الفنون الشعبية تعبير عن الهوية الثقافية

Japanese women wearing kimonos attend their Coming of Age Day celebration ceremony at Toshimaen amusement park in Tokyo, Japan January 14, 2019. REUTERS/Issei Kato
رغم تطور اليابان الكبير فإنها ما زالت تحتفظ بالكيمونو بأقمشته الحريرية وزخارفه التقليدية (رويترز)

سارة عابدين

يعتبر الفن الشعبي فنا بصريا وظيفيا، يصنع باليد أو بآلات بسيطة، من قبل مجموعة صغيرة من الفنانين الشعبيين ويعبر عن طريقة الإنسان في صنع الحضارات عن طريق إنتاج أدوات أو لوحات أو مبان مفيدة، لكنها في الوقت نفسه جميلة ومعبرة عن ثقافة الصانع وبيئته.

ويشير مفهوم الفن الشعبي إلى فن الشعب، الذي يختلف عن فنون النخبة أو الفنان المحترف الذي يشكل تيار الفن الرئيسي في المجتمع، وهو مصطلح يجمع أنواعا فنية متعددة ومتباينة.

وقد تم اعتماد المصطلح شرقيا وغربيا، لتعيين تلك الفئة الفنية المنتجة بشكل تجاري لتلبية الذوق الشعبي، باعتباره فنا أنشئ بين مجموعات صغيرة في إطار مجتمع متطور، لكن لأسباب ثقافية أو جغرافية يتم فصلها إلى حد كبير عن التطورات الفنية العالمية في عصرها، بشكل يجعلها أقرب للاندثار مثل فنون قرى الصعيد وواحة سيوة والفنون التراثية المصرية.

الجانب النفعي
يعبر الفن الشعبي عن الهوية الثقافية وينقل القيم الجمالية المجتمعية، ويشمل مجموعة من الوسائط النفعية والديكورية، بما في ذلك القماش والتطريز والأخشاب، والفخار والمعادن، ويعكس الأشكال الفنية التقليدية للمجموعات الصغيرة داخل المجتمع والمختلفة إثنيا، أو قبليا، أو جغرافيا، أو دينيا، أو مهنيا.

وينتقل الفن الشعبي في بيئة اجتماعية غير رسمية من خلال التعلم على يد الصانع الأكبر سنا في المجتمع أو العائلة، بشكل فطري لا يستخدم فيه قواعد الرسم الكلاسيكية ولا نسب المنظور المدروسة.

يتم إنتاجه بوصفه فنا لإنتاج ضرورات الحياة، أو لتلبية الاحتياجات اليومية، لذلك يوجد ميل إلى استبعاد وفصل الفن الشعبي عن الأشكال الجمالية الكلاسيكية الأكثر صرامة، حيث لا يهتم صانع الفن الشعبي بالديمومة والخلود، لكن الاهتمام الأكبر يكون بتقديم الوظيفة التي صنع الفن الشعبي من أجلها، لذلك هناك نسبة كبيرة من الفنون الشعبية سريعة الزوال.

تعد منتجات الفن الشعبي غالبا من أصول مجهولة، لم يخضع منتجوها للتدريب الجمالي أو الفني بالمعنى الأكاديمي، وقد تم اكتشافه من قبل مؤرخي الفنون أواخر القرن 19 باعتباره جزءا تاريخيا وجماليا من الثقافة التقليدية، يرافقه اختفاء متزايد لهذه الظاهرة خاصة في المجتمعات الصناعية المتطورة.

عودة للأصول
مع بداية الالتفات للفن الشعبي وأهميته كجزء من التراث الثقافي والحضاري لكل بلد، أصبحت هناك مجموعات حكومية أو مستقلة أو متاحف صغيرة، تقوم عن طريق مبادرات خاصة، بجمع ما تبقى أو مازال قائما من الفنون الشعبية، ومن صناع الحرف التقليدية لتطوير تلك الحرف أو إنشاء أماكن جديدة لتعليم أصول الفنون الشعبية حفاظا على تلك الفنون من الاندثار.

