من شادي عبد السلام وصلاح مرعي إلى عصر التكنولوجيا.. هكذا تطور الديكور في الأعمال المصرية

شهدت مرحلة الواقعية جيلا قويا ومهما من مصممي الديكور مثل شادي عبد السلام وصلاح مرعي وأنسي أبو سيف، ومع التطور التكنولوجي بدأ الاعتماد على اللوحات الإلكترونية

مشهد من مسلسل واحة الغروب (مواقع التواصل الاجتماعي)

يعتبر الديكور وتصميم المناظر من العناصر المحورية والتي لا تقل أهمية عن باقي العناصر لأي عمل فني، كونه جزءا من تكوين الشخصية الدرامية والخلفية المرئية لها.

ومنذ بداية السينما المصرية حظي الديكور باهتمام من جانب الصناع الذين استعانوا في البدايات بخبرات أجنبية للتعلم، فكانت البداية بالاعتماد على الجبس والأخشاب لتنفيذ الديكور، تلتها مرحلة الواقعية والتي شهدت جيلا قويا ومهما من مصممي الديكور مثل شادي عبد السلام وصلاح مرعي وأنسي أبو سيف، ومع التطور التكنولوجي بدأ الاعتماد على اللوحات الإلكترونية وظهر جيل آخر مثل محمد المغربي وفوزي العوامري ومحمد عطية.

التأسيس والإيحاء بالواقعية

منذ نهاية الثلاثينيات في القرن الـ20 الماضي بدأ الانتباه لعنصر الديكور، ويعتبر مهندس الديكور سامح ولي الدين هو المؤسس لهذا الفن في مصر، فمن خلال فيلم "العزيمة" ركز ولي الدين على ضرورة أن يندمج الديكور مع طبيعة الفيلم وأسلوبه الفني، واعتمد على الديكورات التي توحي بأنها واقعية من خلال اهتمامه بالتفاصيل الدقيقة، فركز على إدخال عوامل الزمن، حيث كان واضحا خلال الفيلم تساقط الزجاج الخاص بأبواب الشقق نتيجة الإهمال، وأيضا بعض الجدران المتهالكة، أما في فيلم "دنانير" فقدم ديكور مشاهد توحي بالصحراء والجبال والسهول. وقبلها كان قد تولى تصميم مناظر فيلم "ليلى بنت الصحراء" و"سلامة في خير" و"لعبة الست"، وقد تأثر به مصممو الديكور من الأجيال اللاحقة.

نقل الفن التشكيلي للواقع

مع نهاية الخمسينيات كان ظهور جيل جديد مميز في عالم الديكور، والذي تحول إلى لوحات بديعة على الشاشة.

فالمخرج شادي عبد السلام -الذي عمل أيضا مهندس ديكور ومصمم أزياء في الكثير من الأفلام في تلك المرحلة- اهتم بتحويل اللوحات التشكيلية إلى الواقع، وظهر إبداعه واضحا في أفلام مثل "وإسلاماه" للمخرج أندرو مارتن و"الناصر صلاح الدين" مع المخرج يوسف شاهين، وخاصة أنه لم يعاصر تلك الحقبة من تاريخ مصر، لكنه اعتمد على اللوحات التشكيلية للرسامين عن الحياة في مصر وبعض الكتب مثل كتاب "طباع وأزياء المصريين العصريين" لإدوارد لين، وكتاب "بدائع الزهور في وقائع الدهور" لابن إياس الحنفي، والرسوم المصورة في كليلة ودمنة ومقامات الحريري.

وكان شادي عبد السلام يعمل على رسم لوحات تشكيلية للمشاهد قبل أن يقوم بتحويلها إلى لوحات واقعية على الشاشة، ونجاحه في عنصر الديكور أهّله ليشارك أيضا في أفلام عالمية مثل فيلم "كليوباترا" (Cleopatra) -حيث صمم المركب الفرعوني للفيلم- والفيلم البولندي "فرعون" (Faraon) والذي شارك في تصميم ديكوراته وملابسه.

