول الرأسمالي والانفتاح وانتهاء بمعاهدة كامب ديفيد، وهو ما دفع بالجمهور إلى الاقبال على غناء أحمد عدوية.

وفي المقابل، كانت الطبقة التي تشكلت عقب التحولات الاقتصادية والسياسية تتعالى عليه وتعتبره غناء هابطا، لكن الجمهور منحه الشرعية بالإقبال على شرائط الكاسيت التي كان يصدرها حينها تتضمن كلمات صادمة وغريبة مثل "السح الدح امبو" وغيرها خروجا من إطار الأغاني العاطفية التي أسس لها حليم و"ثومة" وعبد الوهاب باعتبارها الموضوع المفضل للأغنية إضافة إلى الأغنية الوطنية.

أطلق المتعالون على ذلك النوع من الغناء اسم الغناء الشعبي ترفعا، حيث تفضل الطبقة الوسطى العليا إطلاق تلك التسمية على الموضات الشائعة التي لا تعتبرها تليق ومستواها ويناظرها في الحديث عن الملابس لفظ "بلدي".

وخلف عدوية أجيالا من المطربين "الشعبيين" الذين أحيوا الأفراح التي تقام في شوارع الأحياء الشعبية أو صالات الأفراح وبينهم حسن الأسمر وعبد الباسط حمودة وسعد الصغير ومحمود الليثي وغيرهم، ولكن التحولات الأكثر قسوة أتت بعد ذلك مع تدني مستوى التعليم وقسوة الظرف الاقتصادي والاجتماعي.

كومبو يجمع شعبان عبد الرحيم وحمو بيكا
بيكا وشعبان عبد الرحيم (مواقع التواصل)

تأتي جماهيرية بيكا ورفاقه من أمثال حسن شاكوش ومجدي شطة وعمر كمال وغيرهم استجابة لحس جماهيري يشعر يقينا أن لا علاقة له بالمجتمع كحاضنة كبرى، وهو ما تؤكده كلمات أغانيهم في الفخر مثلا والذي يكون بأبناء الحي أو المنطقة "الإسكندرية، الجيزة، بولاق" وغيرها، وهذا الغناء المغرق في محليته يفضل مناقشة الموضوعات العاطفية من زوايا مختلفة.

فبينما أغنيات حليم وعمرو دياب وتامر تشهد نقاشا مع الحبيب، فإن حمو ورفاقه يصفون ذلك الحبيب وصفا حسيا ويبدو ذلك الموصوف غير معني بالمحب، فهي غالبا فتاة تسير في شارع مزدحم لا تعرف شيئا عمن يصف عودها أو "عود البطل" وهو اسم الأغنية التي تحولت إلى ظاهرة لكل من شاكوش وكمال.

وقد سعت السلطة عبر إعلامها إلى تأكيد سطوتها، عبر المُلحن حلمي بكر في البرامج التلفزيونية، لتعنيف وإهانة حمو ورفاقه كما فعل من قبل مع كل مطربي الثمانينيات والتسعينيات والقرن 21، فبكر الذي لحن للكبار بقي مع من يعتبرهم وتعتبرهم السلطة الفنية والسياسية والاجتماعية ظواهر غير فنية وكما استقبل تعنيف الأخير من عبد الرحيم ورفاقه، استقبل من حمو ورفاقه بردود تلخصت في "إننا تركنا لك الفن لكن الناس يحبوننا ونريد أن نعمل كي نأكل العيش فدعنا وشأننا".

جمهور بيكا ورفاقه غير معني بمعايير الفن، ولكنه يحاول أن يثبت للجميع بمن فيهم السلطة وفنها أن له نجومه الذين يمثلونه فنيا في ظل انفصال شبه تام بين عالمين تمثل أحدهما فنون سلطوية وأخرى تلقائية بلا معايير.

المصدر : الجزيرة