هل هناك بالفعل مساحة للفنون الشعبية في العالم الحديث؟ وهل مازالت تحافظ على شكلها التقليدي أم يحاول صناعها تطويرها تبعا للتطور الجمالي والثقافي في المجتمع؟ وبعد التطور الصناعي الكبير، شعرت الشعوب بالحاجة إلى العودة إلى أصولها من جديد، وبسبب الأثر الكبير للعولمة وفنون ما بعد الحداثة.

وقد حاولت الشعوب العودة مجددا للجذور والتأكيد على ما يرسخ هويتها الثقافية والحضارية، فأصبحت تستعيد تراثها الشعبي بالمجالات الفنية المختلفة، وتستعمل تلك المنتجات كأدوات جذب سياحي، وأصبحت الطبقة الأكثر ثراء تستعمل تلك الفنون في تزيين منازلها، بالإضافة إلى تضاؤل اليد العاملة في الفنون التراثية الشعبية وندرتها، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار تلك المنتجات، حتى أنها لم تعد تنتج للغايات النفعية الأصلية التي صنعت لها في البداية، بل أصبحت لغايات تزيينية ربحية بحتة، مما أفقدها الكثير من جوهرها الأصلي والبدائي.

.. ومن حضارات مختلفة
أميركا الجنوبية: من أشهر أنواع الفنون الشعبية في بلاد أميركا الجنوبية مثل الأرجنتين وإكوادور وبيرو، صناعة المنسوجات من الصوف المحلي (كنزات، قبعات أوشحة) وهناك العديد من العلامات التجارية المعاصرة التي تستفيد من تراث قبائل الإنكا في تصميماتها الحديثة.

غرب أفريقيا: من أهم المنتجات التراثية بهذه المنطقة منسوجات الكينتي kenteالتي أتقنتها قبائل الأشانتيس عبر قرون طويلة، وهي مصنوعة من خيوط الحرير، ولها ألوان قوية وجذابة للغاية، وقد انتقلت لبيوت الأزياء الأوروبية من خلال مصممي أزياء مثل "أتيليه فليسكو، فيكتور آند رولف" Vlisco Atelier ،Victor& Rolf.

خيول دالا السويدية: تعد التقاليد الفلكلورية السويدية من أقوى التقاليد، سواء الملابس أو الموسيقى، وفي الوقت الذي تتلاشى فيه بعض الفنون التراثية بالعالم، أصبحت الفنون الشعبية السويدية أقوى من أي وقت مضى، لذلك أصبحنا نرى الخيول الخشبية الحمراء في كل متاجر ومكتبات السويد، وربما خارجها.

الكيمونو الياباني: بالرغم من التطور الكبير باليابان فإنها ما زالت تحتفظ بالكيمونو بأقمشته الحريرية وزخارفه التقليدية، كواحد من أهم فنون اليابان التراثية، بل وعلامة مميزة للمرأة هناك خاصة مع تصفيف الشعر بطريقة مميزة، وأصبح الكيمونو واحدا من أهم المقتنيات التي يسعى إليها الزائرون.

الخزف المغربي: تعتبر المغرب من أهم البلاد المنتجة للخزف عالميا، وهناك الخزف القروي الذي يستعمل بشكل يومي دون تلوين، والخزف الحضري ذو الألوان الزاهية والنقوش النباتية التراثية، ويستخدم بأواني الطبخ أو أدوات التزيين والمباخر، وطاجين الطبخ يعد واحدا من أهم منتجات المغرب الشعبية.

التَلي الأسيوطي بمصر: يعتبر التلي من أقدم الفنون التراثية المصرية، تتوارثه نساء الصعيد عبر الأجيال. وهو نوع من النسيج ينفذ بأشرطة معدنية رقيقة على شبكة من قماش الحرير أو القطن. وقديما كانت الخيوط من الفضة الخالصة، أما حاليا فيستخدم فيها الخيوط المصنوعة من النحاس المطلي بالفضة أو النيكل.

ورغم محليته الشديدة فإن التلي الآن وصل لصناع الموضة في العالم، وأصبح هناك اهتمام كبير بتعليمه للأجيال الجديدة مما أدى لارتفاع شديد بأسعار منتجاته.

المصدر : الجزيرة