جنة المخرج محمد خان.. سر دراما المكان والطعام في أفلامه

المخرج محمد خان
المخرج محمد خان قدم 24 فيلما روائيا خلال رحلته الفنية (مواقع التواصل الاجتماعي)

"الواقعية" هى الكلمة الأكثر دقة وتعبيرا عن سمة أفلام المخرج محمد خان الذي تحل الذكرى الرابعة لرحيله، إذ غاب عن المشهد السينمائي في عام 2016، تاركا وراءه إرثا سينمائيا كبيرا في مضمونه وفي نجاحه.

غير أن أن حصاد 73 عاما عاشها محمد خان كان 24 فيلما روائيا فقط، وتجربة فوازير "فرح فرح" وفيلمه القصير الأول، بالإضافة لعمله كمساعد مخرج في بداية رحلته الفنية.

البشر والمكان في أفلام خان

"لا أهتم بالحدوتة ولا أهتم بالحلول للواقع، ما يهمني فقط التفاصيل، هناك أشياء صغيرة أحاول تمريرها في أفلامي أتمنى أن يفهمها الناس"، عبارات قالها محمد خان خلال مقابلات أجراها قبل رحيله تكشف عن شغفه بالتفاصيل والبشر، بينما يكمن السر أيضا في ارتباطه بالمكان والشوارع، وهو ما يظهر بوضوح من خلال أفلامه التي قدمها.

محمد خان الذي ولد عام 1942 في مصر لأب باكستاني وأُمّ مصرية من أصل بريطاني. سافر مع أسرته إلى لندن وهو لا يزال في عمر الرابعة عشرة، ليدرس الهندسة المعمارية أولا قبل أن يقرر الالتحاق بمعهد السينما ودراستها هناك.

وبعد أن عاد إلى مصر مكث عاما واحدا فقط، عمل خلاله في قسم قراءة السيناريو تحت إدارة المخرج صلاح أبو سيف، لكن الأمر لم يرض شغف خان الذي سافر إلى لبنان وعمل مساعد مخرج مع مخرجين مثل وديع فارس وكوستا ويوسف معلوف وغيرهم، شارك خلال تلك السنوات في أفلام مثل "مغامرات فلفلة" و"إنتربول في بيروت"، كما أخرج فيلما قصيرا بعنوان "البطيخة" في عام 1972.

لكنه عاد بعدها إلى لندن قبل أن يقرر العودة والاستقرار بمصر في عام 1977، وبعدها انطلق متجولا بكاميرته في شوارع مصر، راصدا للتفاصيل والتغيرات والبشر.

مغامرة نور الشريف

كانت الانطلاقة بعد ثلاث سنوات من عودته إلى مصر، وتحديدا في عام 1980 حين قدم فيلم "ضربة شمس"، ولم يكن خان مخرجا معروفا في مصر، لكن حماسة نور الشريف للعمل كمنتج وممثل أعطت شرارة البداية لمخرج مهم هو محمد خان.

ورصد خان في تجربته الأولى "ضربة شمس" التغييرات التي حدثت في الشارع المصري، وبالرغم من بساطة الحكاية التي يتناولها الفيلم لكنها حملت بعدا فلسفيا مثل معاناة الذات مع الآخرين والمتجسدة في بطل الفيلم "شمس"، تلك الشخصية التي تبدو عادية وبسيطة لكنها مركبة.

كما تكللت جهود خان في العمل بنجاح جماهيري كبير، حيث شارك في مهرجانات عالمية وقتها. ولأن خان محب للتفاصيل والشوارع فكانت المشاهد الخارجية هي الغالبة على "ضربة شمس"، وهي السمة التي ميّزت سائر أفلامه لاحقا.