ومن أفلامه أيضا "عنترة بن شداد" و"ألمظ وعبد الحامولي" و"شفيقة القبطية" و"رابعة العدوية" و"بين القصرين" و"أمير الدهاء" و"الخطابا".

ومن مدرسته كان ظهور مبدع آخر هو مصمم المناظر والملابس صلاح مرعي الذي عمل مساعدا لشادي عبد السلام مدة من الزمن، وقدم بعد ذلك عددا من الأفلام المهمة، منها "المومياء"، وبنى الحارة في فيلم "الجوع"؛ حيث اهتم بالمعمار الخاص بفترة 1882، وهو زمن القاهرة الفاطمية وعصر الفتوات، ورغم احتراق الديكور فإنه أعاد تنفيذه مرة أخرى.

إن محاكاة صلاح مرعي للواقع هي امتزاج بالشاعرية واهتمامه بروح المكان وحيويته وهو ما ظهر في أغلب أعماله مثل "بحب السيما" و"الساحر" و"قليل من الحب كثير من العنف".

بعد تخرجه بعام واحد قدم مهندس الديكور أنسي أبو سيف مع المخرج توفيق صالح فيلم "يوميات نائب في الأرياف" لينبأ بميلاد مهندس ديكور مهم في تاريخ السينما المصرية منذ بداياته، وخاصة أنه شارك كمساعد في الديكور مع شادي عبد السلام في "المومياء"، وتتلمذ على يديه هو وصلاح مرعي، وهو ما جعل أعماله أشبه بلوحات رسمها بالفعل على الورق بالبداية مثل الحارة في "الكيت كات" و"إبراهيم الأبيض".

التكنولوجيا والروح

وفي الألفية الجديدة أصبح استخدام التكنولوجيا بديلا عن صرف مبالغ طائلة في بناء الديكور، وهو ما جعل المنتجين يميلون لفكرة استخدام خلفيات ومؤثرات دون بناء ديكور حقيقي، وعلى الرغم من ذلك؛ هناك عدد أيضا من الأسماء حافظت على روح الديكور وارتباطه بالفكرة ومنهم مهندس الديكور فوزي العوامري الذي قدم بصمة في أفلامه مثل "اضحك الصورة تطلع حلوة" و"عمارة يعقوبيان" و"الجزيرة".

وبجانب السينما برع العوامري في تقديم الصحراء من خلال مسلسل "واحة الغروب" في عام 2017؛ حيث ظهر الديكور بصورة حقيقية ومبهرة. وكان العوامري -في تصريحات له- قال إن التصوير لم يتم في واحة سيوة، ولكنه بنى ديكورا في عمق الجبل بمنطقة أبو رواش، وإن التنفيذ استغرق وقتا طويلا.

لا يمكن أيضا إغفال عنصر الديكور في فيلم "في شقة مصر الجديدة" للمخرج محمد خان، فجزء من تفاعل الجمهور مع القصة مرتبط بروح المكان الذي تتواجد به البطلة، وأيضا "بنات وسط البلد" و"احكي يا شهرزاد" وغيرها من الأفلام التي نفذها مهندس الديكور محمد عطية، وبديكور مختلف تماما وتجربة اعتمدت على التكنولوجيا بشكل أكبر؛ كان فيلم "الفيل الأزرق"، وخاصة أنه يدور بين الواقع والخيال.

وبأفلام مهمة -مثل "المولد" و"البحر بيضحك ليه" والذي نفذ مناظر مشهد الحلم به و"هيستريا" و"ليلة سقوط بغداد" ومسلسل "الملك فاروق" و"أسمهان" و"سقوط الخلافة"- ينضم عادل المغربي لقائمة المبدعين في عالم الديكور.

المصدر : الجزيرة