ستة أفلام مع أحمد زكي

نجاح "ضربة شمس" كان كفيلا بأن يحدد هوية خان وقتها على الخريطة السينمائية، فأصبح اسمه عنصر جذب لنجوم كبار على الساحة وقتها، ولكن كان لأحمد زكي نصيب الأسد بستة أفلام بدأت بالتعاون معه في فيلم "موعد على العشاء" وبمشاركة الفنانة سعاد حسني التي تحمست في عز نجوميتها لمخرج لا يزال في تجاربه الأولى.

والفيلم -"موعد على العشاء"- ينسج العلاقات الإنسانية من خلال الزوجة التي تعاني من إهمال زوجها وتحاول الابتعاد عن سطوة الزوج الذي ضمها لممتلكاته من خلال قصة حب تعيشها مع مصفف شعر.

ولأن العلاقات البشرية كانت محور اهتمامات خان، وعلى الرغم من أن البعض يصنف فيلم "زوجة رجل مهم" بأنه عمل سياسي، فإن الفيلم الذي قدمه أيضا مع أحمد زكي وقامت ببطولته ميرفت أمين يكشف الأحاسيس والمشاعر البشرية والكراهية الشديدة بين بطلي الفيلم.

وتعد نجلاء فتحي أيضا من النجمات اللاتي شاركن أفلامه فقدمت مع "زكي" تجربة "أحلام هند وكاميليا"، وهو العمل الذي اهتم من خلاله محمد خان بطبقة المهمشين والفقراء، فبطل الفيلم يلجأ للسرقة بينما تخدم البطلة في البيوت لتوفير قوت يومها، ويظل حلمها هو الذهاب إلى الإسكندرية لرؤية البحر.

قدم زكي وخان أيضا "طائر على الطريق" و"مستر كاراتيه" والذي عاد من خلاله للطبقة المهمشة من خلال البطل الذي جاء من قريته البسيطة وهو يحلم باحتراف رياضة الكاراتيه ويعمل في جراج.

وعاد محمد خان للتعاون مع الفنانة ميرفت أمين وزكي في فيلم "أيام السادات"، وهو العمل الوحيد الذي يصنف من أفلام السيرة الذاتية في مشوار خان الفني.

دراما الطعام في أفلام خان

الأكل هو أحد أبطال فيلمه "خرج ولم يعد" الذي قام ببطولته فريد شوقي ويحيى الفخراني وليلى علوي، ويرصد خان من خلال علاقة بطل الفيلم عطية بالأكل كيف تحولت حياته التائهة الضائعة إلى حياة مستقرة بعد وجبات عامرة قدمها أهل الريف للقادم من المدينة.

وفي هذا الفيلم أيضا يكتشف البطل متعا بسيطة في الحياة بعيدا عن وحشية المدينة التي أهدر حياته بها بين دفاترها وموظفيها، وعلى الرغم من كثرة مشاهد الطعام في الفيلم فإنه حرص على أن يكون ذلك في قالب جذاب.

وفي فيلم "موعد على العشاء" أيضا كان الطعام هو التعبير عن الحب، وهو أيضا أداة انتقام البطلة من زوجها بعد قتله لحبيبها حيث وضعت له "السم" في صينية "المسقعة" التي يعشقها.

ومن خلال الطعام أيضا يعبر محمد خان عن الجفاء بين بطلي فيلم "زوجة رجل مهم"، فحين يصر هشام على أن يصطحب زوجته للعشاء بالخارج من أجل السيطرة عليها يأتي الطعام باردا واللحم نيئا ليؤكد على الجفاء والفتور بينهما.

جيل الشباب

بالروح والشغف ذاتهما، استطاع محمد خان أن يواصل نجاحه فجاءت آخر تجاربه مع جيل الشباب فقدم مع منة شلبي وهند صبري فيلم "بنات وسط البلد"، ومع غادة عادل وخالد أبو النجا "في شقة مصر الجديدة"، ومع ياسمين رئيس "فتاة المصنع"، وقبل رحيله بعام قدم آخر أفلامه -"قبل زحمة الصيف"- وكانت هَنا شيحة آخر بطلاته.

المصدر : الجزيرة